9 مرشحين حتى اليوم الرابع.. هدوء في سباق الترشح لمجلس النواب بالبحر الأحمر    برعاية السيسي.. انطلاق فعاليات أسبوع القاهرة للمياه في نسخته الثامنة اليوم    عاجل- سعر الدولار اليوم الأحد 12 أكتوبر 2025 في البنك المركزي والبنوك المصرية    الطماطم ب 25 جنيهًا.. أسعار الخضار والفاكهة في أسواق الشرقية الأحد 12 أكتوبر 2025    عاجل- أسعار البنزين والسولار اليوم الأحد 12 أكتوبر 2025 في مصر    بيان من سفارة قطر بشأن حادث شرم الشيخ المروع    صحف إسبانية: قمة شرم الشيخ تعيد التأكيد على دور مصر المحورى فى أزمة غزة    قوافل المساعدات الإنسانية تنطلق من مصر إلى قطاع غزة لدعم المتضررين من الحرب    حسن الرداد ينعى ضحايا الوفد القطري في حادث شرم الشيخ    عاجل - مواعيد امتحانات نصف العام الدراسي 2026 للمدارس والجامعات في مصر.. خطة زمنية لمراحل اختبارات التعليم الثلاث    محاكمة متهم ب "أحداث عنف الألف مسكن" اليوم    أبرز لقطات العرض الخاص فيلم "أوسكار - عودة الماموث "    6 من أسرة واحدة.. ننشر أسماء ضحايا حادث طريق «قفط- القصير»    بحضور أكثر من 20 دولة.. قمة شرم الشيخ للسلام برئاسة السيسي وترامب لإنهاء الحرب في غزة    عضو المكتب السياسي ل حماس: استقرار المنطقة لن يتحقق إلا بزوال الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة    عضو مجلس السيادة السوداني: الحرب ستتوقف عندما تُثبَّت أركان الدولة السودانية    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الأحد 12 أكتوبر    محافظ الغربية يتفقد احتفالات مولد «السيد البدوي» بطنطا    إصابة خمسة أشخاص في تحطم مروحية في ولاية كاليفورنيا الأمريكية    «زي النهارده».. اغتيال الدكتور رفعت المحجوب 12 أكتوبر 1990    العظمى في القاهرة 28 درجة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم الأحد 12 أكتوبر 2025    التصريح بدفن جثة سائق «توك توك» لقي مصرعه طعنًا بشبرا الخيمة    اشتباكات عنيفة على الحدود الأفغانية الباكستانية    قراءة فنجان وصديق مشترك.. كيف تزوجت إيناس الدغيدي من «سوكارنو» ؟    تفاصيل ظهور «رونالدينيو» في كليب عالمي لمحمد رمضان    مسلسل «لينك» الحلقة 1.. سيد رجب يتعرض لسرقة أمواله عبر رابط مجهول    صعود جماعي في قطاعات البورصة المصرية يقوده المقاولات والبنوك خلال أسبوع التداول المنتهي    موعد عرض مسلسل المؤسس أورهان الحلقة الأولى على قناة atv التركية.. والقنوات العربية الناقلة وترددها    حقوق عين شمس تُكرم رئيس هيئة قضايا الدولة بمناسبة اليوبيل الماسي    بهدف زيدان.. العراق يفوز على إندونيسيا ويخوض مواجهة نارية أمام السعودية    أحمد حسن: أبو ريدة طالبنا بالتتويج بكأس العرب بسبب العائد المادي    نهاية عصابة «مخدرات الوراق».. المشدد 6 سنوات لأربعة عاطلين    نتيجة اختلال عجلة القيادة.. حادث مؤسف لوفد دبلوماسي قطري قبل شرم الشيخ ووفاة 3 وإصابة 3    صحة دمياط: متابعة دورية للحوامل وخدمات متكاملة داخل الوحدات الصحية    وزير الأوقاف فى الندوة التثقيفية بالإسماعيلية: الوعى أساس بناء الوطن    «شاف نفسه».. أسامة نبيه يكشف تفاصيل أزمة محمد عبدالله وعمر خضر مع منتخب الشباب    تركيا تكتسح بلغاريا بسداسية مدوية وتواصل التألق في تصفيات كأس العالم الأوروبية    «مخيتريان»: «مورينيو» وصفني بالحقير.. و«إنزاجي» منحني ثقة مفرطة    خالد جلال: جون إدوارد ناجح مع الزمالك.. وتقييم فيريرا بعد الدور الأول    ملخص ونتيجة مباراة إسبانيا ضد جورجيا بتصفيات كأس العالم 2026    سراج