كان الخبر واضحا رغم بعض المراوغة التى وردت بين سطوره «الرئيس محمد مرسى طالب حزب الحرية والعدالة الجناح السياسى لجماعة الإخوان المسلمين بترشيح متحدث رسمى جديد للرئاسة بديلا عن ياسر على الذى تعرضت وسائل الإعلام لحياته الخاصة الأسبوع الماضى».
وحسب المصادر – كما جاء فى الخبر – فإن مرسى قرر إنهاء عمل ياسر على كمتحدث رسمى باسم رئاسة الجمهورية فور توافر البديل – هناك ترشيح للدكتور مراد على المتحدث باسم حزب الحرية والعدالة – وكما تشير المصادر أيضا إلى أن التقارير الصحفية عن على تسببت فى حالة من الغضب الشديد داخل أروقة الحزب والجماعة ومؤسسة الرئاسة».
تعاملت مع الخبر بجدية لأن من نشرته جريدة الشروق، ولن أقول إنها وثيقة الصلة بدوائر معينة فقط، ولكن لأن من يتولون مسئوليتها التحريرية يخضعون ما ينشرونه لأقصى درجات الدقة والاستقصاء.. ومعنى أن الشروق قالت إن مرسى يبحث عن بديل لياسر على.. فإنه حتما يفعل ذلك.
لن ألتفت الآن إلى أن الخبر أكد أن مرسى طلب من حزب الحرية والعدالة ترشيح متحدث رسمى آخر، ولأن الحزب لا يعمل بمفرده.. بل تقوده جماعة الإخوان إلى حيث تريد، فمعنى ذلك أن الجماعة هى من تعين ومن تفصل ومن ترشح وليس على الرئيس إلا أن يوافق فقط.. لكن على أية حال هذه قصة أخرى تماما.
أما القصة التى تخصنا.. فهى أن بحث الرئاسة عن بديل للدكتور ياسر على المتحدث الرسمى باسمها يعنى أن ما نشرته الأسبوع الماضى عن زواجه من الصحفية عبير عبد المجيد – الصحفية باليوم السابع – لم يكن وهما ولا سرابا، كما يحاول الدكتور ومحاميه أن يصورا الأمر، فلو أن الرئاسة تعرف أن ما نشرته وهم لما أقدمت على هذه الخطوة، ولتجاهلت الأمر، خاصة أن مؤسسة الرئاسة تملك حساسية ضخمة من كل ما ينشر هنا فى الفجر.
استقالة المتحدث الرسمى
كنت أعتقد أن الدكتور ياسر على وهو يعرف أن كل ما نشرته عن زاوجه - من عبير عبد المجيد، وخاصة أن الزواج لم يستمر إلا ثلاثة أيام فقط - حقيقى ولا لبس فيه على الإطلاق، سيبادر إلى تقديم استقالته من منصبه، على الأقل ليحمى نفسه من فتح ملفات كثيرة لا قبل له بها.. لكن الرجل قابل الموضوع فى البداية بالصمت، ثم فوض أمره إلى الله، قائلا: حسبى الله ونعم الوكيل وأنه لن يقاضى من أساءوا إليه ثم خرج عن صمته وتقدم ببلاغ إلى النائب العام يتهم كل أطراف القضية، وحسنا فعل ذلك.
ليس سهلا بالطبع أن يفرط ياسر على فى منصبه، فهو فى نهاية الأمر حقق تقريبا كل أحلامه بموقعه إلى جوار الرئيس، ياسر فى الأساس شاب ينتمى إلى أسرة متوسطة، وقد استطاع بجده واجتهاده – وبظروف الثورة بالطبع – أن يصل إلى قمة مؤسسة الرئاسة، ولذلك فإنه سيظل متمسكا بمنصبه وسيقاوم أى محاولات لإزاحته.
