مع فشل "مليونية الحسم" التي دعت إليها ونظمتها "جماعة الإخوان المسلمين" يوم الجمعة الماضي, وتوالي سقوط قادة "الجماعة", معتقلين بقبضة الأجهزة الأمنية, ومتهمين على ذمة قضايا جنائية. وطالت الاعتقالات المرشد العام للجماعة الدكتور محمد بديع, ونائبه الرجل القوي خيرت الشاطر, والعشرات الآخرين من أعضاء مكتب الإرشاد ومجلس الشورى بالجماعة, كما استمرت الملاحقات الأمنية للمئات من كوادر الجماعة بمحافظات ومدن مصر، الأمر الذي يعجل من سقوط الجماعة تنظيميا وسياسيا.
وأكد المفكر السياسي الدكتور عمرو الشوبكي، الخبير بشؤون الجماعات الإسلامية، على أهمية التمييز بين مسألتين: الأولى: إن قوة جماعة الإخوان المسلمين ليست في إطارها الفكري ولا في تماسك خطابها السياسي, والذى تبين للجميع أنه خطاب مراوغ، إنما تكمن القوة في الإطار التنظيمي للجماعة, وهو إطار قائم على مبدأ السمع والطاعة تحت تراقبية صارمة يلتزم بها الأعضاء, وبالتالي فإن اعتقال قادة الجماعة لابد أن يؤثر بشكل كبير على قدراتها التنظيمية, واتضح هذا جليا فيما سُمي ب"جمعة الحسم" أو "الطوفان", وتبين أنها بلا حسم ولا طوفان، فقد ظهر الضعف الشديد على الجماعة ولم تتمكن من الحشد اللهمَّ بضعة آلاف هنا أو هناك .
والثانية: إن هذا الانهيار التنظيمي, وتهاوي القدرة على الحشد, لا يعني بالضرورة انتهاء الجماعة سياسياً، بل يمكن أن تظل موجودة, لكن بشروط الدولة, وليس بشروط الجماعة، وهنا تكمن المشكلة بمعنى أن الجماعة قابلة للانهيار السياسي بعد انهيارها التنظيمي ليس فقط نتيجة لملاحقة قادتها أمنياً, بل لغياب "الظهير الشعبي" الذي كان سنداً لها على الدوام في صراعتها ونكباتها السابقة، كما حدث في العصر الملكي عام 1948, وفي عصر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر خلال أزمتي عام 1954 على خلفية اتهام الجماعة بمحاولة اغتيال الرئيس المصري آنذاك جمال عبدالناصر بميدان المنشية في محافظة الإسكندرية، وعام 1965 لاتهامها بمحاولة قلب نظام الحكم, وكذلك الحال في عصري أنور السادات وحسني مبارك، ففي جميع هذه المعارك الإخوانية مع النظم السابقة، كان هناك دائما ظهير شعبي مناصر لها، وهو ما يغيب الآن، ففي هذه المرة فقد الإخوان كل تأييد شعبي, بل صاروا في مواجهة مباشرة مع الشعب, ومشكلتهم الكبرى الآن التي ستؤدي بهم إلى الانهيار التنظيمي والسياسي تماما, هي إنكارهم لهذا الرفض .
ويشدد الشوبكي على أن هذا الرفض الشعبي الواسع لهم, الذي عبر عن نفسه في "ثورة 30 يونيو" وانتهى بعزل الرئيس الإخواني محمد مرسي, وعزلهم وانعزالهم شعبيا، مع الملاحقة الأمنية للقادة, يصيب الجماعة بالشلل التنظيمي والسياسي، وربما كان للجماعة أن تفلت من الانهيار السياسي, لو أنها قادرة على احتواء هذا الرفض الشعبي وعلاجه، ولكنها تنكره تماما, ومن ثم يصعب عليها التعامل معه, ويكون الانهيار هو المصير المحتوم إذا استمر هذا العناد.
ويرى القيادي بحزب الكرامة، رئيس المركز الإفريقي للديمقراطية ودراسات حقوق الإنسان, محمد منيب، أن المشهد الإخواني داخل صفوف الجماعة , تشوبه الآن حالة من الارتباك الشديد.
وأوضح أن هذا الارتباك يرجع لعدة أسباب وهي اكتشاف أعضاء الجماعة لكذب القيادات أمامهم وأمام المجتمع, وفشل هذه القيادات في إدارة الدولة, وضعف إمكاناتهم في إدارة الأزمات والتعامل معها.
وأشار إلى المأزق الشديد للجماعة بشأن العنف وتكفير المجتمع والمعارضين, لأن هذا النهج "العنفي" و"التكفيري" ظهر فجأة بعد إزاحتهم عن السلطة, معاكساً ومناقضاً لخطابهم المعلن طيلة مشوارهم السياسي.
وذكر منيب أن خلو المشهد الإخوانى حالياً من القيادات العليا والوسيطة, إلا قليلاً, يخلق مشكلة، فهذا "القليل" من القيادات الوسطى أو الدنيا لم يعتد اتخاذ قرارات ولا حتى مواقف, فضلاً عن حرمانهم من الحق في التفكير تحت الشعار السرمدي للجماعة وهو "السمع والطاعة ".
ولفت منيب إلى أن أهم القوانين الإخوانية التي يتعلمها الأعضاء هي أن "خطأ القيادات أكثر صواباً من صواب القواعد"، لذا فإن الخلل الذي طال بنيان الجماعة يؤثر سلباً على مستقبلها, ويثير إشكالية حول كيفية الخروج من المأزق الراهن, في ظل فتاوى تجريم وتحريم التعامل مع السلطات الحالية والقوى السياسية المختلفة, والتي انطلقت على مدى 48 يوماً على منصتي رابعة العدوية والنهضة إبان الاعتصام.
ورغم كل ما سبق يستبعد منيب اختفاء الإخوان من المشهد السياسي في المرحلة القادمة, ولكن ربما تكون مرحلة سكون لحين ترتيب الأوراق وإعادة اكتشاف الذات الإخوانية, والمراجعة الفكرية، فإن لم يتم ذلك خلال عام, سنكون أمام انحسار إخواني, تكرارا لظاهرة تاريخية، وهي تراجع أحد المجموعات أو التنظيمات الإسلامية, على غرار الخوارج والمعتزلة وغيرهما من الفرق التي تظهر, ويكون لها حضورها على الساحة, ثم تختفي لعدم قدرتها على تجديد الأفكار.