باتت محطات السكك الحديدية في لبنان أشبه بقبور دفنت فيها قطارات، بقيت منها "هياكلها" المتناثرة، التي ساهمت منذ زمن بعيد بجعل بيروت منارة وهمزة وصل بين أنحاء العالم، إلا أنها دمرت جراء الحروب التي عصفت بلبنان على يد أهله.
وتعود السكك الحديدية اللبنانية بحسب خالد تدمري، رئيس لجنة التراث والآثار في المجلس البلدي في مدينة طرابلس (شمال)، "إلى أواخر القرن التاسع عشر الميلادي إبان العهد العثماني، عندما قررت الدولة العثمانية وتحديداً في عهد السلطان عبد الحميد الثاني أن تمد سككاً حديدية تربط بين إسطنبول والحجاز لتسهيل وصول الحجاج إلى بيت الله الحرام".
وقال تدمري لمراسلة وكالة الأناضول للأنباء إن "القسم الأول الذي بدأ إنشاؤه من تلك السكك هو ذلك الممتد بين دمشقوبيروت حيث عبرت من خلاله قطع الحديد التي مدت منها الخطوط الحديدية".
وتابع أن "الخطوط مدت بداية من بيروت إلى دمشق، ومنها إلى عمان في الأردن لتصل بعدها إلى المدينةالمنورة بالمملكة العربية السعودية".
ولفت تدمري إلى أن "ميناء بيروت لعب دوراً هاماً في إيصال القطع الحديدية التي كانت تأتي من إسطنبول عبر البواخر لمد السكك داخل الأراضي اللبنانية ووصولاً إلى المدينةالمنورة".
ويُعتبر امتداد خط السكك الحديدية بين مناطق مختلفة من لبنان عبر شق طريق بيروت الشام، السبب المباشر وراء نشأة العديد من قرى لبنان سياحياً واصطيافياً (أماكن لقضاء فصل الصيف في الجبال) لتبقى ناشطة حتى يومنا هذا، بحسب تدمري، الذي عبّر عن أسفه لتوقف محطات القطار في لبنان عن العمل جراء ما تعرضت له من تخريب نتيجة الحرب الأهلية في العام 1975.
يُذكر أنه في عام 1975 شهد لبنان حربًا أهلية دموية دامت حوالي 16 عامًا و7 أشهر، وكان اشتعالها بسبب صراعات ونزاعات سياسية وطائفية.
وتوقفت جميع خطوط السكك الحديدية في لبنان عن العمل خلال عام 1975 عند اندلاع الحرب الأهلية، وبات من الصعب استرجاع هذه الخطوط، فبخلاف تدمير العديد منها فقد بنيت على طول خطوط بعضها من شمال لبنان حتى جنوبه أبنية مخالفة لقوانين البناء دون الحصول على تراخيص من الجهات المختصة بالدولة التي يقول عدد كبير من اللبنانيين إنها تصرف النظر عن هذه المخالفات بسبب تفشي الفساد فيها.
ولفت تدمري إلى أن "عددًا كبيرًا من أبنية المحطات هدمت إما جزئياً أو بالكامل بسبب المعارك التي شهدها لبنان خلال الحرب الأهلية عام 1975".
محطات السكك الحديدية المنتشرة في عدد من المناطق اللبنانية، باتت أشبه بمتحف مهجور تتوسطه الحشائش المهملة منذ سنين، وأجزاء من القطارات التي دمرت جراء الأحداث، لتبقى هي الأخرى شاهدة على تاريخ مر عليها بانتظار أن تتحول في يوم قريب لمكان يضج بالحركة والحياة بعد إعادة العمل بالسكك الحديدية.
ومن المحطات التي لا تزال متواجدة في لبنان، أشار تدمري تحديداً إلى محطة بلدة "مار مخايل"، في محافظة جبل لبنان، والمحطة الأكبر منها في منطقة رياق في سهل البقاع، شرق لبنان، حيث كان يتواجد فيها أيضاً ورشة كبيرة لصيانة القطارات.
وتجدر الإشارة إلى أنه جرت العديد من المحاولات لإحياء هذه المحطات من جديد كان آخرها منذ عشر سنوات تقريباً حيث وضع وزير الأشغال اللبناني حينها ونظيره السوري حجر الأساس للمشروع اللبناني السوري المشترك لتأهيل خط سكك الحديد طرابلس (شمال لبنان) بتاريخ 17 نيسان/ أبريل 2002 إلا أنه لم يرَ النور حتى يومنا هذا.