هو عام من الحزن مر.. عام قضى على كل بهجة فلم يظهر فيه سوى اليأس من الحرية، والقنوط من الإصلاح.. كل من يعمل فى ماسبيرو كان يشعر بإحساس ألم مضاعف، لأنهم مصريون من جهة وهو ما يعنى مشاركتهم فى أحزان المصريين تحت حكم الإخوان، ومن جهة أخرى أن القدر جعلهم تحت رئاسة متولى الإعلام، وفى هذا تخيل ما شئت من الضرر.
ذلك الألم الذى جعل المقدم محمد عسكر مندوب القوات المسلحة لإذاعة البيان الخاص بها يخبر من فى المبنى بأن هذا البيان يحمل لهم مفاجأة سارة، وفرحة كبيرة، وهو الألم الذى جعل العاملين لا يملكون السيطرة على مشاعر الفرحة فبمجرد إذاعة بيان القوات المسلحة انفجروا بالتصفيق والزغاريد، والأحضان، وحتى الأناشيد الثورية فى حب مصر.
أى سيدة تلقى بها الأقدار لتكون تحت رئاسة متولى الإعلام فهذا معناه أن تدارى كل أجزاء جسدها، أن تهرب من المواجهة المباشرة معه، فحسب قول البعض منهن فإن نظرته تخترق الملابس لتفحص ما تحتها، وهو الأمر الذى دعا أغلب العاملات لتحاشى مقابلته، وجعلهن أيضا بمجرد رحيله يخلعن الحجاب ويتنفسن الصعداء بعد مرور عام من الحبس الانفرادى داخل الملابس.. فقد قامت عدة مذيعات فى قطاع الأخبار وقطاع التليفزيون بخلع الحجاب بمجرد علمهن برحيل الوزير، فكل واحدة منهن تستطيع أن تتحرك بأريحية تامة وهى مدركة أنه ليست هناك عيون تتجهز لافتراسها.
متولى الإعلام بمجرد أن علم بأمر بيان القوات المسلحة أدرك أن ما يحويه سيكون وبالا عليه وعلى إخوانه، فانسحب من المبنى متسللا من باب «5» ولم يعد إليه حتى آخر اليوم، غير أنه فى اليوم الأخير قبل بيان العزل ذهب خلسة لماسبيرو لمدة دقائق بصحبة حارسه شخصى، وجمع أوراقه ومتعلقاته ونزل مسرعا، دون حتى أن يلتفت لأحد.
يذكر أن آخر قرار اتخذه متولى الإعلام هو تخصيص عشرة حراس شخصيين له، وذلك فى ضوء التظاهرات التى اندلعت يوم 30 يونيو، وخوفا من هجوم أفراد الشعب أو حتى العاملين الناقمين فى ماسبيرو عليه.
وكان قد خاطب وزارة الداخلية فى تخصيص هؤلاء، كما حصل على موافقة شكرى أبو عميرة لتخصيص وجبات غذائية لهم على حساب المبنى.. وهو ما برره ابو عميرة لاحقا بأنه كان مجبرا على اتخاذ الأوامر بضغط من وزير الإعلام ومستشار رئيس الجمهورية لشئون الإعلام.
هروب الوزير من ماسبيرو أراح العاملين لعدة أسباب، منها ما يتعلق بشهرته كمتحرش، التى اكتسبها من كثرة المواقف المعروفة عنه فى هذا الاتجاه، والسبب الثانى يتعلق بسياسة الأخونة التى انتهجها الوزير داخل المبنى بالرغم من خلو الاتحاد من أى اسم إخوانى قبل تولى مرسى حيث كان النظام السابق يحرص تماما على رفض تعيين عناصر الجماعة أو القريبين منهم.. وتلك الأخونة بالطبع تأتى على حساب أصحاب الحق الأصليين من العاملين فى ماسبيرو، ولقد نجح الوزير بالفعل فى تعيين عدة عناصر إخوانية لا سيما فى قناة النيل الإخبارية ومنهم على مبارك رئيس القناة وياسر الدكانى مدير النشرات بالقناة، وبدر الشامى منسق النشرات بها، أيضا فى الفضائية المصرية حيث تم تعيين كل من المخرجين حازم يحيى سعداوى ومحمود الشربينى وهما من أعضاء الجماعة، أيضا فإن الإذاعة كان لها جانب كبير من الأخونة حيث تم تعيين حسن سليمان مدير عام التنسيق، وزينهم البدوى مستشارا لرئيس الإذاعة، وكان قريبا جدا من التعيين كرئيس لها، أيضا أحمد أبو العباس فى مكتب رئيس الإذاعة، كما جرى تعيين منال العارف كمذيعة بالبرنامج العام وهشام فهمى وصفاء أبو العلا فى إذاعة الشباب والرياضة.
برحيل متولى الإعلام تنفس الجميع الصعداء، وبدأ أبناء ماسبيرو فى البحث عن طريقة تتيح لهم دحر الماضى القريب ونسيان كل تفاصيله، والبدء من جديد فى حياة أخرى لا تحوى مسمى التحرش ولا الإخوان.