الألاعيب والحيل التى تقوم بها أجهزة الدعاية ضد الثورة لا حصر لها، لكن من أكثرها فجاجة الفيديو الذى يتهم الثوار بتعذيب «المواطنين الشرفاء» فوق مسجد عمر مكرم، أما أكثرها خطورة فكان مؤامرة حرق المجمع العلمى التى اتهم فيها عدد من الأبرياء الفقراء، ممن يسمونهم أطفال الشوارع، وعدد من النشطاء بعضهم لم يكن موجودا فى موقع الحدث، بينما مرتكبو الجريمة المسجلة بالصوت والصورة لم يقبض عليهم أحد! التشويش الهائل الذى تمارسه الأجهزة على شبكة الإنترنت وبعض الصحف والقنوات التليفزيونية التابعة لهم وصل إلى مداه فى الاسبوع الماضى مع ظهور بعض «الحقائق الجديدة» عن حادثتى عمر مكرم وحرق المجمع، هدفها تأكيد التهم للثوار، لكن لأن مستوى ذكاء العاملين فى تلك الأجهزة تحت الصفر، فإن هذه «الحقائق» تثبت براءة الثوار تماما، وتؤكد أن البلطجية المعروفين بالاسم لدى الأجهزة هم الذين ارتكبوا الحادثتين!
تحت اسم «مؤتمر صحفى لشباب الثورة لعرض مقاطع فيديو جديدة حول أحداث حرق المجمع العلمي» تمت دعوة عدد كبير من القنوات التليفزيونية والصحفيين، حيث خرج علينا اثنان من الشباب يزعمان أنهما من شباب الثورة، الأول يدعى حسام الخولى «المنسق العام لحركة مكافحة الفساد» وهى حركة وهمية لا وجود لها، والثانى يدعى خالد يسرى ويطلق على نفسه «الشاهد الوحيد فى قضية الشيخ عماد» علما بأن مقتل الشيخ عماد كان أمام مئات المتظاهرين والشهود ومن بينهم كاتب هذا المقال نفسه!
المؤتمر تكون من جزءين: الأول اتهام بعض شباب التحرير بحرق المجمع مع كلمات انشائية معتادة بوجود مؤامرة دولية لتقسيم مصر وتخريبها واسقاط الدولة وضرورة الانتباه ووحدة الصف، والجزء الثانى المهم هو عرض لفيديو كامل لعملية حرق المجمع العلمى مدعومة باللقطات الفوتوغرافية والأسماء وتفاصيل خطة الحرق. المدهش فى الأمر أن كل ما جاء فى الفيديو دقيق جدا وهو دليل دامغ على وجود خطة مدبرة مسبقا لحرق المجمع، لكن الحقيقة الواضحة كالشمس فى الفيديو التى لا يذكرها منظمو المؤتمر أبدا هى أن مرتكبى الجريمة بلطجية معروفون بالاسم فى حى عابدين والسيدة زينب وبعضهم مطلوب أمنيا بتهمة المشاركة فى «موقعة الجمل» وأنهم من الشباب الكثيرين الذين تم دسهم على الثورة – مثل منظمى المؤتمر أنفسهم – لتشويهها ولارتكاب عمليات إجرامية باسمها.
هؤلاء البلطجية يتم ذكرهم بالاسم، وهم ينفذون خطة الحرق بدقة ويجرون بعدها للحصول على الأجر من زعيمهم، لكن على حد علمنا معظمهم حر طليق حتى الآن بينما يتم اتهام نشطاء صغار وكبار مثل طارق شمس الدين وأيمن نور وممدوح حمزة.
هؤلاء البلطجية لديهم معدات وسترة واقية للنار ويستخدمون إشارات متفق عليها وعلى طريقة رجال الأمن يرتدون ملابس بعينها ليعرفوا بعضهم البعض، فى هذه الحالة هى الكوفية الفلسطينية التى يضعونها على رقبتهم أو وسطهم بالرغم من أن المتحدثين فى المؤتمر لا يكشفون هذا، ربما حتى لا ينتبه أحد فى المرة القادمة.
الواضح تماما فى الفيديو أن حرق المجمع لم يكن من فعل المتظاهرين ولم يكن نتاج انفعال وقتي، لكنه نتاج خطة محكمة تم التدريب عليها مسبقا، وتمت تحت بصر ورعاية القوات التى تؤمن المكان، وهو ما أشرنا إليه من قبل. الاختلاف الوحيد هو أن الأجهزة الأمنية تتهم الثوار بالتدبير لحرقه، بينما تشير كل الأدلة إلى بلطجية معروفين بالاسم شاركوا فى عشرات الجرائم من قبل منذ اندلاع الثورة وهم يعملون كما ذكرت بالتعاون مع أقسام شرطة عابدين والسيدة زينب وقصر النيل.
