حيثيات المحكمة : حق المواطنين في تأليف الجمعيات الأهلية أصول دستورية ثابتة عدم اعتداد البنك المركزى بأية أوراق مقدمة من أي أفراد للتعامل على حسابات الجمعيات إلا بعد اعتمادها من وزارة التضامن الإجتماعى يخالف صحيح القانون
حصلت "الفجر" ، على نص حكم صادر من محكمة القضاء الإدارى يقضى بمنع أية تعاملات مالية مع الجمعيات غير المرخصة من وزارة التضامن الإجتماعى حيث قضت الدائرة السابعة للإستثمار برئاسة المستشار حمدى ياسين نائب رئيس مجلس الدولة ووقف تنفيذ قرار محافظ البنك المركزي المصري فيما تضمنه من تطلب موافقة الجهة الإدارية المسبقة للتعامل على حسابات الجمعيات المدعية المتعلقة بتلقي التبرعات من الداخل والتي لا تحتاج قانوناً إلى موافقات مسبقة من أية جهة وكذلك عمليات الإيداع والسحب التي تجريها الجمعيات تحقيقاً لأغراضها وتسييراً لأعمالها وتنفيذاً لمشروعاتها ودعماً لمواردها المالية .
جاء ذلك في الدعوى رقم 36077 لسنة 63 قضائية المقامة من مجدى كامل محمد عبد الوارث رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية للتنمية والدفاع عن حقوق الإنسان والبيئة وأيمن محمد عبد النبى رئيس جمعية جماعة تنمية الديمقراطية وفوزى أحمد إبراهيم حتحوت رئيس جمعية جماعة القسطاس للحقوق القانونية والدستورية ضد محافظ البنك المركزى ووزير التضامن الإجتماعى بصفتهما .
وأكدت المحكمة فى حيثيات حكمها أن هذا الحكم جاء وفقاً لأحكام المواد (11) و (15) و (17/1) و (18) و (22) من القانون ذاته ، وما تضمنه من عدم اعتداد بأية أوراق مقدمة من أي أفراد للتعامل على حسابات الجمعية في هذا الشأن إلا بعد التأكد من اعتمادها من وزارة التضامن الاجتماعي .
وأضافت المحكمة أنه من حق المواطنين في تأليف الجمعيات الأهلية، وما يستصحبه - لزوماً - مما سلف بيانه من حقوقهم وحرياتهم العامة الأخرى، هي جميعاً أصول دستورية ثابتة، يباشرها الفرد متآلفة فيما بينها، ومتداخلة مع بعضها البعض، تتساند معاً، ويعضد كل منها الآخر في نسيج متكامل يحتل من الوثائق الدستورية مكانا سامقاً.
وأوضحت " المحكمة " أن ما ورد بالقرار المطعون فيه من تقرير البنك المركزي المصري قيوداً على حق التجمع والحق في تكوين الجمعيات بتقريره وجوب اعتماد الجهة الإدارية المسبق للتعاملات الجارية من المسئولين عن الجمعيات الأهلية على حساباتهم لدى البنوك التابعة للبنك المركزي المصري في شأن تلقي وإيداع التبرعات من الداخل والتي لا تحتاج قانوناً إلى موافقة الجهة الإدارية.
وكذلك عمليات الإيداع والسحب التي تجريها الجمعيات تحقيقاً لأغراضها وتسييراً لأعمالها وتنفيذاً لمشروعاتها، وعدم اعتداده بأية أوراق مقدمة من أي أفراد للتعامل على حسابات الجمعية في هذا الشأن إلا بعد التأكد من اعتمادها من وزارة التضامن الاجتماعي ، يكون قد خالف صحيح حكم القانون وصدر فاقداً أساسه وسنده وسببه المبرر له قانوناً بالنسبة لهذه الطائفة من التعاملات بما يجعله مرجح الإلغاء لدى نظر موضوع الدعوى ، الأمر الذي يتوفر معه ركن الجدية اللازم لوقف التنفيذ.
وقالت المحكمة أنه بالنسبة لركن الإستعجال فإنه متوافر بدوره لما تتضمنه القيود التي اشتمل عليها القرار المطعون فيه بالنسبة للطائفة الثانية من التعاملات على حساب الجمعيات الثلاث المدعية من مخاطر التوقف عن الالتزام بتعهداتها والتزاماتها العقدية ، وتسيير أعمال الجمعيات المشار إليها ومن ثم تعطيل حرية الاجتماع والحرية في تكوين الجمعيات ذاتها ، الأمر الذي يتوفر معه للقرار المطعون فيه ركن الاستعجال اللازم لوقف التنفيذ.
وأوضحت دائرة الإستثمارأن البادئ من مجمل أوراق الدعوى ومستنداتها ومذكرات الخصوم فيها أن محافظ البنك المركزي قد تلقى بتاريخ 11/2/2009 كتاباً من وزير التضامن الاجتماعي عرض فيه لإحدى المشكلات المتعلقة بفك الحظر على حسابات إحدى الجمعيات لدى بنك مصر الفرع الرئيسي ، وطالبه بإصدار ما أسماه تعليمات إلى البنوك التابعة للبنك المركزي المصري بعدم التعامل على حسابات الجمعيات والمؤسسات الأهلية بأية أوراق مقدمة من أفراد سواء أكان رئيساً لمجلس إدارة جمعية أو مؤسسة أو اتحاد ، أو عضو بمجلس الإدارة أو عضواً بالجمعية العمومية إلا بعد التأكد من مراجعتها واعتمادها من وزارة التضامن الاجتماعي ومهرها بشعار الجمهورية.