عبدالفتاح: «الزراعي المصري» يستهدف زيادة حصته بالتوسع في التجزئة المصرفية    رسميًا.. مواعيد صرف مرتبات أكتوبر 2025 للمعلمين والأشهر المتبقية من العام وجدول الحد الأدني للأجور    جيفري أرونسون الباحث والمحلل الأمريكي ل«المصري اليوم»: ترامب هو المسؤول الأول عن تنفيذ اتفاق غزة    حالة من الحيرة لكن لأمر جيد.. حظ برج العقرب اليوم 12 أكتوبر    18 معلومة عن مي فاروق: الرئيس السيسي كرمها و«تأخير» حرمها من المشاركة بمسلسل شهير وخضعت ل«عملية تكميم»    خالد عجاج ينهار باكيًا على الهواء أثناء غناء «الست دي أمي» (فيديو)    محافظ كفر الشيخ: تنفيذ 6 قرارات إزالة على أراضى أملاك الدولة والأراضى الزراعية    4 خطوات ل تخزين الأنسولين بأمان بعد أزمة والدة مصطفى كامل: الصلاحية تختلف من منتج لآخر وتخلص منه حال ظهور «عكارة»    لو خلصت تشطيب.. خطوات تنظيف السيراميك من الأسمنت دون إتلافه    أمر محوري.. أهم المشروبات لدعم صحة الكبد وتنظيفه من السموم    هاتريك تاريخي.. هالاند الأسرع وصولا إلى 50 هدفا دوليا مع النرويج    أوقاف الفيوم تكرم الأطفال المشاركين في البرنامج التثقيفي بمسجد المنشية الغربي    مستشفى "أبشواي المركزي" يجري 10 عمليات ليزر شرجي بنجاح    رئيس جامعة الأزهر يوضح الفرق بين العهد والوعد في حديث سيد الاستغفار    عالم أزهري يوضح حكم تمني العيش البسيط من أجل محبة الله ورسوله    عالم أزهري يوضح أحكام صلاة الكسوف والخسوف وأدب الخلاف الفقهي    تقديم 64 مرشحًا بأسيوط بأوراق ترشحهم في انتخابات النواب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 11-10-2025 في محافظة الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز أصغر وزير في الإسلام
نشر في الفجر يوم 28 - 02 - 2012

حرص كثير من الناس على عدم إسناد المناصب المهمة في المجتمع إلا لمن تجاوزوا الكهولة إلى الشيخوخة؛ ليستفيدوا من حكمة الشيوخ، ولأن الشباب يغلب عليهم الطيش والتهور، إلا أن التاريخ لم يعدم نماذج من الشباب فاقوا الشيوخ في الحكمة وتقدير الأمور.
ومن هؤلاء الشباب الذين تولوا هذه المناصب الرفيعة عن جدارة: عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز,
ولعل الجو العمري الذي نشأ فيه عبد الملك يوحي إلينا أن الطاقة الشبابية إذا وجدت الجو المناسب صنعت الأعاجيب، أما الإهمال والازدراء والتهميش للشباب، فسيقتل فيهم الرجولة قبل أن تولد، وكيف توجد مع فرض الوصاية على العقول حتى يعامل ابن الأربعين معاملة الأطفال؟
مولد عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز ونشأته :
ولد عبد الملك سنة 82ه ومات سنة 101ه، وهو في التاسعة عشرة من عمره، في زهرة شبابه مات صافيًا لم يعرف آثام الحياة.
وينشأ ناشئ الفتيان منا *** على ما كان عوده أبوه
فتى مكتهل كان قائدًا مع أبيه, فكان نعم العون ولمّا يتجاوز السادسة عشر من عمره؛ فقد كان –رحمه الله- ابن أم ولد لعمر بن عبد العزيز، وقد أعجب به أبوه أيما إعجاب.
فضل عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز ومكانته :
فضل عبد الملك لا ينكر، إلا أن شهرة أبيه الواسعة ألهت الباحثين عن ذكره كما يشغل المؤرخ دائمًا بذكر الملوك وإنجازاتهم مع اختصار دور الوزراء.
روى أبو نعيم في الحلية عن بعض مشيخة أهل الشام قال: "كنا نرى أن عمر بن عبد العزيز إنما أدخله في العبادة ما رأى من ابنه عبد الملك".
وقال سيار بن الحكم خادم عمر: "قال ابن لعمر بن عبد العزيز يقال له عبد الملك, وكان يفضل على أبيه: يا أبي أقم الحق ولو ساعة من نهار".
