تؤكد التقارير الواردة من دمشق اخلاء النظام السوري مقراته الأمنية والحكومية المهمة، وأكثر من 200 مخفر حدودي مع العراق، وتتوالى التحليلات حول سقف الرد الذي تهدد به دمشقوطهران وحزب الله في حال تم تنفيذ الضربة المتوقعة. بيروت: في ظل تتالي التقارير الدولية التي تؤكد ان الضربات الأميركية الغربية لسوريا وشيكة الحدوث، وتلويح موسكو بمغادرة قواعدها في طرطوس، أشار ناشطون سوريون إلى أن النظام السوري يخلي مقراته الأمنية والحكومية المهمة، التي قد تكون على لائحة أهداف الضربة الجوية المتوقعة بين لحظة وأخرى. إخلاء داخلي وحدودي وأكد المركز الإعلامي السوري قيام شاحنات تابعة للجيش السوري بإخلاء مقرات الفرقة الرابعة خلف جبل قاسيون في دمشق، مع إطفاء الأنوار المحيطة بها. وأشارت مصادر معارضة إلى قيام النظام بإخلاء موظفي فروع المخابرات السورية، ونقلهم إلى مراكز سرية بديلة يقع بعضها في حي الصبورة بضواحي دمشق، وبعضها الآخر على مسافة قريبة من المقرات والإدارات الأمنية الأصلية، ضمن المدارس، مبقيًا آلاف المعتقلين في السجون. كما ذكر ناشطون أن النظام أخلى الحي الشرقي بشكل شبه كامل من ساكنيه المعروفين بجيش الدفاع الوطني، وذلك في معضمية الشام بريف دمشق، حيث توجهوا إلى العاصمة دمشق. وأكدوا أن أعدادًا كبيرة من الشبيحة سلموا أسلحتهم وبطاقاتهم الأمنية للفروع الأمنية، وطالب غالبيتهم القيادة العسكرية بتأمين منازل ومأوى آمن لعائلاتهم. في سياق متصل، أفادت تقارير صحافية خلو أكثر من 200 مخفر حدودي تابع لنظام بشار الأسد، على طول الحدود العراقية- السورية من فش خابور شمالًا حتى منفذ الوليد في الأنبار جنوبًا، من أي قوات نظامية. ونقلت هذه التقارير عن الفريق الركن حسن كريم، قائد عمليات الجزيرة والبادية، قوله إن قوات الأمن العراقية مسؤولة عن حفظ أمن العراق وسوريا أيضًا، بسبب خلو المخافر الحدودية من القطعات السورية. أضاف: "تتولى قطعاتنا، وهي قوات مشتركة من الجيش والشرطة وحرس الحدود والبيشمركة والتشكيلات الأمنية الأخرى، منع تسلل المهربين والمسلحين إلى العمق العراقي قدومًا من سوريا، ومنع تسلل أي من المهربين والمسلحين من الجانب العراقي إلى العمق السوري". إلى ذلك، نقلت بعض التقارير الصحفية اللبنانية عن مصادر في لبنان تأكيدها أن ضباطًا سوريين هربوا عائلاتهم إلى لبنان، لوقايتهم من الضربات العسكرية المتوقعة، وشوهد العديد منهم في مطار رفيق الحريري الدولي، متجهًا إلى جهات مجهولة. وأعلنت تنسيقية اللاجئين السوريين في لبنان أن بعض هؤلاء الضباط نجح بالهروب عن طريق بيروت، وسيلحقهم البعض الآخر. ومن المتوقع أن يظهروا إعلاميًا ليعلنوا انشقاقهم عن نظام الأسد، بعد تأمينهم. من جهته قال مدير المرصد رامي عبد الرحمن في اتصال هاتفي مع وكالة فرانس برس ان القوات النظامية "عمدت الى تبديل مواقع بشكل تمويهي خلال الساعات الثماني والاربعين الماضية". واوضح ان ما يجري "ليس اخلاء، بل تبديل مواقع"، مشيرا الى ان العملية شملت "عشرات المراكز والقيادات العسكرية وقيادات الفرق ليس فقط في دمشق، بل في حمص وحماة (وسط) والساحل (غرب) والسويداء ودرعا (جنوب)". وقال الناشط الاعلامي المعارض ابو نديم الموجود في منطقة دمشق الاربعاء في اتصال مع وكالة فرانس برس عبر سكايب "لوحظ ان الجيش ازال حاجزا له في منطقة الصبورة على طريق بيروت. كما سحب بعض الحواجز من مدينة الزبداني شمال غرب دمشق الى خارجها". وردا على سؤال عن موقف الناشطين على الارض من احتمال حصول ضربة غربية، قال ابو نديم "لا يوجد رجل وطني يتمنى حصول تدخل خارجي، لكن لا راي لنا في ما يحصل. المستبد هو الذي استدعى التدخل الخارجي".
