حين تشتاق رائحة الحرية تجد نفسك منجذبا نحو شارع شجرة الدر بضاحية الزمالك أمام مبنى وزارة الثقافة المصرية ، وقبل أن تصل إلى مسرح الاعتصام تسمع صوت الممثل عزت أبو عوف يصرخ لأول مرة فى حياته ( الفن ليس حرام ) ، ويجعلك هذا تندهش فلم تعاد الأذن المصرية على هذه النبرة الغاضبة من فنان أعتاد العيش فى هدوء ، وأدواره خير دليل على ذلك ، ولهذا أختار منزله المطل على نيل الزمالك بجوار مبنى وزارة الثقافة المصرية ، ودون أن تدرى تجد قدماك تنجذب نحو الصوت الثائر تدفعك للهرولة فى اتجاهه ، وحين تصل إلى مقر الاعتصام تجد هتافات الثورة (يوم 30 العصر ..الثورة هتحكم مصر ) رامى عصام مطرب ميدان التحرير يغنى ( أشهد يازمان .. أهي ثورة أهي من غير إخوان ) ولم ينسى أن ينهى غناؤه بأغنية (يسقط حكم المرشد ) هتاف حرص كل من أعتلى مسرح الاعتصام إنهاء حديثه به توحدت الرغبات وأصبح سقوط النظام رغبة جماعية .
فى قلب التظاهرة تشتم رائحة عطرة تذكرك برائحة ميادين التحرير وجوه تشبه وجوه الثورة حديث يتسرب إلى أذنك يشبه أحاديث ميادين الثورة نساء الثورة يتجولن دون تحرش من أحد أكثر من 7 أيام وليال دون حالة تحرش واحدة ، رغم الملابس المتحررة ليتأكد لك وبشكل قاطع أن العقول المتحررة لا تحمل بين طياتها أفكارا متحرشة فأكثر من نصف المعتصمين من الفتيات يصفقن للغناء ويتمايلن على أغاني الثورة دون أن ينظر مجرد النظر إليهن أحدا .
المرأة فى اعتصام وزارة الثقافة لها نصيب كبير ؛ فمطربات دار الأوبرا المصرية يقدمن وصلات غنائية بشكل متواصل ، وفنانات وزارة الثقافة يقمن بتنظيم فقرات المسرح وعقد لقاءات بكل المؤيدين للاعتصام والداعمين له .
أحمد حرارة يرى بقلبه ما يعجز النظام الغاشم عن رؤيته يتجول فى طرقات وزارة الوزارة دون مساعدة من أحد يدرك بقلبه الثائر أن الطريق أمامه ممهد لاستعادة الثورة فينطلق معلنا نيته الاستشهاد فى سبيل ( مصر الحلوة ) .
لن تجد فى اعتصام وزارة الثقافة تلك الوجوه الغاشمة المقفهره الغاضبة فالغضب بين ثائرى وزارة الثقافة محلى بالغناء والقصائد ورقصات البالية والتمرد تصحبه إبتسامة الثائر الحق فلا مكان للتشدد أو التعصب الجميع يتجول بين المعتصمين دون تميز فتجد السياسى أسامة الغزالى حرب مستندا على أحد شباب المثقفين يصفق لغناء مطربة الأوبرا التى تغنى لمصر وحمدين صباحى ينشد غناء سياسيا من نوع مختلف فتدرك حينها إنك بالفعل تشتم رائحة الثورة المصرية ووجوه المشاهير تمتزج بالجمع دون تميز فلا فرق بين النجم المشهور والأقل شهرة الكل يعزف لحنا واحدا .
الرائحة العطرة لا تفارقك طيلة وجودك بين شباب المثقفين أمام مبنى وزارة الثقافة الوجوه تشبه بعضها البعض الكل يتكئ على الكل أغاني الثورة لا تنقطع وليلة الشيخ أمام تضم كل أغانيه ( مصر يا أمه يا بهيه يا أم طرحه وجلبيه ) ومجاذيب مصر يصفقون لمطربى فرق الشباب على أغانى ( أتجمعوا العشاق – ويا مصرى قومى – وصباح الخير على الورد اللى فتح ) .
الوجوه فى اعتصام وزارة الثقافة المصرية حكايات بين نساء وقد أرهقهن البحث عن الحرية سنوات طويلة فى دروب مصر الحلوة وشباب يحمل أوراق الرسم وآلات العزف الموسيقية يرتدى الجينز ويضع فى شعره الطويل أشياء يسمنوها بأسماء تشبه جيلهم المتمرد .
شباب تمرد يصطفون يوزعون استمارات تمرد على سائقي السيارات من المارة فيترجل معظمهم ويوقعون برقمهم القومى ، ومن ليس لديه متسع من الوقت يطلق صافرة سيارته ليبارك الحدث ساعات طويلة أصطف فيها المهندس شريف والممثلة منال سلامة يعاونهم شباب ونساء مسنين فى توزيع الاستمارات على المارة .