وقال عمر بن عبد العزيز t: "لولا أن يكون زُيِّنَ لي من أمر عبد الملك ما يُزين في عين الوالد من ولده، لرأيت أنه أهل للخلافة". وهذا الكلام صادر من عمر، وكفى به مزكيًا، ولكن عمر يربأ بولده عن أن يكون وريثًا له في الإمارة، وإن كان لذلك أهلاً.
وروى الدورقي قال: "إن عمر قال لابنه عبد الملك يومًا: إني أخبرك خبرًا، والله ما رأيت فتى ماشيًا قط أنسك منك نسكًا، ولا أفقه فقهًا، ولا أقرأ منك، ولا أبعد من صبوة في صغر ولا كبر منك يا عبد الملك".
لأجل هذا قال ابن رجب الحنبلي في مناقب عبد الملك: "فعسى الله أن يجعل في سماع أخباره لأحد من جنسه أسوة، ولعل أحدًا كريمًا من أبناء الدنيا تأخذه بذلك حمية على نفسه ونخوة؛ ففي ذكر أمثال أخبار هذا السيد الجليل مع سنه توبيخ لمن جاوز سنه وهو بطال، ولمن كان بعيدًا عن أسباب الدنيا هو إليها ميال".
زهد عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز وتقشفه :
إنما الزاهد من مَلَكَ فترك! فليس يعد زاهدًا من لم ينل من الدنيا إلا القليل، فتعبد في صومعة، ولو فتحت عليه الدنيا لم ندر ما يكون حاله، فهذا فقيرٌ الله أعلم بنيته, إنما الزاهد من ملك الدنيا ثم تركها ابتغاء ما عند الله، وجعلها مزرعة لآخرته، وهذا الفرق بين الزهد والفقر، وقد كان رسول الله زاهدًا لا فقيرًا؛ إذا أقبلت الدنيا لا يفرح، وإذا أدبرت لا يحزن.
والزهد في حال الشيخوخة محتمل، لكنه في الشبيبة نادر، وعلى هذا الدرب كان عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز.
فعن ميمون بن مهران قال: "دخلت على عبد الملك بن عمر فحضر طعامه، فأتى بقلية مدنية وهي عظام اللحم، ثم أتى بثريدة قد ملئت خبزًا وشحمًا، ثم أتى بزبد وتمر، فقلت: لو كلمت أمير المؤمنين يخصك منه بخاصة، فقال: إني لأرجو أن يكون أوفى حظًّا عند الله من ذلك، فقلت لنفسي: أنت لأبيك, ودخلت عليه مرة أخرى فإذا بين يديه ثلاثة أرغفة وقصعة فيها خل وزيت".
وقال ابن رجب الحنبلي في كتابه سيرة عبد الملك بن عمر: "لقد كان -رحمه الله- مع حداثة سنه مجتهدًا في العبادة، ومع قدرته على الدنيا وتمكنه منها راغبًا مؤثرًا للزهادة".
عبادة عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز :
الشباب مظنة الاستهتار والغفلة، لذلك فإن الطاعة من الشاب أحب إلى الله تعالى من الشيخ، ومن السبعة الذين يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله: "وشاب نشأ في طاعة الله"، ومن هؤلاء عبد الملك بن عمر؛ فقد قال عاصم بن أبي بكر بن عبد العزيز: "وفدت إلى سليمان بن عبد الملك ومعنا عمر بن عبد العزيز، فنزلت على ابنه عبد الملك وهو عزب، فكنت معه في بيت، فصلينا العشاء وآوى كل رجل منا إلى فراشه، ثم قام عبد الملك إلى المصباح فأطفأه، ثم قام يصلي حتى ذهب بي النوم، فاستيقظت فإذا هو في هذه الآية: {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ} [الشعراء: 205، 206]، فيبكي ثم يرجع إليها، فإذا فرغ منها فعل مثل ذلك حتى قلت سيقتله البكاء، فلما رأيت ذلك قلت: لا إله إلا الله والحمد لله كالمستيقظ من النوم؛ لأقطع عليه ذلك شفقة عليه، فلما سمعني سكت، فلم أسمع له حسًّا -رحمه الله- فانظر رحمك الله كيف حال هذا الشاب الوزير مع ربه بالليل؟
نصيحة عبد الملك لأمير المؤمنين :
كان دائمًا يأتي بالخبر الفصل، وينطق بالكلام الجزل في القضايا العويصة, وبشجاعة يعجز عنها الأفذاذ، فموقع الوزارة من أبيه عمر جعله دائمًا ينظر إلى صلاح آخرة الأمير، وهذه مهمة الوزير الحقيقية: النصيحة الشجاعة، وليس تبرير تصرفات الأمير كأنه سكرتير خالص له!!