تدحرج الأمور هذا الاخلاء تدبير استباقي سوري. لكن التساؤل يدور حول رد دمشق على الضربات الأميركية والغربية إن حصلت. وكان الرئيس السوري بشار الاسد حذر الولاياتالمتحدة من شن هجمات ضد بلاده، من دون ان يشير علنًا إلى احتمالات الرد. وقال لصحيفة روسية إن أي تدخل عسكري ضد بلاده سيكون مصيره الفشل، متوجهًا الى الاميركيين بالقول: "هل تعلموا دروسًا من الخمسين عامًا الماضية؟ هل قرأوا ما فعله السياسيون حين فشلت حروبهم منذ فيتنام حتى اليوم؟". من جانب آخر، كان امين عام حزب الله حسن نصرالله واضحًا في تحذيره من تدخل عسكري في سوريا، في خطاب ألقاه في نيسان (ابريل) الماضي، حين قال: "لسوريا في المنطقة والعالم اصدقاء حقيقيون، لن يسمحوا لسوريا أن تسقط بيد أميركا أو اسرائيل أو الجماعات التكفيرية"، محذرًا من تدحرج الامور في المستقبل إلى ما هو اخطر، ما قد يضطر دولًا أو وقوى وحركات مقاومة إلى تدخل فعلي في المواجهة الميدانية في سوريا. وكذلك هددت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة، الموالية للنظام السوري، من استهداف مصالح من يشاركون في العدوان على سوريا. وكتب ابراهيم الامين، رئيس تحرير صحيفة الاخبار اللبنانية الموالية لدمشق وحزب الله، الثلاثاء: "ما الذي يضمن توقف الأمور عند هذا الحد؟ ومن الذي يضمن أن مواجهة من هذا النوع لن تتدحرج إلى حرب واسعة؟ ومن بمقدوره الجزم، من الآن، بأن الرد على الضربة لن يفتح باب جهنم على الجميع؟". ويعتقد بسام ابو عبد الله، مدير مركز دمشق للدراسات الاستراتجية، إنه في حال حصول الضربة العسكرية، "لن يتوقف الأمر لأن الطرف الآخر سيرد بالمطلق، وبالتأكيد ستكون المعركة اقليمية، فثمة محوران يتصارعان، وفي حالة العدوان، لا أحد يكشف أوراقه" المستنقع السوري ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن محللين تأكيدهم أن دمشق وحلفاءها سيعمدون إلى رد فعل محدود، في حال وجه الغرب ضربة عسكرية موضعية اسوريا، لكن هجومًا شاملًا لاسقاط النظام السوري قد يشعل المنطقة. فجوزيف باحوط، الاستاذ في معهد العلوم السياسية في باريس، قال للوكالة إن الأمر يعتمد على طبيعة ومدى وهدف الضربة الغربية، وهويميل إلى الاعتقاد بأنها ستكون ضربة تحذيرية، لا اكثر. ويضيف: "في هذه الحال، لن يذهب حزب الله أو إيران بعيدًا في الرد، ويمكننا أن نتخيل اضرارًا جانبية غير مباشرة، كهجمات ضد قوات الاممالمتحدة في جنوب لبنان، أو اطلاق صواريخ مجهولة المصدر على اسرائيل". وفي السيناريو الثاني، لا يستبعد باحوط رد فعل قاس من إيران، متسائلًا: "ماذا سيكون عليه رد الفعل الروسي؟"، بعدما حذرت موسكو الثلاثاء من عواقب كارثية على الشرق الاوسط وشمال افريقيا لأي تدخل عسكري في سوريا، مع تأكيد خارجيتها أنها لا تعتزم خوض قتال مع أحد. أما ايران، فأتى التحذير على لسان العميد مسعود جزائري، مساعد رئيس أركان القوات المسلحة الايرانية، من تداعيات شديدة على البيت الابيض في حال شن هجمات ضد سوريا. ويرى امير موهبيان، المحلل والصحافي المقيم في طهران: "في حال قرر الاميركيون التدخل، سيقعون في فخ نصبوه لانفسهم، وستبقى ايران على الهامش لتراقب الاميركيين وحلفاءهم يغرقون في المستنقع السوري".