شغلتنا معركة الجيش مع أنفاق غزة، معركة لم يصدر فيها بيان رسمى واحد، من مصر أو من داخل قطاع غزة، رغم خطورة القضية وأهميتها للأمن القومى المصرى، واستخدامها للتدليل على صراع خفى بين قيادات الجيش ومؤسسة الرئاسة. كل الأخبار المتواترة حول هذه القضية منسوبة لمصادر مجهولة، أو لوكالات أنباء خارج مصر، فهل هى معركة حقيقية، أم وهم انتشر بفضل رغبات قطاع عريض من الشعب فى التخلص من حكم الإخوان، دفعته لتصديق الروايات الضعيفة حول معركة ردم الأنفاق، وكونها مؤشراً على توتر العلاقة بين الجيش ومؤسسة الرئاسة.
شاهد عيان كشف ل«الفجر» عن تفاصيل رحلته لعبور انفاق غزة فى زيارة قصيرة لبلده يعود بعدها إلى مصر.
الشاهد أكد رغبته فى عدم الكشف عن هويته، وهى رغبة دفعته لعدم دخول القطاع من معبر رفح، حتى لا يتم تسجيل دخوله وخروجه رسميا من قطاع غزة، وهو أمر يؤثر على عمله داخل القطاع.يؤكد الشاهد أن الإصرار على تكرار قصة ردم الأنفاق، وتصويرها على أنها معركة خاصة يقودها الجيش المصرى، غير مبرر، فبعض الأنفاق فى منطقة السلام الفلسطينية تم إغلاقها بالفعل، وهو إجراء طبيعى كانت قوات حرس الحدود تقوم به طوال الوقت. لكن عدد الأنفاق فى باقى المناطق ارتفع خلال الفترة الأخيرة، بعد تولى الدكتور محمد مرسى الرئاسة، خاصة فى أحياء البرازيل والنخلة والجنينة على الجانب الفلسطينى.
العبور من النفق أسهل بكثير من معبر.. الإجراءات لا تستغرق أكثر من نصف ساعة، وبطاقة الهوية اذا كانت لأحد سكان غزة وخاصة المنتمين لحركة حماس لا تكون هناك اجراءات، واذا كانت لغير الفلسطينيين يلزم أن يكون هناك ضامن متواجد على الطرف الآخر من النفق من أهل غزة، والتسعيرة فى كل الحالات واحدة لعبور الافراد، أو 200 جنيه مصرى.
الرحلة من القاهرة لرفح هى الأصعب، وتستغرق 7 ساعات، لكنها مؤمنة بفضل انتشار عناصر الجيش على طول الطريق، من الإسماعيلية الى بورسعيد والقنطرة والشيخ زويد. وبعد الوصول لمنطقة المعبر تبدأ رحلة أخرى فى اتجاه منطقة الأنفاق، وهى رحلة تستغرق ربع ساعة فى طريق وعر، على جانبيه أنفاق بين مصر وغزة، ويكون العابر على معرفة بالنفق الذى يرغب فى العبور منه.
شاهد العيان الذى عبر الأنفاق قدر لنا عدد الأنفاق فى الشارع الذى مر منه ب 100 نفق، ووصل تقديره لإجمالى عدد الأنفاق إلى ما يقرب من 1000 نفق مازالت تعمل بكامل طاقتها، وهو ما يعنى انها تضاعفت خلال اشهر قليلة.
وتوجد الأنفاق داخل بيوت السكان المحليين، وهو ما رفع سعر البيوت على المنطقة الحدودية، ويصل سعر المنزل المكون من طابق واحد إلى 5 ملايين جنيه، ومن يشترى هذا البيت يعرف أنه يشترى نفقاً يحصل منه على رسوم مرور.
للأنفاق مواعيد رسمية للعبور، تفتح ابوابها من التاسعة صباحا وحتى الثامنة مساء، وتتعرض لحملات تفتيش دائمة من قوات الجيش، فى بعض الأحيان، تمر عناصر الجيش على أماكن الأنفاق كل نصف ساعة، تغلق خلالها الأنفاق، وتفتح أبوابها مرة اخرى بعد رحيل الدورية.
تحمل الأنفاق اسماء العائلات اصحاب البيوت التى تحفر أسفلها، والرحلة داخل النفق لا تستغرق أكثر من 5 دقائق، ولا يزيد طول النفق تحت الارض على 500 متر، ومزود بإضاءة بلمبات موفرة للطاقة، وهو ما يجعل الإضاءة خافتة إلى درجة كبيرة.
يصحب المسافر طفل صغير، يحمل الأمتعة ويضفى الأمان على المسافر.
لجنة الأنفاق التابعة لحركة حماس تقف بشكل دائم على أبواب الأنفاق من الجانب الفلسطينى، تمنح بشكل فورى تصاريح الدخول غير الرسمية، وتفرض غرامات على اصحاب الأنفاق الذين يخالفون شروط المرور، والغرامة تصل إلى 5 آلاف دولار، يدفعها صاحبا النفق على الجانبين المصرى والفلسطينى، وفى حالة عدم الدفع من الجانب المصرى تغلق فتحة النفق من الجانب الفلسطينى كإجراء عقابى.
كما تحصل لجنة الأنفاق على حصتها من تصاريح العبور وهى مصدر دخل مهم جدا لحكومة حماس، على الأنفاق التجارية وانفاق الافراد.
والأنفاق التجارية هى التى تعبر منها البضائع ويتم تحصيل جمارك عليها لصالح حماس، وغالبا يدفع التجار 500 شيكل عن كل طن بضاعة.