فقد جمع عمر بن عبد العزيز الناس واستشارهم في رد مظالم الحجاج، فكان كلما استشار رجلاً قال له: يا أمير المؤمنين ذاك أمر في غير سلطانك ولا ولايتك, فكان كلما قال له رجل ذلك أقامه، حتى خلص بابنه عبد الملك، فقال له ابنه: يا أبي ما من رجل استطاع أن يرد مظالم الحجاج فلم يردها إلا شركه فيها، فقال له عمر: لولا أنك ابني لقلت: إنك أفقه الناس؛ الحمد لله الذي جعل لي وزيرًا من أهلي عبد الملك ابني.
حلم عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز :
قليل من الناس لا تغيرهم المناصب، بل يغيرونها بأخلاقهم، واسمع لهذا الموقف من الشاب المكتهل، فعن إسماعيل بن أبي الحكم قال: غضب عمر بن عبد العزيز يومًا فاشتد به غضبه وعبد الملك حاضر، فلما سكن غضبه قال: يا أمير المؤمنين أنت في قدر نعمة الله عليك، وفي موضعك الذي وضعك الله به، وما ولاك من أمر عباده يبلغ بك الغضب ما أرى؟ قال: كيف قلت؟ فأعاد عليه الكلام، فقال له عمر: أما تغضب يا عبد الملك؟ قال: ما تغني سعة جوفي إن لم أرد فيه الغضب حتى لا يظهر منه شيء أكرهه، وفي رواية: لا والذي أكرمك بما أكرمك به، ما ملأني الغضب قط.
وذات يوم أمر عمر غلامه بأمر، فغضب عمر، فقال عبد الملك: يا أبتاه.. ما هذا الغضب والاختلاط؟ فقال عمر: إنك لتتحلم يا عبد الملك؟ فقال عبد الملك: لا والله ما هو التحلم، ولكن الحلم.
قال ابن رجب: "ومراد عبد الملك أن الحلم عنده صفة لازمة، وهو مجبول عليها، ولا يحتاج أن يصطنعه ويتكلفه من غير أن يكون عنده حقيقة".
الحزم قبل أن ينتقض العزم :
روى أبو بكر الآجري: أنه لما دفن سليمان بن عبد الملك خطب عمر الناس ونزل، ثم ذهب يتبوأ مقيلاً، فأتاه ابنه عبد الملك فقال: يا أمير المؤمنين, من لك أن تعيش إلى الظهر؟ قال: اُدن مني أي بني، فدنا منه، فالتزمه وقبله بين عينيه, وقال: الحمد لله الذي أخرج من صلبي من يعينني على ديني، وخرج فلم يُقِل، وأمر مناديًا: ألا من كانت له مظلمة فليرفعها.
وعن إبراهيم بن أبي عبلة قال: "جلس عمر يومًا للناس، فلما انتصف النهار ضجر وعلَّ وملَّ، فقال للناس: شأنكم حتى أنصرف إليكم، فدخل يستريح ساعة، فجاءه عبد الملك فسأل عنه قالوا: دخل يستريح، فاستأذن عليه فأذن له، فلما دخل قال: يا أمير المؤمنين ما أدخلك؟ قال: أستريح ساعة، قال: أَوَأَمِنْتَ الموت أن يأتيك ورعيتك ينتظرونك وأنت محتجب عنهم؟ فقام من ساعته وخرج إلى الناس.
موعظة عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز لأبيه :
قلما تجد معزيًّا يذكر الأمير بقضية الموت، وينقل صاحب البلية من الانشغال بالبكاء على غيره للبكاء على نفسه؛ فعن يحيى بن إسماعيل قال: "مات ابن لعمر بن عبد العزيز، فكشف عمر الثوب عن وجهه، وجعل يستدمع، فجاء عبد الملك فقال: أشغلك يا أمير المؤمنين ما أقبل من الموت إليك؟ بل وهو في شغل عما حل لديك، فكأنك قد لحقت به وساويته تحت التراب بوجهك، فبكى عمر ثم قال: رحمك الله يا بني فوالله إنك لعظيم البركة، نافع الموعظة لمن وعظت، ولكن جزعي لما علمت أن ملك الموت دخل داري، فراعني دخوله، فكان الذي رأيت.
