تُعد شبه جزيرة كاب فيريه الفرنسية بمثابة واحة للهدوء والاستجمام وجنة لعشاق المأكولات البحرية، لاسيما المحار؛ حيث تضم شبه الجزيرة الواقعة بين خليج أركاشون والمحيط الأطلسي، شواطئ ساحرة تنعم بالهدوء والراحة، خصوصاً في الأوقات خارج الموسم السياحي، كما أنها تزخر بمستوطنات المحار اللذيذ الذي يسيل له اللعاب. وتنطلق العبَّارات الصغيرة كل صباح من الممر الخشبي في خليج أركاشون لتصل إلى كاب فيريه، وهي عبارة عن شريط ساحلي طويل وضيق ينتهي عنده خليج أركاشون جنوب غربي فرنسا. وبعد فترة وجيزة يشاهد السياح على الضفة تلالاً رملية تعتبر من أكبر الكثبان الرملية في أوروبا؛ حيث يصل ارتفاعها إلى 110 أمتار. وأثناء هذه الرحلة البحرية تسترشد العبَّارة بفنارة كاب فيريه المطلية باللونين الأبيض والأحمر، التي ترتفع وسط غابة صغيرة من أشجار الصنوبر. ويساعد كابتن العبَّارة السياح عند النزول، وفجأة يُخيم الصمت والهدوء على المكان ولا يقطعه سوى أصوات الطيور والعصافير، وتفوح رائحة الملح في الهواء، وعندئذ قد يكون من المفيد أخذ نفس عميق. وعلى الرغم من أن كاب فيريه مكان جميل للغاية، إلا أنه ليس السبب الرئيس لمثل هذه الرحلة، حيث تنطلق العبَّارات من المراسي إلى الجانب الآخر من شبه الجزيرة، في رحلة تستغرق نصف ساعة، إلى أن تصل إلى الرمال والكثبان الناعمة. ويشاهد السياح الأمواج القوية وهي تتلاطم مع بعضها بعضاً مُحدثة دوياً هائلاً، ولا يخلو المشهد من منظر بديع للسماء، التي تبدو على أحد الجوانب بدرجات لونية مختلفة بدءاً من لون الأنثراسيت وصولاً إلى درجات اللون الباذنجاني. ويمر فوق السياح بعض السُحب ذات اللون الأبيض الشاحب، أما على الجانب الآخر فيشع اللون الأزرق بجماله الأخاذ. وتظهر المياه الزرقاء أمام السياح على امتداد البصر لتصل إلى مدينة هاليفاكس الكندية التي تقع على دائرة العرض نفسها تقريباً. المحار اللذيذ عندما يتسلل التعب والإجهاد إلى أقدام السياح أثناء التنزه على الشاطئ الرملي، يمكنهم الاسترخاء وتناول رشفات من المحار اللذيذ. ويمر طريق العودة إلى الجانب الآخر من خليج أركاشون عبر غابات الصنوبر التي تمتد في جميع أنحاء شبه الجزيرة. وتعتبر قرية لاهيربه واحدة من القرى التي تنتشر بها مزارع المحار في خليج أركاشون. وأوضح غولامه فورنييه لاروكيه، وهو يخرج المحار من سلة خضراء، قائلاً: «بمجرد أن تشرق الشمس يتدفق علينا الأشخاص لشراء المحار». ويقوم بإدخال سكين صغير بين الصدف ويفتحها بحركة دائرية معتادة. وفي تلك الأثناء تقوم زوجته بخدمة الزبائن في الشرفة وتخبره بطلباتهم من خلال نافذة مفتوحة، قائلة «مطلوب 12 قطعة محار رقم 2، وست قطع محار رقم 1، ومع كل منهما 12 قطعة جمبري وقواقع حلزونية». وأضاف لاروكيه أنه كلما كان الرقم صغيراً كان المحار أكبر حجماً، بالتالي ألذ طعماً وأكثر كلفة. وهناك العديد من الأزواج والعائلات يجلسون في شرفة الشاطئ تحت المظلة المطلية باللون الأحمر. كما توجد رفوف مصنوعة من السلك على طاولة بسيطة، كي توضع فوقها أطباق كبيرة مملوءة بالمحار والمأكولات البحرية، بالإضافة إلى ذلك يوجد خبز فرنسي طازج وعلب صغيرة من الزبدة، وبعض شرائح الليمون. ويقول الشاعر الفرنسي ليون بول فراكيه إنه يحب المحار؛ لأنه عندما يتذوقه يشعر بأنه يقبل البحر. ومعه كل الحق في ذلك؛ لأن المحار في البداية يكون طعمه مالحاً بسبب مياه البحر، لكن عندما يتم مضغه يظهر طعمه الطازج والحلو. ويمتد المشهد البديع أمام السياح عبر الخليج، حيث يخيم الهدوء على الجانب الآخر من شبه الجزيرة. وقد كشفت الجزر عن رفوف معدنية يوضع فوقها المحار في أكياس بلاستيكية مستطيلة وخشنة. وظهرت أطباق فواكه البحر خالية تماماً، بعد أن تم تناول كل محتوياتها، وكان هناك اثنان من العصافير يقومان بالتقاط فتات الخبز، ويقبع كلب صغير تحت الطاولة، لعله يحصل على ما يسد به رمقه من أصداف المحار المتساقطة على الأرض. وبعد تناول هذه الوجبة الدسمة يحين موعد الانطلاق في رحلة للتنزه سيراً على الأقدام وسط غابات الصنوبر، بعيداً عن الشاطئ الرملي هذه المرة. ويسير طريق التجوال وركوب الدراجات بمحاذاة شبه الجزيرة بالكامل، ويمتد حول خليج أركاشون. ويمتاز هذا المكان بالهدوء التام في الأوقات البعيدة عن الموسم السياحي. وهناك حافلة تنقل السياح مرة أخرى إلى أقرب محطة كبيرة في غضون ساعتين صوب مدينة بوردو. ويشعر السياح بعد قضاء يوم طويل في شبه جزيرة كاب فيريه بأنهم نعموا بالراحة والاسترخاء على الشواطىء الخلابة، واستمتعوا بمذاق المحار اللذيذ.