ومما يثبت النية السيئة لمنظمى المؤتمر، لكنه يوقعهم فى شر أعمالهم، هو محاولة نفى التهمة عن الجيش وبالمرة نفى تهمة اعتداء الجيش على معتصمى مجلس الوزراء. فمن المعروف أن نشطاء الفيس بوك نشروا صورة لأحد الضباط الصغار يمسك بالناشطة الدكتورة غادة كمال من رأسها وهى راكعة أمامه وبجوارها صورة لشاب يحرق المجمع العلمى وقالوا إنه نفس الضابط. المتحدثان فى المؤتمر يؤكدان أنه نفس الشخص ولكنهما يزعمان أنه فى الأصل ليس عسكريا وانما «ولد مبرشم» يرتدى ملابس ضابط بالجيش. وطبعا هذا الادعاء مضحك لأنه كان يمارس عمله كضابط وسط عشرات الجنود والضباط الآخرين، وخارج وداخل مجلس الوزراء، ولو كان بمقدور أى شخص أن يرتدى ملابس ضابط أو جندى جيش وينضم إليهم بهذه السهولة فهذا عذر أقبح بكثير جدا من الذنب...ولمن لا يعرف يمكن أن نؤكد استحالة ذلك لأن أفراد الجيش يعرفون بعضهم جيدا بحكم أنهم يعيشون معا طوال الوقت، ومن الصعب أن يأتمر جندى بأمر شخص لا يعرفه. فهل ما ذكره المتحدث فى المؤتمر اعتراف بأن الجيش شارك فى حرق المجمع أم محاولة خائبة لنفى أن الجيش اعتدى على المعتصمين؟!
نأتى إلى الفضيحة الثانية وهى تهمة قيام الثوار بتعذيب مواطنين فوق سطح مسجد عمر مكرم، فبعد أن تبين أن المجموعة الواقفة فوق عمر مكرم لا علاقة لها بالثوار وأنهم يمارسون تمثيلية ساذجة، خاصة أن أحدا من الذين جرى تعذيبهم لم يظهر أو يتقدم بشكوى، وأن كل الشهادات التى سمعناها مصدرها الثوار وأطباء الميدان والشيخ مظهر شاهين إمام المسجد... يبدو أن مخرجى التمثيلية شعروا بالحرج من كثرة التشكيك فيها، فقاموا بعمل تمثيلية أخرى على شاشة قناة «المحور» يزعم أصحابها أنهم من شباب الثورة المشاركين فى التعذيب فوق المسجد! والسؤال لماذا لم يتم القبض على هؤلاء عقب انتهائهم من البرنامج ولماذا لا يتم القبض على زملائهم؟ الرد الذى سمعته هو خوفهم من أن يدافع عنهم الثوار، لكننى أؤكد هنا أن الثوار لن يدافعوا عن أى شخص من الذين ظهروا فى هذا الفيديو، وعلى العكس تماما يريدون محاكمتهم ونشر اعترافاتهم التفصيلية.
يبدو أن الأجهزة لا تريد كشف سر عمر مكرم بدليل أنها روجت عبر مواقع السلفيين التابعين لأمن الدولة خبرا «مضروبا» ينص على أن «الاشتراكيين الثوريين يعترفون بأنهم استخدموا المسجد كمقر لاستجواب الأشخاص الذين يقبضون عليهم». الخبر الذى تناقلته مواقع معروفة بانتمائها لأمن الدولة مثل «المرصد الاسلامى لمقاومة التنصير» و«شبكة المخلص» الذى يشرف عليه «الشيخ» محمد بن عبدالملك الزغبى نشرت التصريحات على لسان متحدثين باسم الاشتراكيين الثوريين هما هانى مرعى وهدى سيف النصر علما بأنها أسماء وهمية لا وجود لها بين صفوف الاشتراكيين الثوريين، وهو نفس ما فعله موقع «محيط» عشية 25 يناير عندما نشر على لسان متحدث وهمى باسم الحركة اسمه عصام المتولى قوله بأنهم يخططون لاقتحام وزارة الدفاع!!
السؤال الأخير حول نشر مقاطع جديدة من فيديو «تعذيب عمر مكرم» مع تهديدات من صانع الفيديو بنشر المزيد والادعاء أيضا بأنه ينتمى للثوار مطالبا بضرورة «تطهير أنفسنا» ويدعو للاحتفال فى 25 يناير والامتناع عن الاعتراض والتخريب! السؤال عن هوية هذا العبقرى الذى يقوم بتصوير كل شىء فى الميدان ولماذا لا يكشف عن هويته طالما أنه من الثوار الشرفاء؟!