أعمال حفر أبار مياه الري تهدد عرش الأثر صاحب ال 7000 سنة تزايد منسوب المياه الجوفيه يهدد البنيان الأثرى مستقبلياً قرار وزارى يتم إستغلاله فى الحفر بالقرب من "الهرم" الفرعونى
رصدت "الفجر" حالة الإهمال والتردى التى وصلت إليها الأوضاع بالمنطقة المحيطة بهرم "ميدوم" وهو أحد أهرامات مصر الشامخة القابعة منذ الأف السنوات بصحراء مدينة الواسطى ببنى سويف ، حيث بات ينذر بتصدع بنيانه فى المستقبل القريب ما لم تتخذ الإجراءات والتدابير الوقائية اللازمة لإنقاذ هذا الاثر التاريخى المهم من براثن التجاهل الذى يحاصره .
والغريب أن الأمر لم يقف عند حد التجاهل فحسب وإنما امتدت أيادى الإهمال لتعبث بمقومات ومقدرات المنطقة وحرمتها الأثرية وهو ما أدى إلى تفاقم المشكلات وتعدد التجاوزات بداخلها والتى صارت تشكل فى مجملها تهديدا واضحا لمستقبل هذا الاثر التاريخى المهم والذى يمثل حلقة انتقالية استثنائية مهمة لتاريخ تطور البناء الهرمى فى مصر الفرعونية القديمة.
ولعل ابرز المشكلات والتجاوزات الصارخة التى تعانيها منطقة الهرم أو واحة "ميدوم" كما يطلق عليها تتجسد فى ظاهرة المياه الجوفية التى بدأت فى التسرب أخيراً إلى منطقة الهرم وباتت تشكل تهديداً واضحاً على بنيانه وقواعده ومما زاد من تفاقم المشكلة بروز ظاهرة أخرى جديدة آخذةً فى التزايد والإنتشار تجسدت فى عمليات حفر آبار مياه الرى بشكل مستمر ومتواصل بالقرب من منطقة حرم الهرم فى الكيلو الثانى وهو ما صار يشكل خطراً إضافياً لإحتمالات تزايد منسوب المياه وتهديده لبنيان الهرم مستقبليا.
وعلى الرغم من أهميته التاريخية والأثرية والعديد من الدراسات والأبحاث والخطط والسيناريوهات التى أجريت حوله والتى نادت بضرورة ترميمه وتطويره وتحويله الى مزار سياحى عالمى وحمايته من جميع مظاهر العبث والإهمال فإن تطوير وزارة الآثار لم تعرف طريقها إليه حتى الآن لدرجة تحول معها هذا الأثر الخالد إلى كتلة حجرية صامتة أشبه بجثةً هامدة فى قلب صحراء شاسعة لا حياة فيها لمن تنادي.
والمثير انه يتردد أخيراً أنباء قوية داخل الأوساط الأثرية المهتمة عن تصدع بعض الأجزاء الداخلية من جسم الهرم نتيجة للتعديات والتجاوزات الصارخة المحيطة بمنطقة الهرم والتى فرضت عليها نوعا من الحصار الإجبارى الذى يصعب فى الوقت الراهن باعتراف المسئولين وبحكم الظروف الاستثنائية التى تمر بها البلاد ايجاد حل له.
وكانت بوادر الازمة الفعلية قد برزت أخيرا على السطح بعد ظهور الكثير من التعديات الصارخة بمنطقة هرم ميدوم الاثرية وخاصة من الناحية الغربية للهرم بعد الكيلو الأول، هذه التعديات الصارخة بدأت فى الظهور على استحياء مع مطلع السنوات العشر الأخيرة ولكنها سرعان ما أخذت فى التزايد والانتشار بصورة رهيبة أخيرا وخاصة فى زمن ما بعد الثورة واستغلال تدهور الحالة الأمنية للبلاد بصورة سيئة وغير مشروعة فى أغلبها .
