إذا كان الحب من عند الله، فالكراهية بالتأكيد من عند الشيطان، أو هكذا علمونا أساتذتنا ومشايخنا وقساوستنا. من الأشياء الجميلة التى تعلمتها من إخواننا الأقباط، خاصة المرحوم القس إبراهيم عبد السيد أن درجة المحبة عندما تصل لأقصاها لا يدرك الإنسان من بعدها أى معنى للكراهية، فاذا أهانك أحدهم بسخرية أو سبة أو شتيمة، فقد يغضب لك كل الناس إلا أنت، تسعد بها وتعتبرها تقربا نحو الله، ومن هنا يتم تفسير مقولة السيد المسيح الشهيرة «من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر». ولا أعرف إذا كنت مصيباً إذا استعملت هذا التفسير فى شرح فكرة الكراهية باعتبارها المعامل المعكوس للمحبة، بأن يصل الإنسان لأقصى درجات الكراهية بحيث إذا مدحه إنسان أو شكر أمرا فعله، اعتبر وضيعا ذليلا تصب عليه اللعنات، ولا يرقى لمرتبة مقربة أبدا، لأن الكراهية لا تعرف العطاء، لا تعرف الإحسان، هى مخلوقة كى تأخذ فقط، لا لتعطى. دائما كنت أسأل نفسى سؤالا وأتوه فى خضم الأحداث وانا أبحث عن إجابة له، لماذا يكره المجلس العسكرى الثوار؟! لماذا يعتبرهم بلطجية وخارجين على القانون، او على اقل تقدير شوية عيال صيع؟! رغم انه كانت لديه الفرصة فى أن يركب الثورة ركوب الخيال المتمرس والقائد الملهم، ويتزعم شبابا لم يجدوا من يتزعمهم بعد. المجلس يبدو أنه منذ أمد بعيد قد وصل لدرجة الكراهية التى تسمو فوق كل حب، ولا تعرف معنى لأى محبة، فكان الانتقام سبيلا طبيعيا، كيف لشخص يتزعم من يكرههم، يقود من يعاديهم، كيف لجزار أن يهيم حبا فى ضحيته، كيف لضبع أن يبكى على من نهش لحمه وعرضه. الكراهية عند المجلس عادلة، لا تفرق بين ثائر عليه وبين ساجد تحت قدميه، لا تفرق بين شاب يرميهم بحجر وبين شرطى يحميهم بخرطوش، لا فرق بين مدون أبدع فى نقد سياساتهم المرتبكة المتضاربة، وبين كاتب يخلع ملابسه كل ليلة ويقدم عرضه قربانا وولاء. هذا هو العدل الذى على أساسه أقاموا دولتهم الهشة التى ولدت خافتة ممزقة. لن أصدع رءوسكم بكلام من قبيل أن دولة الظلم ساعة ودولة العدل إلى قيام الساعة، فهذا كلام للاستهلاك الخطابى، الذى يتفنن الخطباء فى تلوينه وتشكيله، فى حين أن دولة العدل عبر كل العصور لم تقم إلا ساعة، وأن دولة الظلم والكراهية هى القائمة حتى قيام الساعة. لأن الكراهية دافع أكبر للقتل، والحب دافع وحيد للتسامح والعفو، وليس هناك رئيسا يعفو وهو فى طريق السلطة إلا عبر الفضائيات ووسائل الإعلام، الكراهية تمنح من تتملكه قدرة على المواجهة والغلبة والقهر، وتحمل عذابات الضمير، بينما المحبة ما أن تتملك من إنسان لا يغمد له جفن حتى يرد الحق لصاحبه، حتى يطمئن أن من يرعاهم آمنين مطمئنين. الكراهية تجعلك تقاتل للدفاع عن منصبك وعن كرسيك، وتجعلك تضحى بأقرب الناس اليك كى تحافظ على مصالحك، غير مهتم بمصائر الناس، بينما المحبة قد تجعلك تضحى بكل هذا الهيلمان، بكل القوة والنفوذ والجبروت من أجل أن تنام قرير العين تحت شجرة، أو لتجنب البلاد شر الجهل عندما يجتمع مع الحقد. الكراهية تستطيع أن تسيطر على كل شىء عدا المحبة، فى حين أن المحبة قد تسيطر على الكراهية وتلجمها وتحبسها إذا آمن الإنسان بأن المحبة هى الطريق الوحيد للوصول إلى الله. الكراهية لا دين لها ولو اقسموا بكل آلهتهم، ولو فتحوا كل مصاحفهم، ولو قرأوا كل أناجيلهم، ولو خرجوا من النار بردا وسلاما، ولو شقوا طريقا فى البحر. الله هو الرحمن، هو نفسه الله محبة، لا يشير ولا يشار عليه. السنة الخامسة - العدد 433 - الاثنين - 03/05 /2012