قيادى بمكتب الإرشاد وعبر مراسل إحدى القنوات الإخبارية الدولية.. أكد أن قيادات من الجماعة بعد نشر قصة زواج ياسر على السرى قاموا بتعنيف ياسر على، قالوا له إن هناك من يتربص بالجماعة وينتظر لها أى هفوة وأنت بمنتهى السهولة تهديهم هذه الفضيحة، ياسر على وطبقا لمراسل القناة الإخبارية وعد أن يلم الموضوع بطريقته، ورغم أن توبيخه كان عنيفا إلا أن قيادات الإخوان قالوا له: اعتبرها آخر غلطة. حقيقة الأمر أن الرئيس مرسى يجب أن يبحث عن بديل للدكتور ياسر على، ليس فقط بسبب ما يدور حوله من أمر الزواج.. فالمتحدث الرسمى باسم الرئاسة فشل حتى فى الحديث عن نفسه، لم يستطع أن يدير أزمته الخاصة بكفاءة، فكيف يمكن أن يؤتمن على مؤسسة الرئاسة.
ارتباك فى مؤسسة الرئاسة
كان من الطبيعى أن يحدث ارتباك فى مؤسسة الرئاسة، فقصة الغرام كلها دارت فى طرقات قصر الرئاسة وأثناء الزيارات الخارجية التى قام بها الرئيس وصاحبه فيها ياسر على بوصفه المتحدث الرسمى وعبير عبد المجيد بوصفها مندوبة اليوم السابع فى الرئاسة، ثم إنه وكما قالت عبير وأكدت ذلك فيما ذلك فى قنوات فضائية.. أن ياسر طلقها بأوامر مباشرة من الرئيس محمد مرسى.
لكن ولأن الرئاسة لا تحب أن تظهر بمظهر المرتبك، فقد سربت عبر عدد من مندوبى الصحف بها، أن الرئيس محمد مرسى كان يبحث عن بديل لياسر على منذ أكثر من شهر، وأنه أبدى استياءه أكثر من مرة من أدائه، وأنه كان سيقيله من منصبه خلال الأيام الماضية، لكن بعد أن تفجرت قضية زواجه السرى من عبير عبد المجيد رأى الرئيس أن يؤجل الأمر قليلا حتى لا يتم الربط بين الإقالة وبين ما نشر عن حياة على الخاصة.
هذا التسريب يمكن أن يكون محاولة لغسيل اليد والسمعة، فالرئاسة لو استغنت عن ياسر على الآن، فلن تفعلها إلا بسبب قضيته مع عبير، خاصة أن هناك مصادر تميل إلى أنه استخدم اسم الرئاسة وأمن الرئاسة كمبرر لأن ينهى زواجه من عبير بعد أن تصاعدت الأزمة فى بيته، وهو ما لم يرض عنه الرئيس.
لقد اختار الرئيس مرسى الصمت.. هو يشعر بأبوة بالغة تجاه ياسر على، يعتبره ابنه بالفعل، وقد وضعت هذه الأبوة مرسى فى حرج بالغ، فهو كرئيس وجد اسمه يتردد بين كواليس قصة بهذا الحجم فلم يكن له أن يعتصم بالصمت ويترك الأمر للتسريبات، كان لابد أن يأخذ موقفا محددا من ياسر على ومن وجوده فى قصر الرئاسة، لكن الرجل لم يفعل.. ولن يفعل.
محاولات إطفاء النار
تحتفظ عبير عبد المجيد الآن بعدد كبير من الأسرار، أعتقد أنه لم يحن الوقت بعد للإعلان عنها، لكن على الأقل يمكن أن نشير إلى أن هناك محاولات كثيرة بذلت من قبل عدد من قيادات جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة ورجال الأعمال المقربين من الجماعة لاحتواء الموقف وإطفاء النار التى لم تمسك بثوب ياسر على وحده ولكن بثوب الجماعة كلها.
