تباينت ردود الأفعال بين رجال السياسة والقانون بعد قرار المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 25 مايو 2013 في الطلب المقيد بجدول المحكمة برقم (2) لسنة 35 ق " رقابة سابقة " بشأن مشروع قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية وخاصة ما جاء به بشأن السماح لضباط وأفراد القوات المسلحة والشرطة بإبداء الرأي في كل استفتاء ينص عليه الدستور وانتخاب رئيس الجمهورية وأعضاء مجلس النواب وأعضاء مجلس الشورى وأعضاء المجالس المحلية 0 وفى سبيل التعقيب على هذا القرار رأى البعض أنه صائب وأعاد الحق لأصحابه ، على أساس أن السماح لضباط الجيش والشرطة بالتصويت في الانتخابات أمر في غاية الرقى والتقدم وسيؤدى إلى ديمقراطية حقيقية ، وهو أمر معمول به في العديد من الدول ، ويؤكد هذا الرأي على أنه لا يمكن لأي دولة ديمقراطية أن تسقط قيمة من قيم حقوق الإنسان خشية من التصويت المضاد لمن هو في السلطة ، وعلى نقيض ذلك تماماً يرى البعض الآخر أن إعطاء الجيش والشرطة حق التصويت في الانتخابات يهدد الدولة المصرية ، وأن المحكمة الدستورية تريد بهذا القرار إدخال البلاد في حالة من الفوضى والزج بالمؤسسة العسكرية والشرطة إلى ساحة الصراعات السياسية ، وقد بلغ الأمر مداه إلى حد القول بطلب إجراء استفتاء شعبي لحل المحكمة الدستورية العليا مع إلغاء جميع الأحكام الصادرة عنها ، فضلاً عن القول بأن هذا القرار موجه لضرب التيار الإسلامي في الانتخابات القادمة 0 والجدير بالذكر في هذا المقام أن ما جاء بنص المادة (11) من مشروع قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية الذي خضع لرقابة المحكمة الدستورية من إعفاء ضباط وأفراد القوات المسلحة والشرطة من ممارسة حق الانتخاب – الأمر الذي رأته المحكمة الدستورية مخالفاً لأحكام الدستور الحالي – لم يكن اختراعا من مجلس الشورى الذي يتولى سلطة التشريع كاملة في الوقت الراهن ، فالواقع أن هذا الإعفاء نصت عليه المادة الأولى من قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية الصادر بالقانون رقم 73 لسنة 1956 المعدلة بالقانون رقم 76 لسنة 1976 ، ومن ثم لم تستحدث المادة (11) المنوه عنها أي جديد في هذا الشأن 0 وإزاء ذلك يثور التساؤل عن الجديد في الأمر الذي جعل إعفاء ضباط وأفراد القوات المسلحة والشرطة من ممارسة حق الانتخاب مشوباً بعيب عدم الدستورية ؟ 0 وللإجابة عن السؤال المطروح نشير إلى أن الجديد في الأمر يتمثل في مسألتين:- الأولى : أن المادة (55) من الدستور المصري القائم الصادر في ديسمبر 2012 نصت على أن مشاركة المواطن في الحياة العامة واجب وطني ، ولكل مواطن – دون استثناء- حق الانتخاب والترشح وإبداء الرأي في الاستفتاء ، وذلك على نقيض ما كانت تقضى به المادة (62) من دستور 1971 من تفويض المشرع العادي في تنظيم مباشرة الحقوق السياسية بقانون ، وعلى هذا النحو بات إبداء الرأي في جميع الانتخابات والاستفتاءات من الحقوق الدستورية ، ومن ثم لا يجوز للقانون العادي حرمان أي مواطن من ممارسته إلا إذا حال بينه وبين ممارسته مبرر موضوعي مؤقت أو دائم 0 الثانية : أن المادة (177) من دستور 2012 قضت بعرض مشروعات القوانين المنظمة لمباشرة الحقوق السياسية والانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية على المحكمة الدستورية العليا قبل إصدارها لتقرير مدى مطابقتها للدستور ، كما قضت هذه المادة أيضاً بعدم خضوع القوانين المشار إليها للرقابة اللاحقة المنصوص عليها في المادة (175) من ذات الدستور ، والواقع أن الرقابة السابقة التي تباشرها المحكمة الدستورية إعمالاً لنص المادة (177) من الدستور تخولها البحث في مدى دستورية كافة نصوص مشروع القانون المعروض عليها في مجمله وذلك من الناحيتين الشكلية والموضوعية دون أن تقتصر على نصوص بعينها 0 وإزاء التعارض الواضح والصريح بين نص المادة (11) من مشروع قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية وبين أحكام الدستور الحالي الصادر عام 2012 يكون قرار المحكمة الدستورية العليا المنوه عنه قد أصاب وجه الحقيقة من الناحية القانونية المجردة بغض النظر عن الأزمة السياسية التي قد يتسبب في إحداثها هذا الحكم 0
" والله ولى التوفيق " حفظ الله مصر وشعبها العظيم ،،
دكتور أشرف إسماعيل عزب((المحامى بالنقض)) ومحامى الاتحاد المصرى للتأمين دكتوراه فى القانون الدستوري dr . ashraFazab @ hotmail. Com