حَثَّ القُرآن الكريم في مِنهاج دَعوته على العمل الصالح المقرون بالإيمان بالله تعالى والخالص لوجهه الكريم سبحانه؛ لأنَّ العمل الصالح هو العملُ المرضيّ عند الله تعالى، وهو الجامع لشيئين: الأول: أنْ يكون وفق الشَّرع الإسلامي. الثاني: أنْ يكون المقصود به مرضاة الله وطاعته.
فإذا فقَد العمل هذين الشيئين أو أحدهما، لم يكن مَرضِيًّا عند الله؛ وبالتالي لا أجرَ فيه ولا ثواب؛ قال تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: 110].
والمقصود بالعمل الصالح الصحيح؛ أي: الموافق للشَّرع الإسلامي، والخالص لوجه الله تعالى[1].
دعوة القُرآن إلى العمل الصالح وبيان مَكانته: ولم يلبثِ القُرآن في مُجمَل دَعواته الراشدة الهادية أنْ دعا إلى العمل الصالح في كثيرٍ من آياته الكريمة؛ وذلك لأنَّه ثمرة الإيمان بالله وباليوم الآخِر وبرسوله محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم.
وبه يظهَرُ معنى الشهادتين بالعمل والسلوك، ولأهميَّته في الإسلام جاءت الآيات الكثيرة به؛ فمرَّةً تقرنه بالإيمان، ومرَّةً تُبيِّن جَزاءه الحسن، وأُخرى تُصرِّح بأنَّ ما ينفع الإنسانَ في آخِرته هو الأعمالُ الصالحة، وأنَّ الله تعالى لا يضيعُ أجْر مَن عملها وقام بها، وتارةً تُبيِّن الآيات أنَّ الصالحات سببٌ لتكفير السيِّئات وغُفران الذنوب، وأنَّ الخسارة تلحَقُ الإنسانَ لا محالةَ إلا مَن آمَن وعمل الصالحات.
وهذا كلُّه يُبيِّن لنا بالاستِقراء للآيات القُرآنيَّة مَدَى اهتمام القُرآن وعنايته بالعمل الصالح والدلالة عليه وعلى طُرُقِه ووسائله، وإليك النصوص الدالَّة على هذه المعاني والموضِّحة لها: قال سبحانه وتعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ﴾ [الرعد: 29].
تنوُّع الأعمال الصالحة: والأعمال الصالحة كثيرةٌ؛ فهي جميعُ ما أمر الله تعالى به على وجه الوجوب أو الاستِحباب من العبادات والمعاملات، فإذا قام بها المسلم مُلاحِظًا الطاعة لربِّه، والانقِياد لشرعه، مبتغيًا بها وجه الله، فهو من أصحاب الأعمال الصالحة، وفي مقدِّمة هذه الأعمال الصالحة العبادات التي جاءت في حديث جبريل، وهي: الصلاة والزكاة والصيام والحج، فهي أركانُ الإسلام التي لا يجوزُ التهاون بها مُطلَقًا أو التقليل من أهميَّتها.
وقد رأينا بعضَ أثَر العبادات في دعوة القُرآن السابقة إلى إقامة العبادات بشتَّى صُوَرها وأنواعها؛ لأنَّ للعبادات المختلفة تأثيرًا واضحًا في سلوك الفرد؛ فهي التي تُزكِّى نفسَه، وتزيدُ مراقبته لربِّه تعالى في السرِّ والعلن والخوفَ منه؛ فينزجر عن المعاصي والإضرار بالناس، ويُسارع إلى عمل الخير، ولا شكَّ أنَّ المجتمع سيكونُ سعيدًا إذا زاد فيه عددُ الصالحين والخائفين من الله تعالى، وأنَّ كميَّة الخير ستكثُر، وأنَّ مَقادير الشرِّ والسوء ستقلُّ[2].
وينبغي أن يراعى المسلم في مسألة الأعمال الصالحة أمورًا، منها: 1- المسارعة إليها: كما في قول الله تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: 133].