وأضافت " المحكمة " أن محافظ البنك المركزي المصري قد أصدر قراره المطعون فيه بإلزام البنوك التابعة للبنك المركزي بعدم التعامل على حسابات الجمعيات والمؤسسات الأهلية إلا بأوراق معتمدة من وزارة التضامن الاجتماعي وممهورة بشعار الجمهورية ، والتزمت البنوك المشار إليها بالقرار المطعون فيه.
وبي بينت أن بعض هذه البنوك أصدرت تعليماتها بتنفيذ القرار الطعين على نحو ما صدر من البنك الرئيسي للتنمية والائتمان الزراعي بالكتاب الدوري رقم (83) بتاريخ 8/3/2009 ، وامتد تنفيذ القرار للتعاملات اليومية المتعلقة بنشاط الجمعيات والشيكات الصادرة منها على النحو المبين بالأوراق دون إنكار من البنك المركزي المصري أو وزير التضامن الاجتماعي.
ولم يقتصر أثر القرار على العاملين بتلك البنوك وما يتصل بعلاقاتهم الوظيفية بالبنك المركزي مُصدر القرار ، وإنما طال التنفيذ المتعاملين مع تلك البنوك من الجمعيات والمؤسسات الأهلية في كل تعامل على حساباتهم لدى تلك البنوك.
الأمر الذي يؤكد الوجود الفعلي والواقعي للقرار المطعون فيه من إفصاح للإدارة في الشكل الذي يتطلبه القانون عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة عامة بمقتضى القوانين واللوائح، وذلك بقصد إحداث مركز قانوني معين يكون ممكناً وجائزاً قانوناً وامتداد آثاره إلى الجمعيات المدعية بما يتوفر معه القرار الإداري الجائز الطعن فيه ، الأمر الذي ينهار معه الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإداري ، ويضحي والحالة هذه خليقاً بالرفض.
وقالت " المحكمة " إن الثابت أن رافعي الدعوى هم رؤساء مجالس إدارات جمعيات أهلية مما عناها القرار المطعون فيه بما تضمنه من أحكام تتعلق بالتعامل على الحسابات الخاصة بتلك الجمعيات، ومن ثم يكون القرار المطعون فيه قد مس مصلحة مباشرة لكل منهم بما يجعلهم في حالة قانونية خاصة بالنسبة إليه من شأنها أن تجعل هذا القرار مؤثراً في مصلحة جدية له ، الأمر الذي يتوفر لهم معه شرط المصلحة اللازم لمباشرة الدعوى وقبولها، بما يتعين معه الحكم برفض هذا دفع رفعها من غير ذى صفة.
وأكدت المحكمة أنه من حق المواطنين في تكوين الجمعيات الأهلية هو فرع من حرية الإجتماع وأن هذا الحق يتعين أن يتمحض تصرفاً إراديا حراً لا تتداخل فيه الجهة الإدارية، بل يستقل عنها، ومن ثم تنحل هذه الحرية إلي قاعدة أولية تمنحها بعض الدول - ومن بينها جمهورية مصر العربية - قيمة دستورية في ذاتها، لتكفل لكل ذي شأن حق الانضمام إلي الجمعية التي يرى أنها أقدر علي التعبير عن مصالحه وأهدافه، وفي انتقاء واحدة أو أكثر من هذه الجمعيات - حال تعددها - ليكون عضواً فيها، وما هذا الحق إلا جزء لا يتجزأ من حريته الشخصية، التي أعلي الدستور قدرها، فاعتبرها - بنص المادة 41 - من الحقوق الطبيعية، وكفل - أسوة بالدساتير المتقدمة - صونها وعدم المساس بها، ولم يجز الإخلال بها من خلال تنظيمها .
وأضافت المحكمة أن البنك المركزي المصري يحتل من النظام المصرفي ذُراه ، إذ يعتبر بنكاً لبنوكها جميعاً ، يمد إليها يد العون ، مواجهاً اضطراباتها الاقتصادية ، موفراً لها ما يلزمها من الأرصدة النقدية الحاضرة مع وضعها تحت تصرفها ، سواء أكان ذلك من خلال تقديم القروض مباشرة إليها ، أم بإعادة خصم الأوراق المالية المقبولة التي تقدمها إليه ، مباشراً سلطاناً فعلياً على أرصدتها وقدرتها على خلق الائتمان ، وعلى عمليات المقاصة فيما بينها ، كافلاً لأوضاع الائتمان حيويتها وثباتها ، مراقباً لها ، سواء أكانت هذه الرقابة كيفية أو كمية أو مباشرة ، ملبياً للسوق المالية إحتياجاتها ، مخففاً عنها حدة ضائقتها ابتغاء الحفاظ على سيولة النظام الائتماني ومرونته ، التي يدعمها إيداع البنوك التجارية عنده ما يفيض عن حاجاتها من إحتياطاتها النقدية ، ليتم تجميعها في يده بدلاً من تفرقها فيما بينها وهو بذلك يضعها في متناولها جميعاً ، لتحصل كل منها عند الضرورة على الأرصدة النقدية التي تحتاجها ، فلا يتعثر نشاطها.