تورع عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز عن الحرام :
إن المال المتراكم لدى الأمراء الناتج عن سوء استخدام السلطات أو الهدايا التي تأتيهم من الرعية رغبًا ورهبًا كان لعبد الملك فيها رأي, فقال عمر يومًا لمولاه مزاحم: إن هؤلاء القوم -يعني بني عمه من الخلفاء الذين كانوا من قبله- قد أعطونا عطايا، وما كان لنا أن نتقبلها، وإن ذلك صار إليّ، وليس عليّ فيها دون الله محاسب. فقال له مزاحم: يا أمير المؤمنين هل تدري كم عيالك؟ هم كذا وكذا، فذرفت عيناه فجعل يستدمع ويقول: أكِلَُهم إلى الله ثم انطلق مزاحم من ساعته حتى استأذن على عبد الملك، فقال له عبد الملك: ما جاء بك يا مزاحم؟ هل حدث حدث؟ قال: اشتد الحدث عليك وعلى بني أبيك، قال: وما ذاك؟ قال: دعاني أمير المؤمنين، وذكر القصة..
فقال عبد الملك: فما قلت له؟ قال قلت: يا أمير المؤمنين أتدري كم عيالك؟ هم كذا وكذا، قال: فما قال لك؟ قال: جعل يستدمع ويقول: أكِلُهم إلى الله , فقال عبد الملك: بئس وزير الدين أنت يا مزاحم, ثم وثب وانطلق إلى باب عمر، فاستأذن عليه، فقيل: إن أمير المؤمنين وضع رأسه للقائلة، فقال: استأذن لا أم لك, فسمع عمر الكلام فقال: دعه فدخل، فقال عمر: ما حاجتك يا بني هذه الساعة؟ قال: حديث حدثنيه مزاحم, قال: فأين وقع رأيك من ذلك؟ قال: عليّ إنفاذه ومن الساعة، فحمد عمر ربه وقال: نَعَمْ يا بني, أصلي الظهر ثم أصعد المنبر وأردها علانية على رءوس الناس، فقال عبد الملك: ومن لك بالظهر؟ ومن لك إن بقيت للظهر أن تسلم لك نيتك؟ فقال عمر: تفرق الناس ورجعوا للقائلة، قال عبد الملك: تأمر المنادي فيجمع الناس، ففعل عمر, والمراد أن عبد الملك حثه على فعل ذلك، وعلى المبادرة إليه حين عزم عليه؛ خشية أن تنفسخ نيته إن أخره، أو يموت قبل الفعل؛ فقد ينوي المرء خيرًا لكن التكاسل والتسويف يمحقان أثر هذه النية.
هوان نفسه في سبيل الله :
قال ميمون بن مهران: قال عبد الملك بن عمر لأبيه يومًا: يا أبى ما منعك أن تمضي لما تريد من العدل؟ فوالله ما كنت أبالي لو غَلتْ بي وبك القدور في ذلك.
يعني: نعذب في سبيل إقامة الحق ولو وضعنا في القدور التي يغلي فيها الزيت الحار.
وقال عمر يومًا: والله لوددت أني عدلت يومًا واحدًا وأن الله توفى نفسي.. فقال عبد الملك: أنا والله لوددت أني عدلت فواق ناقة وأن الله توفى نفسي، فقال عمر: آلله؟ فقال عبد الملك: آلله, ولو غَلتْ بي وبك القدور، فقال عمر: جزاك الله خيرًا.
وقال لأبيه ذات يوم: ماذا أنت قائل لربك غدًا إن سألك وقد تركت حقًّا لم تحيه، وباطلاً لم تمته؟
وفاة عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز :
قال عمر ذات يوم لعبد الملك ابنه: ما كنت أحب أن أراه فيك إلا قد رأيته إلا شيئًا واحدًا قال: ما هو؟ قال: موتك (أي يبتلى بفقده، فيكون في صحيفة حسناته) قال: أراكه الله، فأصابه الطاعون في خلافة أبيه، فمات قبل أبيه وعمره تسعة عشر عامًا، ووقف عمر على قبره وقال: رحمك الله يا بني، فلقد كنت برًّا بأبيك، وما زلت منذ وهبك الله لي مسرورًا، ولا والله ما كنت أشد سرورًا ولا أرجى لحظي من الله فيك منذ وضعتك في الموضع الذي صيرك الله إليه، فرحمك الله وغفر ذنبك، وجزاك بأحسن عملك، وتجاوز عن سيئه، ورحم كل شافع يشفع لك من شاهد وغائب، رضينا بقضاء الله، وسلمنا لأمره والحمد لله رب العالمين.
رحم الله عبد الملك بن عمر، وأسكنه فسيح جناته.. آمين.
المصدر: موقع هدي الإسلام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.