اذا كنت ملما باللغة الفرنسية فمن المفترض انك تعرف معنى كلمة assassin وان كنت لا تعرف الفرنسية فمن السهل البحث عن معنى الكلمة بالقاموس و هى تعنى (قاتل ) أى "المغتيل" او الشخص الذى يغتال الاخرين . هذه الكلمة اصلها لا يرجع الى اللغة اللاتينية كما هو الحال مع معظم مفردات اللغة الفرنسية , بل هى كلمة اصلها عربى فارسى (حشاشين ) نشأت فى القرن الحادى عشر و دخلت اللغة الفرنسية و الايطالية و الاسبانية. فى اواخر القرن الحادى عشر وأوائل القرن الثانى عشر الميلادى ظهرت جماعة عرفت ب"الحشاشين " التى ادخلت الرعب و الخوف فى قصور الامراء و ديار التجار و المثقفين فى العالم الاسلامى و جنوب اوربا ظهرت على يد شاب فارسى بالغ من العمر 17 سنة يدعى" حسن الصباح ابن على "الاسماعيلى (1037 1124) الذى نشأ فى بيئة شيعية للمذهب الاسماعيلى اى ( الشيعة السباعبة ) التى اشتهرت بتفتحها على الاديان الاخرى و النشاط الثقافى و التى ينتمى اليها اغا خان و غيره من رجال الخير و اما الشاب حسن الصباح لم يرض بتعاليم تلك الجماعة و تمرد عليها و هو فى السابعة عشر من عمره و اتجه الى المذهب الباطنى و بعد الفرق الاسلامية الاخرى الى ان اتخذ قرار تأسيس مذهبا اسلاميا متطرفا اكثر من اى مذهب اخر فى تاريخ الاسلام و اطلق على هذة الجماعة اسم الحشاشين و سماها العالم الاسلامى الشهيرستانى فى ( الملل و النحل ) بالدعوة الجديدة , واطلق بعض المؤرخين الاسلامين اسم النزارية او نزارية الموت , درس حسن الصباح الكثير من العلوم و كان مفكرا و كاتبا واعتبر قاموسا حيا لمعرفة علوم العصر و من اهم ما صدر بقلمه هو كتاب الفصول الاربعة , وصفه ابن الاثير بأنه كان رجلا حاد الذكاء و اتقن المناقشة و لم يخشى اى مناظرة .
لم تكتف جماعته بدراسة العلوم فقط بل سرعان ما تحولت الى زمرة من القتلة المغتالين بقيادة سيدهم الذى تحول الى زعيم مافيا دموية تهدف الى قتل و تصفية جسدية لكل من عارض ارائه المتطرفة و يقف حجر عثرة فى طريقه الى السلطة المطلقة و رفض الانصياع لاؤامره ووقف فى وجه عدوانه و هجمات انصاره . و كان يعتمد فى ذلك على حماسة الشباب الذى اسماهم فيما بعد "الفدائيين " و الحق يقال ان حسن الصباح وفق بشكل سريع فى جذب عدد كبير من الشبان من ايران و العراق و بلاد ما وراء النهر, وقبل وفاته كانت له خلايا سرية خطيرة حتى فى بلاد الشام و مصر وعلى ما يبدو فى صقلية و جنوب ايطاليا ايضا اما مقره الاصلى فهى قلعة " الاموت "على قمة جبل عال فى هضبة ايران الوسطى و كان اختياره مبنبا بحيث ان لا يكون لها طريق واحد يصل اليها و يلف على منحدر مصطنع لذلك اى غزو للحصن يجب ان يحسب له لخطورة الاقدام على هذا العمل, عدد انصاره الشبان اللذين رأوا فى حسن الصباح شبه اله قدر فى بدايته بحوالى 4000 و اقنعهم بأنه مكلف من الله بفرض العقيدة السليمة الصحيحة الوحيدة بالسيف و الخنجر وورد فى احدى الروايات انه بنى قلاعا اسماها جنة الارض اقامها بجوار قلعة "الاموت" ليحاكى بها جنة السماء تحتوى على كل ما لذ و طاب من انواع الطعام و الشراب و غرقهم فى جميع متع الحياة من خمر و نساء و غلمان و كانت تخلو من كل ما هو محرم فكل شيئ فيها حلال بل بالنسبة للطبقة العليا فى التنظيم كانت الشريعة قد اسقطت فهى للعوام وحدهم . و الى هذة الجنة كان ينقل بعض هؤلاء الفدائيين بعد ان يعطوا الحشيش و عندما يفيقون تكون تلك الجنة عالقة فى اذهانهم فيفعلون اى شيئ للعودة اليها, اوهمهم ان عمليات الاغتيال تخدم الاسلام باعتبار ان ضحايهم اعداء للدين وقد روى ان جاءه احد الضيوف فاراد ان يثبت له مدى سيطرته على الشبان فأمر احدهم بالقاء نفسه من اعلى قمة القلعة و قد فعل ذلك لانه كان واثقا من دخول الجنة تطبيقا لمبدا السمع و الطاعة العمياء كما جاء على لسانه قوله " اننى خرم الابرة الذى تمرون منه الى الجنة ".