بينما يدفع المسافرون الافراد 100 شيكل.. بالاضافة إلى 20 شيكل على كل شنطة سفر.
لا يملك المسافر تحديد النفق الذى يرغب فى المرور منه، ومن يحدد اسم النفق هى لجنة التنسيق على الجانب الفلسطينى.
سألت صاحب الرحلة، هل تعرف دوريات الجيش أماكن الأنفاق؟.. ضحك وقال إن الأنفاق مثل النكتة الحقيقية التى تحكى عن المطار السرى، أنت تركب السيارة وتقول لها «عايز أروح الأنفاق.. وهى بتوصلك».
اثناء انتظار الدور للعبور من النفق، نصف ساعة، مرت شحنات سولار مهربة، وتم وقف عمل نقل السولار على أن تستكمل بعد المواعيد الرسمية، بسبب الزحام على المرور، ومر خلال فترة الانتظار 60 جركن سولار، بالاضافة إلى قطع غيار تكاتك. وقبل أن يصيب صاحبنا الدور مر من النفق ثلاثة أجانب، تحديدا من روسيا، قالوا إنهم فى طريقهم لتقديم خدمات لأطفال فلسطين.
ومر من النفق مواطن فلسطينى غزاوى، كانت ظروفه صعبة، ابنته تتلقى العلاج فى القاهرة، وطلب منه الأطباء تقريراً عن الحالة من المستشفى العام فى غزة، وذهب لإحضار التقرير، ولم يحصل على التنسيق رغم وجوده من الساعة السادسة صباحا أمام النفق، وحتى الحادية عشرة صباحا لم يكن قد تمكن من الحصول على التنسيق المطلوب، ويبدو أنه ينتمى لحركة فتح وهو أمر يصعب رحلة عبوره من النفق. كما مر من النفق فلسطينيون يعيشون فى الامارات والاردن، ولديهم تصاريح مرور من مصر، منها 72 ساعة، ولم يتمكنوا من العبور من معبر رفح لأنهم لا يحملون الهوية الفلسطينية. بجوار منطقة الأنفاق هناك سوق لتجارة السيارات المسروقة من مصر، والاسم الشعبى الرائج للسوق هو «سوق الحرامية»، ويوجد به عدد مهول من السيارات التى لا تحمل لوحات معدنية، وتسير السيارات المسروقة من مصر بصورة طبيعية فى شوارع غزة، بدون «نمر» أو أوراق رسمية، وفى حالة ضبط السيارة من قبل شرطة حكومة حماس يتم حجزها حتى يدفع مشتريها جمارك وتراخيص وتأمين، وكلها لا تتجاوز 6 آلاف دولار، بعدها يتم ترخيص السيارة بشكل طبيعى، وتسير فى الشوارع بصورة رسمية.
السيارات فى سوق الحرامية أسعارها منخفضة، فمثلا سيارة فيرنا حديثة ثمنها 17 ألف جنيه فقط، والجيب التوسان 30 ألف جنيه، وتدفع السيارة الواحدة فى رحلة النفق ما يقرب من 10 آلاف جنيه، يذهب معظم المبلغ إلى حكومة حماس.
هل من الممكن أن تفقد حماس السيطرة على الأنفاق فى أوقات الأزمات أو القصف الاسرائيلى مثلا؟.. صاحب الرحلة نفى ذلك تماما، حماس تملك مفاتيح الأنفاق من ناحيتها، وشرطتها تعرف عدد الأنفاق وملاكها، وتتعامل بقسوة مع اى محاولة لتخفيف سيطرتها على الأنفاق، فهى مصدر الدخل الأول لحكومة حماس، ومن يخرج عن طاعتها من الممكن أن يصل العقاب لأبعد مدى.
لماذا فقدت مصر السيطرة على الأنفاق من جانبها رغم أن حكومتها أكثر تنظيما وقوة والجيش يتابع المنطقة ويملك إحكام السيطرة عليها؟،يقول الشاهد إن مصر فقدت السيطرة على الأنفاق برغبتها الكاملة، وإلى جانب البعد السياسى هناك مصالح كبيرة وبيزنس من نوع خاص تتورط فيه شخصيات كبيرة، ولو أرادت مصر إغلاق الأنفاق تملك ان تفعل ذلك فى وقت قياسى، وبالتالى لا يوجد مبرر للتهديد والتهويل والحديث عن الحرب مع حماس على الحدود، قصة الحرب على الأنفاق وهمية 100 %، ولا أساس لها، بإستثناء إغلاق عدد من الأنفاق لأسباب لا نعرفها على وجه التحديد، لكنها بالطبع ليست لمعاقبة حماس على مجزرة رفح كما يشاع، الشاهد يقول: إن الجيش المصرى نفسه لم يعلن ذلك، ولا مؤسسة الرئاسة، فقط يتم استخدام هذه القضية للترويج لصراع، حسب المعلومات والمنطق، صراع مفتعل لأسباب سياسية، قد يكون منها منح المعارضة فى مصر أملاً فى مواجهتهم مع الاخوان، ومنع تسيير الأحداث والاهداف إلى ابعد من المظاهرات التقليدية، فدائما سوف يكون لدى الناس أمل فى الجيش «المخلص» وبالتالى لا حاجة لهم لعصيان مدنى مثلا، أو الدخول فى مواجهات مع الاخوان والحكومة.
وتدعم أمريكا وأجهزة مخابرات أجنبية فكرة صراع الجيش والرئاسة، حتى يتم استبعاد طرف آخر من المعادلة أو تهميشه وهى المعارضة.