تبادل وزيرا الخارجية الأردني ناصر جوده والإيراني علي أكبر صالحي الرسائل الملغزة والملغمة سياسيا أكثر مما إتفقا أمس الإثنين معا على أجندة من أي نوع في مواجهة الإحتمالات التصعيدية في المنطقة. وبدا واضحا من حيثيات المؤتمر الصحافي والتعليقات المدروسة بعناية أن جولة المواجهة الدبلوماسية التي وصفها صالحي بأنها ‘صريحة للغاية' تطرقت للتفاصيل وتضمنت تحذيرات إيرانية مباشرة قيلت للأردنيين في الوقت الذي تمسكت فيه عمان بما تقول انها ثوابت سياسية في موقفها المعارض للعمل العسكري سواء ضد إيران أو ضد سورية. أغلب التقدير أن الوزير الإيراني حضر في سياق سياسة العصا والجزرة وعلى أساس جولة مفترضة للدبلوماسية الإيرانية في دول الجوار العربي لسورية كما يقدر محللون سياسيون وهم يستعرضون الحذر الشديد الذي ساد تلك المصارحة التي تحدث عنها الوزير الصالحي. جودة إعترض على التصريحات التي تصدر عن بعض المسؤولين الإيرانيين وتهدد الأردن مشيرا حصريا لنائب رئيس الأركان الإيراني الذي هدد الأردن مباشرة بعد نشر الأخبار عن السماح للطائرات الإسرائيلية بإستخدام الأجواء الأردنية. عمان نفت الأمر وألمح الوزير جودة لعبثيته لان إسرائيل في الواقع لا تحتاج للأجواء الأردنية حتى تعبر لسورية فطائراتها تستطيع القصف من فوق الأراضي المحتلة أو لبنان خلافا لانها تملك إتصالا جغرافيا مباشرا من الأراضي السورية. لكن صالحي حدد ثلاثة مواقع للقرار في بلاده هي المسؤولة عن تحديد الموقف الرسمي للجمهورية الإسلامية وهي المرشد العام والرئيس ووزارة الخارجية ملمحا ضمنيا لإستبعاد التصريحات عندما تصدر عن رئاسة الأركان أو جنرالات الجيش الإيراني على أساس أنها لا تمثل الموقف الرسمي لطهران. هنا حصريا إلتقط الوزير جودة اللعبة الإيرانية التي خاض بها صالحي فأبلغ الصحافيين بأنه طالب نظيره الإيراني بان يعمل ما دام ممثلا للموقف الرسمي على ضبط إيقاع المصادر التي تهدد الأردن مطالبا بإدانة رسمية لأي تصريحات تصدر عن غير المخولين بالشأن الدبلوماسي.
طبعا إبتلع الوزير الإيراني ملاحظة عمان الدبلوماسية حتى لا تتوتر أجواء الزيارة وبدا واضحا أن عمان لا تشتري رواية تقاسم الأدوار ولا كلام الصالحي عن شخصيات غير مخولة تهدد الأردن أو غيره. مرة أخرى ألمح الوزير الأردني الى ان موقف الاردن لم يتغير من الأزمة السورية فبلاده ضد القتل والعمل العسكري وتؤيد تسوية سياسية ووقف القتل ومرحلة إنتقالية تضمن حلا سياسيا شاملا دون المساس بوحدة سورية. وتوقف الوزير جودة في المؤتمر الصحافي عند النقطة المركزية التي تحاول جميع الأطراف تجاهلها عندما قال بأن الجميع في المنطقة ينبغي أن يكون جزءا من الحل لمغادرة المنطقة الحالية في الأزمة السورية. معنى ذلك واضح أن عمان تسعى لتفهم طهران بأن مصالحها الحيوية تتطلب بأن تكون موجودة أي عمان- على طاولة التسوية السياسية الكبرى والشاملة للملف السوري على أمل أن تتفهم إيران ذلك. هذا الموقف حصريا يوضح القناعة بأن كل ما يجري من حسابات في المنطقة مبرمج على أساس هوس الجميع بتحسين مواقعهم ومواقفهم قبل ما يسمى بالتسوية الكبرى وهو التشخيص الذي يريده المحلل السياسي الأردني الأكثر إطلاعا وإهتماما على الشأن الأردني الدكتور عامر سبايله الذي أوضح بان صالحي يريد تعزيز إبتعاد عمان عن محاور التخندق ضد بلاده وضد النظام السوري. علميا يبالغ صالحي وهو يصف علاقات بلاده بالأردن بانها بأحسن الأحوال مشيرا لوجود تباين طبيعي في الموقف السياسي بين البلدين بخصوص قضايا مصيرية هامة حصلت في المنطقة ولأنه دخل مع عمان بمباحثات هامة وصريحة حول قضية فلسطين والملف السوري. هذه المبالغة ربطها صالحي بتذكير الأردنيين بأن تداعيات المسألة السورية تنعكس على دول المنطقة مقدما بعد التحذير الجزرة السياسية عبر الإعراب عن إستعداد بلاده لدعم الأردن في إستضافة اللاجئين السوريين محذرا من عودة سياسية التدخل الأجنبي في دول المنطقة.
صالحي قال: مستعدون لمساعدة الأردن إقتصاديا وماليا للتخفيف من عبء إستضافة اللاجئين السوريين. طبعا يقدم الوزير الإيراني هذه العروض'المالية' وهو يعرف مسبقا بان الأردن يعاني من وضع مالي صعب للغاية كما يعلم مسبقا بأن عمان حليفة ‘الشيطان الأمريكي' لن تتورط بالمساعدات المالية الإيرانية ومن غير المسموح لها بذلك. لكن الصالحي وقبله سفير بلاده في عمان عرضا ميزات إستثنائية إقتصاديا هي عبارة عن مساعدات في مجال الطاقة والنفط وسياحة دينية تنعش الإقتصاد السياحي الأردني، الأمر الذي بحثه في العراق مع مرجعيات شيعية مرتبطة بإيران وزير الأوقاف الأردني محمد نوح القضاة. محصلة القول ان طهران حاولت في مناورتها الدبلوماسية مع الأردن تجديد عروضها المالية والإقتصادية وجس نبض عمان على أمل تثبيتها بالحد الأدنى في موقعها الحالي بسبب الموقع الجيوسياسي المهم للمملكة وإجراء ‘تواصل' نادر مع بلد تنكمش مصالحه وتتوسع في عمق التوتر الإقليمي. عمان بدورها لا زالت تعتنق قاعدة ‘الحصن' ولا تسمح لإيران بإختراقها عبر المساعدات الإقتصادية والإستثمارية بسبب حسابات أمنية مغرقة في الحساسية. بالتالي ما تريده عمان من التواصل مع الدبلوماسية الإيرانية حققته بالمقابل فقد إستمعت قليلا لطهران وأوصلت لها رسالة ‘غير معادية' عنوانها بأنها لن تؤيد عملا عسكريا لا ضد طهران ولا ضد دمشق. الأهم أن عمان اوصلت رسالتها المغلزة بالمقابل لكل من يحجبون المساعدات عنها بعنوان: لا تتركونا.. أحضان إيران متاحة لنا أيضا