سؤال يحيرنى: هل الجهل يجعل الإنسان متعصبا، أم أن التعصب هو الذى يجعل المرء جاهلا؟ هل يعتقد هذا البنى آدم الذى طالب بهدم الأهرامات وأبى الهول حقا أنهم أصنام وأن المسلمين الأوائل لم يهدموها لأنهم لم يكن بحوزتهم «شواكيش»؟
هل الجهل هنا نوع من الرفض العقلى للمعرفة؟ من المؤكد أن هناك أناسًا حاولوا أن يرفعوا مستوى علمه على مدار السنين، ولكنه واجه ذلك برفض قاطع للتعلم.. أكيد.
لو قلت له مثلا إن عمرو بن العاص لما فتح مصر لم يحاول أن يمنع المصريين من مزاولة حياتهم التى اعتادوا عليها، وأن ذلك هو أحد أسباب نجاح الإسلام فى الوصول إلى قلوب الناس.. لم يحاول حتى أن يمنعهم بالقوة من شرب النبيذ الذى كانوا يعشقونه ويتناولونه ربما أكثر من الفرنسيين!
فى البرديات المصرية من تلك الفترة إشارات واضحة إلى أن الفاتحين كانوا يحصلون على ضرائب – خراج- عن الخمر والخنازير وأحيانا يحصلون حتى على نصيب منها بدل الأموال ويقال إن أبا عبيدة سأل عمر بن الخطاب – رضى الله عنه: "أن عمالك يأخذون الخمر فى الخراج، فقال لا تأخذوا منهم، لكن ولوهم بيعها وخذوا أنتم الثمن"( نقلا عن كتاب " الفلاح المصرى بين العصر القبطى والإسلامى"- تأليف زبيدة عطا- سلسلة تاريخ المصريين- الهيئة العامة للكتاب).
اخترت هذه الحكاية فقط لغرابتها، بالنسبة لعقول اليوم الضيقة، وهناك عشرات الحكايات لمن يريد أن يعرف كيف كانت الحضارة الإسلامية فى أوج ازدهارها متحررة ومتفتحة وتأبى إكراه الناس فى الدين.
صحيح أيضا أن المتعصبين كانوا هناك، والكتب الحافلة باجتهادات وفتاوى خرقاء جاءت من هناك.. ولكن مشكلة هذه العقول أنها تختار من الماضى أسوأ ما فيه، عوضا عن استلهام النماذج الإيجابية الكثيرة.
صحيح أيضا أن هذا الأحمق ليس أول شخص فكر فى هدم أبى الهول. فى كتابه "المواعظ والاعتبار فى ذكر الخطب والآثار" يكتب المؤرخ الكبير المقريزى (1364م - 1442م): " وفى زمننا كان شخص يعرف بالشيخ محمد صائم الدهر من جملة صوفية الخانقاه الصلاحية سعيد السعداء قام فى نحو من سنة ثمانين وسبعمائة لتغيير أشياء من المنكرات وسار إلى الأهرام وشوّه وجه أبى الهول وشعثه فهو على ذلك إلى اليوم ".
حدث ذلك منذ حوالى ستة قرون، وبالفعل كان بعض المصريين فى ذلك الوقت يتقربون لأبى الهول بالقرابين.. يعنى كان معذورا، ومع ذلك هل تعرف ماذا كانت عاقبة هذا المتعصب؟ لقد حكم عليه الوالى الذى يطبق الشريعة بالإعدام نظرا لجسامة التخريب الذى قام به. اليوم لا أحد يحاسب هؤلاء الحمقى على أقوالهم وتخريبهم.
قد تبرر لهم، كما يبرر بعض المتعصبين على الفيس بوك، بأنهم جهلة ولا ينبغى أخذهم مأخذ الجد أو الاعتقاد بأنهم يمثلون كل "السلفيين". المشكلة عزيزى المبرراتى أن السكوت عليهم هو الذى يجعل لكلامهم قوة وتأثير على عقول الحمقى أمثالهم. ولو كان هذا جاهلا فما رأيك فى الأخ الثانى، رجل القانون الذى كان يرشح نفسه لرئاسة الجمهورية قبل اكتشاف جنسية أمه، الذى أدلى بتصريح عجيب كعادته قال فيه إن القانون المصرى يحلل الزنى ولا بد من تطبيق الشريعة.
تطبيق حد الزنى وفقا للشريعة أمر شبه مستحيل كما هو معروف للجميع، والقانون المصرى من أكثر قوانين العالم تشددا فيما يتعلق بالزنى. فهل الرجل لا يعلم، أم يعلم وينكر، أم أن عقله يحول بينه وبين المعرفة؟
ليست المشكلة فى الشريعة، ولا فى القانون. الشريعة تقول لك اذهب إلى الحج، ولكنها لا تشترط عليك ركوب الناقة.. آسف سأتوقف الآن لأننى أعرف أن المناقشة لا تجدى معهم وأن المسألة لا علاقة لها بالمنطق أو العقل ولكن بالمرض العقلى!.