استمرت وتصاعدت مظاهر العنف السياسي مصر منذ تولي الاخوان المسلمين لنظام الحكم في مصر في 30 يونيو 2012، بتولي الدكتور محمد مرسي الاخواني لمنصب رئاسة الجمهورية. وهو التاريخ الذي كان يفترض فيه ان يبدأ انخفاض مستوي العنف السياسي في مصر، وأيضا انحسار موجة الانفلات الامني. وهذا العنف بات ظاهرة متعددة وذات مدي متسع ومتسارعة في احداثها، وقد استمر العنف متصاعد خلال مراحل التحليل السابقة في مصر وعقب انتهاء احداث ثورة 25 يناير في 2011، وحتي الآن. وهذا الافتراض السابق كان يعتمد علي حقيقة انه هذه اللحظة في تاريخ مصر السياسي، هى لحظة بدء تكوين نظام مؤسسي سياسي يقوم علي قواعد جديدة لتوازن مثلث القوي الوطنية، بين الشعب والنظام السياسي والقوات المسلحة، وهي اللحظة التي اجتهدت كل القوي المدنية للوصول اليها. ولكن الوصول الي الهدف ليس وحده كافيا في حالة عدم جاهزية البدائل المستقبلية المنطقية المتوافق عليها في إدارة الدولة وإعادة بناء نظامها السياسي. وأول هذه القواعد التوازنية التي كان يتوق اليها المصريين، هي الالتزام بتحقيق التوافق المجتمعي المصري شعبيا وسياسيا في بناء الدولة المصرية المدنية الديمقراطية الحديثة ذات مرجعية مدنية. والثاني ضمان استمرار حرية المشاركة السياسية للاجيال القادمة. والثالث سيادة مبدأ العدالة الاجتماعية بين كل اطياف المجتمع المصري فلا يظلم أحدا لتحقيق مصالح الآخرين علي حسابه. والقاعدة الرابعة هي الانطلاق الواثق لعملية التنمية المستدامة لبناء القوة المصرية بمعناها الشامل.
الا ان خروج الاخوان المسلمين بقيادة الرئيس محمد مرسي عن الالتزام بهذه القواعد التوازنية الاربعة منذ اللحظة الاولي لتوليهم السلطة السياسية في مصر وممارسة واجباتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والاستراتيجية اطاح بفكرة تحقيق توازن القوي التوافقي، ويتم هذا فقط لصالح فرض وتفعيل أفكارهم الايديولوجية وفي اتجاها لاقصي مدة ممكنة، واستثمار الفرصة التي اتاحتها لهم ملابسات الثورة المصرية في 25 يناير 2011 ، سواء الداخلية والخارجية لتحقيق مشروعهم لأسلمة نظام الحكم في مصر، والانطلاق لتفعيل مشروع اسلامي اقليمي، هو في الواقع في سياق مشروع دولي لاعادة تقسيم منطقة الشرق الاوسط علي اسس طائفية برعاية امريكية. وقد مثل ذلك صدمة للمصريين تولد علي اثرها مقاومة شديدة كرد فعل عكسي للنخب السياسية والشعبية المعارضة لايديولوجية الاخوان المسلمين، ويتم ذلك بشكل سريع ومتصاعد ومتحد امام خطر اخونة واسلمة نظام الحكم والمصريين في مصر وضياع المبادئ الاربعة السابقة والتي ضحي في سبيلها المصريين ماديا وبشريا بكثافة خلال شهور الفترة الانتقالية وحتي الآن.
حيث رصد تقرير «مؤشر الديمقراطية» الصادر عن المركز التنموى الدولى، الصادر في 2/6/2013، عن وقوع 1300 احتجاج فى الشارع خلال شهر مايو 2013..، ليصل عدد الاحتجاجات التى رصدها المؤشر منذ مطلع عام 2013 ل 5544، ويصبح هذا العام فارقة تاريخية ويصعد بمصر للمرتبة الأولى عالمياً فى عدد الاحتجاجات. وقد شملت الاحتجاجات 39 فئة من فئات الشعب المصرى والآلاف من الأهالى والمواطنين، بالاضافة الي انتفاض النشطاء المدنيون والسياسيون، وكان ذلك من اجل مطالب تتعلق بمناخ عمل ملائم يحفظ حقوقهم ويمكنهم من أداء واجباتهم فى ظل نظام لا يكتفى بانتهاك حقوقهم وحسب، بل يلقى عليهم أسباب فشل دولاب العمل المصرى، وبسبب التردى الهائل فى الخدمات والمرافق، وأن هذه الاحتجاجات عمت جميع المحافظات، وان ظلت القاهرة فى الصدارة، تلتها الإسكندرية ثم الشرقية والغربية. ويحذر المؤشر من استمرار إغلاق الأماكن السياحية من قبِل العاملين بالقطاع السياحى كوسيلة احتجاجية، حيث أغلقوا 5 مناطق أثرية خلال هذا الشهر، ما يؤثر بالسلب على الحركة السياحية بمصر. ويرى المؤشر أن خطف الجنود لا يعدو كونه مسلسلاً إرهابياً استُخدم كأداة احتجاجية للإفراج عن بعض السجناء لكنه لا يعكس سوى التدهور والانفلات الأمن. ويتوقع التقرير ارتفاعاً فى أعداد الاحتجاجات خلال شهر يونيو 2013 مع استمرار أزمات الطاقة والمياه والعبث الحكومى بمقدرات الدولة والتخبط الشديد على جميع المستويات دون إيجاد حلول واضحة، وستتوج فعالياته فى 30 يونيو الذى توقع المؤشر أن يكون يوماً ثورياً ربما يعيد للمصريين مشهد يناير 2011 برعاية حركة تمرد .
