صنعاء - رويدا السقاف:قال الله تعالى في كتابة الحكيم: "إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنّها مصبحين.. ولا يستثنون.. فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون.. فأصبحت كالصريم". ذكر الله تعالى في القرآن الكريم في سورة القلم شيئًا من قصّة أصحاب الجنة أي البستان الذين لم يؤدّوا حقّ الله تعالى فيه، فحرمهم منها عقابًا على نيّتهم الخبيثة، فأرض الصريم هي التسمية التي أُطلقت على الأرض التي أحرقها الله في اليمن والتي كانت جنة خضراء شديدة الخصوبة، هذه الجنة هي في أرض في اليمن تبعد ما يُقارب العشرين كيلومترًا شمال مدينة صنعاء، في منتصف الطريق المؤدّي إلى محافظة (عمران) ، وهي تقع بالقرب من القرية المذكورة في التفاسير والتي تُسمّى (ضروان ) وما زالت تحمل هذا الاسم إلى يومنا هذا. يقول الحموي في وصف هذه الأرض: "واد ملعون حرج مشؤوم حجارته تشبه أنياب الكلاب، لا يقدر أحد أن يطأه بوجه ولا سبب ولا ينبت شيئًا ولا يستطيع طائر أن يمرّ به فإذا قاربه مال عنه".
تحكي التفاسير قصّة أصحاب الجنة بأنها كانت بأرض اليمن بالقرب وعلى بعد فراسخ من صنعاء وقال الكلبي: كان بينهم وبين صنعاء فرسخان. وكانت لرجل صالح يُدعى حبيب النجار يعيش مع أولاده عيشة طيّبة كريمة ويُؤدّي حق الله تعالى منها؛ فلمّا مات صارت إلى أولاده، فمنعوا الناس خيرها وبخلوا بحق الله فيها؛ فأهلكها الله من حيث لم يُمكنهم دفع ما حلّ بها.
ابتلاهم الله بأن أحرق جنتهم. التي كانت مشهورة بكثرة بساتينها وأراضيها الخصبة، عظيمة الاتساع، منوّعة الزروع، كثيرة الأشجار، وافرة الأثمار والأمطار، فهنا نخيل، وهناك أعناب، وهنالك بقول وفواكه، فغدت متعة للناظرين، ونزهة للقاصدين، يأتونها للراحة والتمتع بمنظرها الجميل.
ويحكي أحد سكّان منطقة (ضروان) ويُدعى صالح عبدالله قائلاً: كان الرجل الصالح مسلمًا من أتباع سيدنا عيسى المسيح عليه السلام وكان كلما حان وقت حصاد الزرع يدعو البستاني وأعوانه، فيقطعون بالمناجل ما يقطعونه، ويقطفون الثمار، ثم يبعث بطلب جماعات الفقراء على ما عوّدهم عليه كل عام، فلا يمنعهم من الدخول بل يُعطيهم نصيبًا وافرًا، لم يتحمّل بعض أبناء الرجل الصالح رؤية جزء من مال أبيهم موزّعًا بين الفقراء، وبستانه مفتوحًا للمساكين والمحتاجين، فقال واحد منهم لوالده: "إنك بعطائك للفقراء، تمنعنا حقنا، وتُضيّق علينا في رزقنا"، وقال الابن الآخر: "قد نعود بعدك فقراء نمدّ الأيدي للناس، نشحذ منهم"، وهمّ الثالث بالكلام، فأسكته الوالد وأدار عينيه على الجميع وقال: "ما أراكم إلاّ خاطئين في الوهم والتقدير، هذا المال مال الله مكّنني فيه، وأمرني أن أُخرج منه حقوقًا، زكاة للفقراء والمساكين، حتى تُوفّي الرجل الصالح تاركًا أولاده وبستانه الواسع.
ومضت الأيام سريعة، وحان وقت الحصاد، وترقّب الفقراء والمساكين حلوله ليأتوا ويأخذوا نصيبهم كما عوّدهم الرجل الصالح كل عام.
واجتمع الأبناء البخلاء يُعدّون للحصاد، فقال أحدهم: "لن نُعطي بعد اليوم من البستان شيئًا لفقير أو محتاج، ولن يعود مأوى لقاصد أو ابن سبيل فإننا إذا فعلنا هذا، زاد مالنا وعلا شأننا". وقال أوسطهم وكان كأبيه طيّبًا يحب عمل الخير: "إنكم تُقدمون على أمر تظنونه أوفر لكم، ولكنه يحوي الشر، وسيقضي على بستانكم من جذوره، إنكم لو حرمتم الفقراء ولم تعطوا المساكين والمستحقين زكاة الزرع أخاف عليكم عقاب الله تعالى".
ولكنهم لم ينصاعوا واتفقوا فيما بينهم سرًّا أن يقوموا أوّل الصبح قبل أن يستيقظ الناس فيأتوا إلى بستانهم ويقطفوا ثماره ويحصدوا زرعه ويقتسموه فيما بينهم، فلا يبقى شيء للفقراء. وكان الله تعالى عالمًا بما يكيدونه وما اتفقوا عليه، فأرسل سيدنا جبريل عليه السلام ليلاً ببلاء شديد، فاقتُلعت نباتاتهم واحترقت شجراتهم، وجفّت أوراقهم وأنهارهم، وأصبح بستانهم أسود كالليل.
حاليًا المنطقة كبيرة جدًّا وهي محروقة بالكامل، فعلا كالليل الأسود، وهي ليست أرضًا ميتة لا تخرج الزرع فحسب، بل إنها تمزق الأحذية وتدمي الأقدام أحيانًا عند السير والتوغّل فيها لأن احجارها حادّة ومدبّبة وقد تجرح الأقدام، الزائر لها لا يُصدّق أنها كانت جنة عظيمة عامرة بالأشجار والثمار.