كان أول اتصال بعبير من قيادى بجماعة الإخوان قال لها إنها لو لم تتحدث وتنشر القصة كاملة على لسانها، كان يمكن أن يتم استيعاب الموضوع وعلاجه بهدوء، لكن بعد أن تحدثت فمن الصعب أن تتراجع، وهو بالمناسبة ما كانت الصحفية ترفضه من الأساس، فقد روت قصتها كانت تعرف أنها ستتعرض لإغراءات كثيرة ولتهديدات أكثر وهو ما حدث بالفعل، لكنها لم تستجب لأى محاولات إغراء، كما أنها تقاوم أى محاولة للتهديد.
فى وسط الطريق إلى احتواء الموقف تورط رجال أعمال كثيرون، واتصلوا بعبير وحاولوا التوصل معها إلى صيغة وسط تنهى بها الأزمة، لكن ولأن كل العروض كانت بعيدة عن تمكينها من الإعلان عن زواجها بشكل كامل ومحترم فقد رفضت، ولن يكون سعيدا لبعض رجال الأعمال إذا عرفوا أن هناك شهودًا على مكالماتهم للصحفية، فالدور الذى يقومون به ليس مشرفا لهم من أى ناحية.
بيت الرئيس وزواج ياسر
من اللحظة الأولى لنشر هذه القصة كان يجب أن يعرف الرئيس محمد مرسى أن ما يتردد عن زواج متحدثه الرسمى لن يقتصر على ياسر على فقط، ولكن سيمتد إليه، وهو ما حدث.
فى رواية عبير أن الرئيس عندما عرف بأمر زواج متحدثه الرسمى أمره بأن يطلق زوجته، فرجل فى موقعه لا يجب أن تكون له زوجة ثانية، ثم إن الظروف التى تمر بها الرئاسة لا تسمح بأن يكون أمر مثل هذا موجودا.
رواية عبير ليست وحدها التى يمكن أن نعتمد عليها، فطبقا لمصادر مقربة من عائلة زوجة ياسر على الأولى الدكتورة عبير فوزى السبكى أنها عندما عرفت بما يخطط له زوجها من الزواج عليها من الصحفية عبير، اتصلت بالسيدة الفاضلة نجلاء أم أحمد زوجة الرئيس مرسى وبكت لها، وطلبت منها أن تتوسط لدى الرئيس حتى يمنع ياسر من الزواج، وهو ما فعلته السيدة نجلاء، وقد استجاب لها الرئيس مرسى على الفور.
القصة لا تزال ساخنة وأسرارها لم تنكشف بعد، خاصة أن الدكتور ياسر على يصر على أن شيئا لم يحدث، وكأنه الطرف الوحيد فى القصة، ولم يهتم بأن هناك أطرافًا كثيرين، وهذه الأطراف لديها ما تقوله، قد تكون هناك عوائق كثيرة تحول دون أن يحدث أطراف القصة، لكن أعتقد أنه بعد أن وصلت القصة إلى المحكمة فالجميع سيتحدثون ولو حتى رغما عنهم.
لا أستطيع أن أجزم بأن قصة تدخل السيدة نجلاء زوجة الرئيس فى قصة زواج ياسر على ونجلاء صحيحة مائة فى المائة، لكن المصادر التى تحدثت إلى أثق فى قربها من القصة واطلاعها عليها، خاصة أنها تملك تفاصيل كثيرة، لست فى حل لذكرها لأنها تفاصيل خاصة جدا تتعلق بالدكتور ياسر، وأعتقد أنها لا ترتبط مطلقا بقصة زواجه من عبير.
لقد خلق صمت الرئيس على الزج باسمه فى القضية لبسا هائلا، وكان يمكن له ببيان قصير أن يحسم المسألة كلها، ويبعد نفسه عن القصة، أو يواجه نفسه ومتحدثه الرسمى ويعترفان بالقصة، ويفعلان مثل كل البلاد المتحضرة التى يمكن أن تتعرض السلطة الحاكمة فيها، بأن يتم الاستغناء عمن وقع فى الخطأ، لا أن يدخل الجميع فى جدل بيزنطى عقيم لا فائدة منه، خاصة أن القصة تكاد تكون محسومة.