الثابت تاريخيا ان تنظيم ابن الصباح كان حديديا لا يمكن اختراقه و لم يكن يهتم بكثرة عدد اتباعه بقدر ما يهتم بقوتهم و صلابتهم وولائهم للجماعة و كانت غايته هى بناء دولة هرمية يقف على رأسها معلم او امام تنتشر تحت هذا الهرم جماهير ليس لها من العلم الا ما يقوله الامام او المعلم , و انشأ خلايا فى القرى و المدن حتى فى البلدان النائية لنشر افكاره و تنفيذ اوامره .
استمر هذا التنظيم قائما قرابة قرنين من الزمان الى ان قضى عليهم من زعيم المغول الشرس هولاكو عام 1256 بعد ما دمر و اباد بغداد عاصمة الخلفاء العباسيين ثم اجهز على من تبقى منهم فى بلاد الشام السلطان المصرى الظاهر بيبرس .
و من الواضح ان هنالك اوجه للتشابه بين جماعة الاخوان المسلمين و" حشاشى" الصباح حتى ان تشابه اسماء مؤسسى التنظيمين يدعو الى الدهشة بالاضافة الى ان كلاهما عرضوا انفسهم للجماهير على انهم مكلفون من الله دون غيرهما لفرض حكم الاسلام بأى وسيلة من الوسائل و الاطاحة بكل من يقف فى طريقهم باعتبار ان معارضيهم اعداءا لله .
فى اعتقادى ان اختيار الاخوان المسلمين لهضبة المقطم لبناء المقر الرئيسى لهم لم يكن صدفة بل جاء نتيجة دراسة تاريخية و اعجابهم بمبادئ و سلوك حسن الصباح من حيث الاهداف و وسائل تحقيقها , و من يراقب ما يقال على لسان المرابضون فى ميدان رابعة العدوية و أمام الحرس الجمهورى واماكن تجمعهم فهى خير دليل على هذا التقارب الكبير كما ان تصريحات زعمائهم خير دليل على ان هنالك نوعا من تناسخ الاوراح الشريرة و يكفينا ما يدعونه بالامس و اليوم ان من يقاتل الى جانبهم انما يقاتل فى سبيل الله و سيدخل الجنة اما معارضيهم فلهم النار. كما ان هناك كثير من المبادئ الاساسية التى تقوم عليها عليها فكرة الجماعة بصرف النظر عن الوسائل المستعملة .
لقد جاءت الصدفة بالاخوان المسلمين الى سدة الحكم فى مصر على حساب ثورة اقامها الشباب و ضحى بدمائه و عيونه فركب عليها الاخوان و فرضوا انفسهم على الساحة و بعد ان وصلوا الى الحكم غدروا بكل من جاءوا بهم فهؤلاء الشباب الذين استأمنوهم على ثورتهم اكتشفوا مؤخرا بعد فوات الاوان انهم وقعوا فى فخ كبير و استعملوا وقودا و سلما للصعود الى السلطة اطيح به فى النهاية بل اطاحوا بكل من عارضهم و اقاموا عداءات مع كل اطياف المجتمع المصرى و ظنوا انهم لم يكونوا فى حاجة اليهم مرة اخرى و انهم ليسوا بحاجة اليهمرة اخرى متمشيا مع مبادئهم لسنا فى حاجة الى شركاء كما ورد على لسان مرشدهم محمد بديع الرجل الزعيم الذى يفكر نيابة عن تابعيه كما كان يفعل حسن الصباح و لكن هذا الشباب و هذا الشعب الذى خرج للميادين ابتهالا بقدوم الاخوان الى الحكم هم انفسهم من خرجوا الى نفس الميادين مطالبين بالاطاحة بمن خدعوهم و خدعوا الشعب المصرى كله و خدعوا الثورة لقد شهدت مصر يوم الثلاثين من يونيه هذا العام ثورة لم يشهدها العالم من قبل ثورة قلبت موازين اللعبة السياسة فى مصر بل فى العالم اجمع ثورة سوف تغير مجريات الامور فى العالم و سوف تعيد موازين القوى ورسم الخريطة السياسية فى العالم العربى و الاسلامى لان ثوار مصر افشلوا مشروع استبدال حكم الدكتاتورين بحكم استبدادى جديد برداء اسلامى ببصمة اسرائيل و ادارة اوباما . هل سيقضى هذا الطوفان على اوهام جماعة الاخوان المسلمين ؟ وهل هى مؤشر لتصدع قلعة "الاموت" المقطم ؟ و هل ان الاوان لظهور ظاهر بيبرس جديد فى الافق ؟هذا ما ستجيب عنه الايام القليلة المقبلة.