لقد شارك أعضاء رابطة النهضة والإصلاح قبل إنشائها في ثورة يناير المباركة، وخاضوا معاركها الفاصلة منذ يومها الأول وحتى تنحي مبارك، ثم شاركوا بعدها في كل المواجهات التي شهدها ميدان التحرير بين الثورة وبين الحكم العسكري قي الفترة الانتقالية، وارتوى تراب محمد محمود بدمائهم في أحداثه الشهيرة عام 2011، وكانوا في الصفوف الأولى للمواجهات، فقد تعاهدنا منذ البداية على استكمال الطريق حتى تؤتي الثورة أكلها، أيا ما كان الطرف الذي سنواجهه لتحقيق ذلك. ولكننا اليوم نرى ما لم يخطر لنا ببال أن يقع في ميدان الحرية والكرامة، ونُبصر انقلابا صريحا على الثورة وتشويها لها ونزعا لكل جميل كان يزينها، فقد سجّل اليوم وقوع ما يلي:
1-دخول رموز النظام السابق ورؤوس الفساد والنفاق في عهد مبارك إلى ميدان الثورة كالفاتحين، يطؤون بأقدامهم مواضع استشهاد مئات الشرفاء، ولا يحرّك أحد المعارضين ساكنا، وهذه سابقة خزي يلحق كل من كان سببا في وقوعها.
2-الاستهداف والتعرّض بالأذى على الهوية بل على المظهر، فمن كان ذا لحية أو لباس يدل على انتمائه لتيار مخالف للمتظاهرين في التحرير، فإنه يخضع أولا لتحقيق "بوليسي" للتعرف على سبب قدومه، ثم يُسب، ثم يضرب ضربا. حدث ذلك اليوم مع الأخ هاني عشماوي، محفظ القرآن، الذي تم الاعتداء عليه وضربه لكونه ملتحيا يرتدي جلبابا.
3-التعدي على المعتصمين من أسر المصريين المظلومين، أيضا من أجل الهوية، فقد قام البعض بإحراق مقر اعتصام أسرة الشيخ عمر عبد الرحمن أمام السفارة الأمريكية، في ممارسة قذرة وخسيسة لا يمكن تصوّر صدورها عن ثوار يناير.
4-استهداف مقرات جماعة الإخوان المسلمين في شتى أنحاء البلاد بصورة متزامنة، واستخدام الملوتوف لحرقها والسلاح في مواجهة شباب الجماعة الواقفين لحمايتها.
إننا نستنكر هذه الأفعال الهمجية، التي كنا نتصوّر أن يتبرّأ منها كل معارض شريف، ولكن ياللأسف، فقد صمتت رموز المعارضة اليوم صمت القبور، وعادوا بيوتهم آمنين، وتركوا الميدان لازالت تقع فيه هذه الكوارث، مع أن أحدهم قد قال منذ يومين: (لن نفرّط في سلمية الثورة)!
كما ونشيد بقدرة شباب الإخوان على ضبط النفس، وعلى تجنّب الجماعة النزول اليوم إلى ميدان التحرير صيانة للدماء من أن تسيل في هذا المشهد العبثي.
وإننا لازلنا نناشد عقلاء الثوار أن يتحملوا المسئولية ويتدخلوا لإيقاف هذه المهازل، وأن يغسلوا أيديهم من خصوم الثورة وفلول النظام؛ كي لا يلحقهم عارهم، وألا يفرّطوا في مبادئهم لمجرد خلاف سياسي يمكن حله بألف وسيلة قبل الاستعانة بفلول النظام لإسقاط الرئيس المنتخب.
هذا ونؤكد أن التيار الإسلامي حتى الآن بجميع فصائله السياسية والثورية يتحلّى بأقصى درجات الصبر، آملا ألا يضطر إلى الدخول في مواجهات لن يتحمّل أذاها -إن وقعت- هؤلاء الذين يشعلون اليوم أوار فتنتها.