النفوذ السياسى فى قصة عبير
لولا كان الدكتور ياسر على مواطنا عاديا – إخوانيا بالطبع – وقابلته عبير عبد المجيد، فربما لم يكن ليلفت انتباهها من الأساس، لكن وجود ياسر على فى الرئاسة منحه وضعا سياسيا استثنائيا، وكان يجب عليه أن يحافظ على هذا الوضع، ألا يقترب من صحفية تعمل فى المؤسسة إلى هذا الحد، الذى كان من السهل معه أن تعرف عبير أسرارًا كثيرة عن مؤسسة الرئاسة لم يعرفها غيرها.
على المستوى المهنى كانت عبير تنفرد بكثير من الأخبار، كانت كما قالت لى هى وكما قال لى بعض مندوبى الرئاسة فى الصحف يتعاملون معها على أنها المتحدث باسم المتحدث الرسمى باسم الرئاسة، لقد منحها ما حجبه عن الآخرين، وهو ما يمكن أن يؤاخذ عليه.
وسيكون مفاجأة للدكتور ياسر على عندما يعرف أن هناك أوراقًا كثيرة وخاصة ستظهر فى كواليس هذه القضية، أوراقًا لا تخصه هو وحده، ولكن تقارير تتعلق بالرئيس، ولولا علاقته بعبير التى وصت إلى حد الزواج، ما كان لهذه الأوراق أن تظهر أبدا.
لقد سخر البعض من اعتبارنا أن استخدام سيارات الرئاسة فى أمور شخصية نوعًا من الفساد السياسى، وهؤلاء هم أنفسهم الذين شهقوا عندما عرفوا أن وزير الداخلية السابق حبيب العادلى كان يكلف سيارة من الوزارة بنقل الزبادى من ميدان لبنان إلى مارينا، واعتبروا هذا قمة الفساد، لكن يبدو أننا لا نفهم إلا بعد أن تخرب مالطة.
الفساد الصغير يسحب فى ذيله فسادًا كبيرًا، إن هناك من يفخر فى قصر الرئاسة الآن ويقول إنه يكفى الشعب المصرى أن من يحكمونه الآن ليسوا حرامية ولكنهم نظيفو اليد، وهو نفس ما كان يقوله مبارك فى بداية عهده من أن الكفن ليس له جيوب، وعندما خلعه الشعب المصرى وجدوا وراءه كل هذا الفساد.
فهل ننتظر أن يتحول الفساد الصغير إلى فساد كبير وبعدها نتحدث؟
المحكمة فى انتظار المتحدث الرسمى
كانت القصة قبل أن يتقدم الدكتور سمير صبرى المحامى بدعواه إلى محكمة الأسرة لإثبات العلاقة الزوجية بين عبير وياسر على، مجرد قصة تسلى عليه الكثيرون ممن يريدون ألا يعملوا ويشقيهم أن يعمل الآخرون، لكنها وبعد أن وصلت إلى المحكمة فإننا نقف على الحياد فى انتظار ما ستسفر عنه.
ما يحيرنى فعلا أن الدكتور ياسر على رجل يفتقد الحنكة.. إنه يتقدم بخطى سريعة إلى مصرعه.. دخوله إلى المحكمة سيكلفه مستقبله السياسى، فالقصة صحيحة، وليس معقولا أن تذهب عبير إلى المحكمة لتشهر بنفسها وهى تستند إلى سراب.. كان يمكن أن يضرب ياسر على المثل بنفسه على أنه يتحمل نتائج ما يفعله.
لم يخطئ الشاب الإخوانى الطموح عندما أحب.. لم يخطئ عندما تزوج.. لكنه أخطأ عندما أنكر.