نشرت وكالة بلومبيرج مقالا للكاتب نواه فيلدمان، أستاذ القانون في جامعة هارفارد، تساؤل فيه هل انتهت الديمقراطية في مصر قبل أن تبدأ؟ يعتقد المتشككين في الخارج والمحتجين في مصر ذلك بعد المرسوم الذي أصدره الرئيس محمد مرسي أن قراراته لا تخضع لمراجعة قضائية من قبل المحكمة الدستورية في البلاد.
و تزايدت المخاوف - وهذا ليس مشهدا في الفيلم يتحول فيه الزعيم الإسلامي المنتخب ديمقراطيا الي ديكتاتور ديني. و قد بالغ مرسي في مرسومه, و لم يوضحه بشكل كاف. ومع ذلك فهو يقول انه يحافظ به على الديمقراطية الانتخابية. وبحسب ما ورد, فقد اتخذ أول خطوة لإصلاح الأضرار: الموافقة على الحد من نطاق المرسوم إلى "المسائل ذات السيادة"، مثل حماية الجمعية القائمة علي كتابة الدستور المصري الآن.
اهتمامات العلمانيين المصريين والأجانب مفهومة. الديمقراطية تعني أكثر من مجرد انتخابات. يجب أن يلتزم المنتخبين من قبل الشعب بالإجراءات الدستورية، و عدم اخذ حقيقة انتخابهم باعتبارها ولاية على الحكم دون ضبط النفس. وعندما بدا أن مرسي لن يكون ملزما بقرارات المحكمة الدستورية لأن "الله والشعب" قد اختاروه، زاد القلق انه قد يكون مثل آية الله الخميني - أو مثل الديكتاتور الفاشي.
حتى الآن، على الرغم من المظاهر، لا يمثل مرسوم مرسي سيناريو "الرجل الواحد، الصوت الواحد" الذي ينظر اليه الكثيرون انه امر حتمي عندما يأتي حزب اسلامي الى السلطة من خلال الديمقراطية. يجب على المرء أن ينظر في السياق الكامل للثورة المستمرة في مصر، و الدور موضع شك كبير الذي لعبته المحكمة الدستورية في مصر.
في عهد الرئيس حسني مبارك، تمتعت المحكمة الدستورية بسمعة جيدة لتخفيف الحكم الديكتاتوري. واعتبرها النقاد أنها كانت خاتم مطاطي للنظام، ولكن أشار المدافعين عن حقوق الانسان بحق إلى أنه لا يزال نفوذها أكثر تأثيرا من أية هيئة دستورية أخرى في أي دولة عربية.
منذ سقط مبارك وتم انتخاب الإسلاميين، حاولت المحكمة بنشاط تقييد الحكومة. قد يكون الدافع الروح العامة في البداية، لكنها تراجعت بسرعة إلى مناهضة للديمقراطية الحزبية بجانب الجيش. و بلغت جهود المحكمة ذروتها عندما تم حل المجلس التشريعي المنتخب في يونيو. في مقابلة لاحقة، اعترف واحد من قضاة المحكمة أن المحكمة كانت تدعم النظام العسكري وأعدت أحكامها ضد المجلس التشريعي منذ لحظة بدء الانتخابات.
هناك سبب وجيه للاعتقاد بأنه كان من المتوقع من المحكمة حل الجمعية التأسيسية المنتخبة، تماما كما حل البرلمان - كخطوة أخرى نحو الإعلان عن الانتخابات الرئاسية غير صالحة, وخلق انقلاب دستوري ضد مرسي.
نتيجة أي إجراء من هذا القبيل من قبل المحاكم ستكون لضمان استمرار السلطة مع القادة العسكريين، الذين لم يقبلوا نتائج الانتخابات. الصراع بين الإسلاميين والجيش المنتخبين لم ينته بعد. و من المحتمل ان مرسوم مرسي هو جزء من هذا الكفاح. و بالنظر الي المحكمة بانها اداة في يد الجيش، كان يحاول إخراجها من اللعبة كاجراء وقائي.
وحتى الآن, الوسائل التي اعتمد عليها مرسي ساذجة - و أتت بنتائج عكسية سيئة. لا يوجد مواد في الدستور المؤقت، أو في المبادئ الدستورية العامة، ما يسمح للرئيس تجاهل حكم المحكمة الدستورية. ما كان ينبغي علي مرسي القيام به كان اللجوء إلى الجمعية التأسيسية نفسها. مع عدم وجود دستور دائم ، ستكون الجمعية هي الممثل لإرادة الشعب وليس الرئيس. إذا كانت السيادة تكمن في أي مكان مثل هذه الفترة من عدم اليقين في مرحلة ما بعد الثورة، ستقوم هيئة جماعية مختارة بارساء قواعد أساسية جديدة.
إذا كانت الجمعية التأسيسية أعلنت أنه لا يجوز الحل من قبل المحكمة الدستورية، فسيكون هذا حجة ذات مصداقية دستورية وكذلك سياسية قوية. ويقول كثير من الخبراء الدستوريين أن الجمعية التأسيسية يمكن أن تفعل أي شيء تريده، طالما أنها لا تنتهك حقوق الإنسان الأساسية.
كان من الحكمة أن يصدر مرسي مرسوما محدودا يعلن مستقبلا أن الجمعية ستبقى قوية , حتى لو حاولت المحاكم حلها. فقد تسببت محاولته ان يضع نفسه فوق القانون، في تقليص المثل الديمقراطية العليا التي كان يرددها. بعد أن وافق الآن على الحد من نطاق مرسومه، ينبغي لمرسي توضيح أيضا أنه لا يدعي أي سلطة كامنة للرئاسة، ولكنه يؤكد ببساطة مبدأ أن المحكمة الدستورية لا يمكنها حل الجمعية التأسيسية. هذا من شأنه أن يرسل إشارة إلى أنصار الديمقراطية في مصر والخارج ان مرسي يريد التمسك بالعملية الديمقراطية، وليس تخريبها.
في الوقت الراهن، قد ضعفت شرعية مرسي المحلية بشكل كبير ، وتولدت للمرة الأولى احتجاجات عنيفة ضده. دوليا، اصبحت الأمور أسوأ من ذلك: في أعقاب تأييده العلني لحماس، بدا مرسي وكأنه ديكتاتور في طور التكوين. لم تمت الديمقراطية حتى الآن في مصر. ولكن يجب علي مرسي بذل المزيد من الجهد لإثبات أنه ما زال يؤمن بالنظام الذي أتي به الى السلطة.