ازدادت الحشود الشعبية بكل الميادين والشوارع المصرية في كل انحاء الجمهورية قبل الساعة الرابعة والنصف هذا الليوم، للاعلان عن اصرارهم علي ارادتهم في تغيير النظام السياسي المصري بمساعدة القوات المسلحة. وقد انتظرت الحشود الشعبية صدور بيان القوات المسلحة بشكل سلمي ورائع، مدعوما بحملات اعلامية مكثفة مؤيدة لدعمهم.
وعلي الجانب الاخر سعت رموز جماعة الاخوان المسلمين لتحفيز أنصارها، للنزول الي الشوارع بالمحافظات للإعلان عن تأيدهم لبقاء النظام، ولكن من منطلق مخادع يصور الدفاع عن الاسلام والمسلمين هو الدفاع عن سلطه لجماعه معينة بعيده عن كفاءة الاداء العام او الاخلاص لغر ض تبادل السلطه بين جماعات مختلفه الهوية والتوجه فى السياسات العامه. وهي دعوات حملت في طياتها التحفيز والتهديد بإستخدام العنف ضد المؤيدين لعزل الرئيس، كما ظهر ورزال يظهر في ميدان رابعة العدوية بمدينة نصر وميدان النهضة بالجيزة بشكل اساسي. وفي هذه الاجواء المشحونة استمر اجتماع القوي السياسية المصرية والدكتور البرادعى ممثلا لتحالف الانقاذ المدنى وشيخ الأزهر والبابا تواضروس ووزير الدفاع وقيادات القوات المسلحة بوزارة الدفاع لتحديد خريطة الطريق المستقبلية لبناء الدولة المصرية المدنية الحديثة ، بعد ازاحة النظام الاخواني عن حكم مصر تنفيذا للارادة الشعبية المباشره .
ومن مصادر التمهيد لثورة 30 بونيه صدور الكتاب الاخوان المسلمون وازمه الحكم للكاتب فى الاسبوع الاول من مايو 2013، عن دار فرحة ودار بورصة الكتب. يقدم تصور مفاهيمى سياسى واستراتيجى مدعما بوقائع وتحليل استراتيجى ونظامى عن العجز البنائى الذى تعانى منه جماعة الاخوان فى تعاملها مع الواقع الاسترايجى الدولى. وهذا العجز لا ينبع فقط اساسا من عدم اتساق اشكالية الدولة والسلطة والدولة العظمى فى التصور الاخوانى الاستراتيجى ولكن والاهم اختفاء مفهوم الدولة كمفهوم حاكم فى العلاقات الدولية الحديثة وتقديم مفهوم السلطة والدولة العظمى والتنظيم العالمى للاخوان كمحور رئيسى للحركة الدولية. وياتى بيان ضعف الحركة الاخوانية الداخية من ان مصر فى الاساس تم تكوينها كدولة حديثة فى 1922 وكدولة معاصرة تقدم مفهوم الدور الاقليمى كمدخل كلى لحركتها كسلطة وطنية وكحركة بين الدول فى العالم هذا ينما تحول الحركة الاخوانية منذ وصولها الى السلطة ان تقوم بتخفيض الاهمية النسبية لمكونات مفهوم الدولة كمفهوم كلى يسيطر على تحركات السلطة والعلاقات الدولية ليقتصر فقط على المعنى القهرى دون الجوانب الاخرى، او فى قول اخر، العمل على انهاء المفهوم القومى المتوارث لميراث الدولة الوطنية باعتبارها مستقلة فى مواجة السلطة الحاكمة والدول الاجنبية. ويمكن القول بان ازمه السلطة الاخوانية الحالية وعدم قدرتها على خلق سياسات عامه فعالة ياتى من عدم رغبة صناع الاستراتيجية الاخوانية الحالية فى الاعتراف بالمفهومى بمفهوم الدولة القومية بالمعنى الوطنى . هذا لان فى هذا الاعتراف من الناحية المفهومية والعمية والحركية قضاء على الجوهر الكلى لفهوم الخلافة القائم على منطق الامارات او السلط الاسلامية والتى ترنو الى مركز امبراطورى دولى جديد الا وهو دولة الخلافة. فبناء محور السلطة والدولة العظمى فى سياق التنظيم الاخوانى العالمى فى سبيل الخلافة الاسلامية كصيغة امبراطوية عالمية هو المنهج السلطة الجديد فى مصر. هذا المنهج يورث مصر العديد من الازمات الممتده ويضعف قدراتها البنائية لان مصر خلقت كدولة ساعية للحرية ولعدالة والكفاءة والمساواه هذا من اجل ان تكون مخلصة لميراثها التنوير العظيم .
هذا الميراث التنويرى هدد من استمرار واستفحال الفتن الطائفية ، فقد تطورت الفتن فى جانب منها من كونها مظهر دامى للجماعه الاسلامية والجهادية فى الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى للصراع على السلطه الى كونها مظهر اكثر دموية واتساعا لعدم الرغبة للانصياع للاراده الشعبية المباشرة من جانب الاخوان المسلميين. فى هذا السياق حكمت جماعه الاخوان على نفسها بالخروج من الجماعه الوطنية.