عرفه محمد احمد يكتب " الحالة الاقتصادية المتردية وحلم الثراء السريع من أهم أسبابها حمي التنقيب عن الآثار تجتاح الصعيد

منذ عقود كان التنقيب عن الآثار المخبأة في باطن الأرض مهنة احترفتها عائلات شهيرة معدودة في صعيد مصر منها عائلة عبد الرسول ... التحولات الاقتصادية الخطيرة التى شهدتها مصر خلال الفترة الأخيرة من غلاء الأسعار وتدني الأجور وارتفاع نسبة البطالة بصرة مفزعة وانعكاساتها السلبية على الواقع المعيشي للمواطنين وبخاصة في صعيد مصر أحدثت تحولاً لتتسع دائرة المنقبين من أسر شهيرة معدودة وبعض الهواة إلى غالبية السكان في ظل قانون شكلي لا يحمل عقوبات رادعة لتتفشي حمي التنقيب عن الآثار .
تعتمد عملية التنقيب على وسائل بسيطة في المعدات والأفراد مع تكريس الموروثات الشعبية مثل الاستعانة " بشيخ مغربي " كذلك " الطقس المغربي " الذي له فعالية مدهشة في شق الأرض وتكبيل الرصد .. وتتوالي الروايات عن قبيلة في المغرب تفتح فيها مدينة العلم مرة واحدة في العام حيث يتلقي سكان تلك القبيلة علوم الروحانيات والفلك واستخراج الكنوز المخبأة في باطن الأرض ... ومن هنا تكون للشيوخ المغاربة القدرة على الإلمام بالمواقع الأثرية لذلك فقد كانت الاستعانة بالشيوخ المغاربة هي ألف باء التنقيب الشعبي وهي تمثل نوعاً من الحماية والتأمين للمنقبين من حراس اللقايا الخفيين من الجان المبينين من الفراعنة لحراسة كنوزهم الثمينة وفق المعتقدات القائلة بأن الفراعنة حينما دفنوا كنوزهم أعقبوها بتلاوات وتعازيم توهم من يقترب منها بأشياء حيوانية مخيفة وقسم المعتقد الشعبي أشكال الرصد إلى جني شديد وهو يفتك ومتوسط يحدث عاهات شديدة وخفيف وهو يسبب أضراراً ويكتفي بالتهديد .
" في مركز طما توجد قرية شمسي " كوم شقاو " هذه القرية لها جيولوجية مختلفة ، فهي تتوسطها مساحة كبيرة من المقابر التى يحيطها سور كبير ، يقال أن هذه القرية كانت مكاناً لمقابر الأسر البطلمية والرومانية ، تتوالي حكايات كثيرة عن كميات الكنوز واللقايا التى توجد تحت هذه القرية ، يقال إنه ما أن يحل الليل على هذه القرية حتى يبدأ البحث عن اللقايا ... الكل يبحث تحت بيته عن كنز فرعوني أو لقية تخرجه من مستوي اجتماعي إلى مستوي آخر أعلي ... الكلام السابق تبرهن عليه كثير من الوقائع ، فقد حدث أن توقفت عمليات البناء في مدرسة الشهيد " رفعت حنفي الابتدائية " بسبب اصطدام عمال الحفر بمقبرة كبيرة ... كذلك حدوث هبوط أرضي في هذه المدرسة بعد مرور سنة واحدة من انتهاء عمليات البناء والتشييد فيها .
كذلك لا يستطيع أحد سكان القرية حفر دورة مياه أو إزالة بيته القديم إلا بعد الحصول على تصريح حكومي بذلك ، ليس هذا فقط ، بل تقوم الشرطة بتعيين مجموعة من الحفر لمراقبة عمليات الإزالة والحفر في هذه المنازل القديمة . الناس في هذه القرية يتناقلون حكاية الشارع أو النفق الذي يمر تحت أرض القرية ، وقد اكتشفوا ذلك عندما دخلت فيه احد المواشي ولم تخرج ثانية ، يخشي أهل قرية كوم شقاو قيام هيئة الآثار بإزالة بيوت القرية للتنقيب عن كميات المقابر واللقايا والتى توجد على مسافة قريبة تحت أرض هذه القرية مثلما فعلت الحكومة بمنطقة المقابر في اخميم .
صعيد مصر الذي لم يبح بكل كنوزه الحضارية التى تحمل قيماً إنسانية وجمالة رفيعة المستوي والتى هي مثار اهتمام الجهات الأجنبية واهتمام الجهات المسئولة في مصر تلك الكنوز ليس هدفاً لمحاولات المطحونين وحدهم لإيجاد ما قد ينتشلهم من واقعهم المعيشي المتدني طالما حاولوا عبثاً إيجاد حلول فوق الأرض ولم يجدوا بل هي هدف لأصحاب النفوذ ومنهم نواب مجلس الشعب والأثرياء . التنقيب السري الذي احترفته حالياً شرائح اجتماعية كثيرة وفئات عمرية متفاوتة بدءاً من المراهقين وحتى العجائز أنتج ظاهرة اسطوانات بيع آثار مصر التى هي ذاتها تشكل سببا مباشراً لإدانة نظام التجويع ثم وزارة الثقافة التى لم تؤسس وعياً وطنياً يحترم معتقدات ومجسمات حضارة عمرها سبعة آلاف سنة وأخيراً مواد لقانون قابلة للتحايل عليها بأبسط الطرق .