وقد تجسدت هذه التعديات والتجاوزات الصارخة فى عملية السماح لبعض الشركات العاملة فى استصلاح الأراضى الصحراوية باستصلاح أجزاء لا بأس بها من أراضى المنطقة الأثرية بغرض الزراعة على الرغم من أنها تعتبر حرم آثار ولا يجوز التعدى بأى شكل سواء بالبناء أو الزراعة أو غيرهما علما بأن بعض هذه الشركات قد استندت فى تجاوزاتها إلى القرار الوزارى الذى صدر منذ سنوات عديدة ويجيز السماح بعملية الاستصلاح الزراعى فى الكيلو الثانى من موقع الأثر.
هذه الظاهرة المؤسفة وبما تمثله وتشكله من تعديات وتجاوزات صارخة وتهديد واضح على مبنى الهرم كانت ولا تزال مثار جدل وإعتراضات شديدة من قبل المجلس الأعلى للآثار وقطاعات الآثار والسياحة بالمحافظة نظرا لخطورة الموقف وخوفاً من تسرب مياه الرى والمياه الجوفية الى جوانب الهرم وقواعده.
وكان شبح الأزمة قد بدأت بوادره فى الظهور بالفعل من خلال نشاط عدد من شركات استصلاح الأراضى بالمنطقة حيث قامت بعض هذه الشركات فى بداية الأمر بحفر أكثر من 11 بئرا للمياه بالمنطقة على أعماق ضخمة تتراوح بين 6 الى 8 أمتار ويبلغ قطر البئر الواحة منها نحو 25 متراً، وذلك بغرض تخزين المياه بكميات كبيرة داخل هذه الآبار لاستغلالها بعد ذلك فى عمليات الاستصلاح الزراعى المنتشرة بالمنطقة دون النظر لما تمثله هذه الظاهرة المخيفة من خطورة بالغة وتهديد مستقبلى واضح للمنطقة الأثرية بصفة عامة والمبنى الأثرى للهرم بصفة خاصة.
والكارثة الحقيقية فى هذا الأمر تجسدت باعتراف بعض المسئولين فى تزايد وتواصل عمليات حفر الآبار بالمنطقة بصورة رهيبة وملفته للنظر خلال السنوات القليلة الأخيرة ويكفى أن نعلم عدد الأبار التى حفرت أخيراً بالمنطقة والتى قفزت إلى نحو 80 بئرا دفعة واحدة لندرك بالفعل حجم الخطر الحقيقى الذى صار يحيط بهرم ميدوم ومنطقته الأثرية.
وكان محافظ بنى سويف الأسبق ووزير التنمية المحلية الحالى اللواء "أحمد زكى عابدين" قد شكل لجنة موسعة لدراسة الأزمة من جميع جوانبها واتضح حينها من معاينة اللجنة أن هذه الآبار تشكل بالفعل خطورة حقيقية على هرم ميدوم فى المستقبل القريب غير أن القدر لم يمهل الرجل وقتها لاتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة للحلول.
كما طالبت دراسات بتطويره وإعداده كمزار سياحى عالمى بما يتناسب مع وضعه التاريخى وقيمته الأثرية البالغة بوصفه أى الهرم حلقة انتقالية استثنائية مهمة فى تاريخ تطور البناء الهرمى المصرى القديم. وكشفت الدراسة التى كان قد أعدها الخبير الأثرى قرنى محمد فرحات مدير ترميم آثار مصر الوسطى انه فى أواخر عصر (البليوسين) وأوائل عصر (البلايوستوسين) تمكنت بعض المجارى المائية الآتية من الغرب من أن تنحت تكوينات هضبة الفيوم وهى فى طريقها شرقا لتصب فى النيل الذى كان منسوبه وقتها اقل جدا من منسوبه الحالى نظرا لانحدار التركيب الجيولوجى للمنطقة والذى ينحدر ناحية الشرق وكان له تأثير بالغ من خلال حركة المياه.