تراجعت منظومة القيم والأخلاق في الشارع المصري بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة، وظهرت الكثير من الجرائم التي تتنافي مع ما حملته لنا الشريعة الإسلامية من ضوابط وتعاليم ،وجاءت مبادرة وزارة الأوقاف والخاصة بعقد ندوات ومحاضرات بالجامعات والمدارس لتؤكد بالفعل حاجة المجتمع إلي إحياء منظومة القيم والأخلاق عن طريق العلماء والدعاة والذين ينظر لهم الجميع بتقدير وإحترام . علماء الدعوة من جانبهم أشادوا بهذه المبادرة ،وطالبوا بضرورة تعميم الفكرة وأن تنتقل هذه القوافل الدعوية من الجامعات والمدارس إلي الهيئات والمؤسسات ومراكز الشباب بل والمقاهي أيضا ،لأن الدعوة الإسلامية ليست في المسجد فقط، فالأنبياء والرسل كانوا يقومون بالدعوة في الأسواق والتجمعات ،كما أن الظروف التي يمر بها الوطن في الفترة الراهنة تتطلب أن يقوم الدعاة والعلماء بدورهم في تصحيح المفاهيم والتواجد بين الشباب في أماكن تجمعهم .
وأشار الدكتور مصطفي مراد أستاذ الدعوة جامعة الأزهر إلي أنه يجب علي الدعاة أن ينزلوا إلي أرض الواقع، يكلموا الناس في أماكن عملهم تيسيرا عليهم وإهتماما بشأنهم وفتحا لقلوب المدعوين إلي الدعوة ،لأن الدعوة بالإشارة أكثر تأثيرا بالعبارة ،ولقد كان الأنبياء والمرسلون والصالحون والمصلحون ينزلون إلي الناس في مواقع عملهم بل ويسافرون ويبذلون النفس والنفيس والجهد العظيم من أجل أن يفتح الناس قلوبهم لدعوة التوحيد .
مشيرا إلي أن سيدنا نوح عليه السلام كان يكلم قومه ويخاطبهم حتي قال كما جاء في القرآن الكريم " قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً "، وهذا يدل علي أنه كان يدعوهم ليلا ونهارا، وهذا لا يكون إلا في الأماكن التي يرتدونها .
وأضاف أن النبي صلي الله عليه وسلم ذهب إلي القبائل في مكة قبل أن يهاجر إلي المدينة وكان كثيرا ما يقف علي الصفا وينادي بأعلي صوته يا بني هاشم ، يا بني تيم ،يا بن عدي حتي يعدد بطون مكة ،بل وكان ينزل في الأسواق ليخاطب الناس ويدعوهم إلي الإسلام ،وهذا يعني أن هذه الطريقة التي لم نألفها في حياتنا المعاضرة إلا قليلا ، تعد ضرورة لتغيير وجه الأمة وبها نصلح شباب المسلمين وندفعهم إلي الإستقامة .
وناشد الدعاة والعلماء بعدم إنتظار الناس في المسجد فقط ليقوموا بالوعظ والإرشاد ، لكن لابد من وجود جولات في المكان الموجود به المسجد وأن يختلط الدعاة بالمواطنين وبالشباب في محيط المسجد ،علي أن تكون هذه الندوات والجولات الميدانية التي يقوم بها الدعاة تركز علي القضايا المعاصرة التي تهم جميع فئات المجتمع ،وأن يكون الهدف مخاطبة الجميع وتوضيح منهج الإسلام في التعامل مع هذه القضايا ، وكذلك ضرورة أن تمتد هذه الندوات للمؤسسات والمصانع والهيئات ،علي أن تقوم وزارة الأوقاف بالتنسيق مع الأئمة والدعاة لتطوير هذه المبادرة في محيط المساجد ، فيقوم الدعاة وخطباء المساجد بزيارة أقرب مدرسة أومؤسسة أومقهي أومركز شباب ويتم تنظيم هذه الندورات بالتعاون مع الجهات المختلفة .
مشيرا إلي أن الكثير من رموز الحركات الإسلامية كانوا ينتهجون هذا الأسلوب في الدعوة ،ولذلك نجحوا نجاحا باهرا ودخلوا القلوب وإرتبط الناس بهم ، ولذلك فإن المبادرة التي تقوم بها وزارة الأوقاف حاليا تعد رائدة ولابد أن تتوسع دوائرها وتستخدم معها أساليب ووسائل التكنولوجيا الحديثة ،حتي يتم عرض بعض المواد التي تقنع الشباب مثل كلمات لبعض كبار العلماء والدعاة ،لأن هذا سيكون مقنعا للشباب ومؤثرا فيهم .
ويري ضرورة وضع خطة أخري مع هذه المبادرة وتتمثل في كيفية التجديد وإختيار الموضوعات التي تؤثر في الشباب ،فيما بخص الجانب الإيماني ،وغير ذلك من القضايا التي تهم الشباب مثل التأثير السلبي للتدخين ،الإدمان ،مدي العلاقة بين الجنسين ،الصداقة في الإسلام ،قيمة طلب العلم وأهمية الوقت في الإسلام ،وغير ذلك من القضايا ،علي أن تتم إدارة هذه الندوات إدارة إعلامية وعلمية واعية بحيث تجمع بين إلقاء محاضرة علي الشباب والفتيات وبعد ذلك يعقد لقاء مفتوح يرد فيه العلماء الدعاة علي أسئلة الشباب ،كما نود أن يوجد معها ما يشبه المسابقة في المحاضرة كأن يلقي مقدم للندوة أسئلة دينية وتمنح جائزة فورية رمزية لمن أجاب إجابة وافية ،وفي هذا الإطار أيضا ينبغي أن تعم الفائدة .
ومن جانبه يؤكد الدكتور يسري محمد هانئ أستاذ الدعوة بجامعة الأزهر أن هذه المبادرة تمثل إفتتاحية طيبة لوزارة الأوقاف في عهدها الجديد ،حيث تتحرك القوافل الدعوة في أوساط فئات المجتمع وأمامها خطة واضحة لمنظومة القيم التي ينبغي أن ينشأ عليها الشباب ،وخصوصا في الفترة الأخيرة والتي شهدت تراجع في منظومة القيم والأخلاق مما يحتاج إلي تظافر جميع الدعاة والعلماء للإجتهاد في تبصيرالناس بالأخلاق والعودة بالشعب المصري إلي صورته الأصيلة التي كان يتميز بها بين شعوب العالم ، فتعود قيم الشهامة والكرم والصدق والأمانة وغيرها من القيم الدينية التي تنعكس بالإيجاب علي المجتمع .
ويشير إلي أن مسئولية الدعاة والعلماء هنا تعد ضرورية للغاية ، فالله سبحانه وتعالي عندما قال للنبي في أول الدعوة " يا أيها المدثر قم فأنذر "، نجد أن الفعل قم في هذه الأية يقتضي الحركة الدائمة ، لذلك قال المفكرون والعلماء أن الله عز وجل قال للنبي " قم " فقام من فوره وظل قائما ثلاثة وعشرين عاما ولم يذق طعم نوم عميق أبدا ،ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم ينفذون السنة النبوية ويتحركون بين الناس لنشر الدعوة كما كان النبي صلي الله عليه وسلم يتحرك ولا يكتفي بخطب المساجد وإنما يخرج للأسواق والتجمعات يبين للناس أمور الدين .