عساكر الأمن المركزي المصطفين على جانبات شارع شجرة الدر يتمايلون على أنغام الموسيقى التى يصدرها مسرح الاعتصام ورغم أن معانى الكلمات غير مفهومة بعض الشىء إلا أن الموسيقى وما يصحبها من صدق جعلته يحبها ويرددها فى ابتسامة القروي البسيط الذى وجد لأول مرة منذ بداية خدمته العسكرية ( مأمورية ) بهذا الطعم .
الكل فى اعتصام وزارة الثقافة يأتي سيرا على الإقدام ويترجل داخل الاعتصام يتفحص الوجوه الحلوة النضرة وجوه الثورة ليصل إلى باب وزارة الثقافة ، حيث يتم استقبال كل المؤيدين للاعتصام داخل المبنى ، ومن يفضل البقاء وسط الإعتصام بالشارع أمام الوزراة يؤكد قدومه وتأيده ثم يخرج لمشاركة المعتصمين .
فى طرقات مبنى وزارة الثقافة توزع المهام فالدور الأول وبه حجرات الإعاشة والاجتماعات والتى تدار منذ بداية اليوم فحجرة الاجتماعات ممتلئة دائما بالمثقفين وبالمؤيدين من السياسين والصحفين والحركات الثورية ، وعادة ما يتم إصدار بيان صحفى يتم إلقاءه على المنصة الرئيسية عقب الاجتماع .
وفى الدور الثانى والمخصص لمكتب وزير الثقافة وحجرات السكرتارية تم إغلاق مكتب الوزير وتقوم السكرتارية بتلقى المكالمات التليفونية والفاكسات والمراسلات الرسمية يوميا حتى إنهاء المواعيد الرسمية ، فيتم إغلاق المكاتب ويتفرق الموظفين منهم من ينضم للمعتصمين ، ومنهم من يذهب إلى بيته كالمعتاد ، وفى الفترة المسائية يتولى أمن وزارة الثقافة حراسة الدور الثانى ويمنع أى أحد من الذهاب إليه حتى قدوم الموظفين فى الصباح .
ويتولى أمن وزارة الثقافة مسئولية حراسة أبواب الوزارة فالباب الرئيسى والملاصق للمنصة يحرسه اثنان من أمن الوزارة بالتبادل ويسمح للصحفيين بالمرور بعد التأكد من شخصيتهم ، وكذلك أصحاب الاعتصام من المثقفين والمؤيدين لهم والباب الخلفى والذى خصص منذ الأمس للخروج لتسهيل الحركة بعد ارتفاع الأعداد يحرسه بعض المتطوعين وموظف أمن من الوزارة ، وعلى جانب الباب الخلفى جلب المعتصمين أدوات منزلية تمكنهم من إعداد أكواب الشاى والقهوة التى تصبح ضرورية بعد مرور ساعات الاعتصام الطويلة .
وكعادة الاعتصامات المصرية تجد عربات الباعة الجائلين التى تلهث وراء أى تجمع وفى نهاية شارع شجرة الدار أقام رجل فى العقد الخامس من عمرة يدعى جمال ( نصبة شاى ) يعاونه أبنائه الثلاثة وعم جمال يردد هتافات المعتصمين أثناء تقديمه الشاى لهم وأحيانا يقدم شاى مجانا بشرط أن يهتف طالب الشاى ( يسقط يسقط حكم المرشد ) .
فى حجرة الاجتماعات يقسم أدوار المثقفين فيتم الاتفاق على البرامج التى يدعى إليها المثقفين والقضايا التى يجب طرحها فى هذه اللقاءات ويسند إلى الآخرين مهمة البقاء فى مقر الاعتصام فهناك قانون وضعه مثقفى مصر يوجب عليهم حماية وزارتهم فلابد من تواجد أشخاص ممن لهم ثقل ثقافى يوميا فى مقر الاعتصام ، وهم فتحية العسال وبهاء طاهر المتواجد منذ اليوم الأول وصنع الله أبراهيم والمخرج مجدى أحمد على والمخرج أحمد ماهر .
وتتولى الممثلة منال سلامة الموجودة منذ إعلان الاعتصام والوجه النسائى الأشهر بالاعتصام تقديم الفقرات على منصة الاعتصام يعاونها الناشر محمد هاشم صاحب دار ميريت والتى كانت ملجأ للثوار فى أيام الثورة الأولى لقربها من ميدان التحرير .
مشاهير الفن مثل ليلى علوى وشريهان وخالد النبوى وفردوس عبد الحميد يأتون يوميا إلى الاعتصام لتأيده وينصرفون فى نهاية اليوم قبل البدء فى الفترات المسائية والتى عادة يصحبها أعداد ضخمة
أسحله مثقفى وزارة الثقافة متنوعة مابين غناء ومعزوفات موسيقية ورسم جدريات على أسوار الوزارة وقصائد شعرية حماسية وفقرات منولوج وفرق غنائية وفقرات أخرى يتحدث فيها السياسيين والمؤيدين للاعتصام من خارج الوسط الثقافى ولن تجد فى الاعتصام عصا واحدة يوجهون بها جحافل النظام الحاكم الغاشم التى تلوح لهم كل يوم بالهجوم على جمعهم والقضاء عليهم فالفن هو السلاح الأقوى فى نظرهم فكلمات الأغاني خناجر تصيب الأهداف .