طالبت قوى سياسية مختلفة منذ أيام إقالة حكومة الدكتور هشام قنديل بعد مُضى مائة يوم على تشكيلها، معتبرة أنها لم تقدم حلولاً لمسلسل الأزمات التي يعانيها الشارع المصري، خاصة مع رفضها لطريقة تشكيل الحكومة مُشددين على ضرورة إعادة تشكيل حكومة سياسية جديدة ووضع مشروع لنهضة مصر مُحدد الأهداف... وعلى الصعيد الآخر إستنكرت بشدة جماعة الأخوان المسلمون وعشيرة الرئيس هذا المطلب حيث اعتبروه محاولة لعرقلة مسيرة الدولة وإعاقة مشروع النهضة، ولا زالت جماعة الأخوان تؤكد على وجود دولة عميقة تقف فى وجه رئيسهم المنتخب!.. ولكن أين يقف المواطن المصرى من كل هذا؟ تُرى لو نزلنا إلى الشارع الذى هو نبض النجاح والفشل وسألنا المواطن مم يُعانى؟ وماذا يرى؟ تُرى ماذا سيقول؟.. المواطن المصرى الذى أُعدمت أحلامه تحت نصل مقصلة النظام السابق، عاد ليبحث عنها ويلملمها من جديد ليصنع منها عُقد من أمل عقب ثورة يناير..وإذا بالواقع المرير الذى لم تطله يد التغيير يطيح بأحلامه مرة أخرى.. منذ قيام الثورة وحتى اليوم هبطت علينا أربع حكومات، بأربع توجهات، بأثنين وعشرون وزيرا ومائة سبب للفشل.. حكومة الفريق شفيق بقيت فى السلطة لمدة 33 يوما فقط.. وهى حكومة تم تكليفها من قبل رئيس الجمهورية المخلوع لذا جاءت بلا شرعية ثورية حقيقية، لم تقدم أى إنجاز واضح لأنها كانت حكومة تعمل فى قمة الفوضى، وكل ما قامت به هو درأ الإتهامات عن رئيسها ووزرائها، فكان الأخوان المسلمون يقفون لها بالمرصاد، وكانت القوى الثورية تعتصم كل جمعة فى الميدان من أجل إقالة رئيس الوزراء الذي إعتبروه الإبن الغير شرعى للنظام السابق.. ثم إنتقلت الشرعية مرة أخرى إلى الميدان حين عادت إرادة الشعب من جديد تُطالب بحكومة ثورية، فالثورة التى فشلت فى أن يكون لها مطالب واضحة ورئيس واحد قوى، نجحت فى فرض إرادتها على المجلس العسكرى وطالبت بحكومة ثورية، وبالفعل تم إختيار عصام شرف، من قبل المتظاهرين بالميدان ليمثلهم، فهو رجل إعتصم بالميدان أيام وليال مع الثوار مُشاركا ومؤازرا..حتى أنهم أجبروه على حلف اليمين فى الميدان..لذا إستمرت حكومته لمدة أطول قليلا من الحكومة السابقة وهى فترة 134 يوم.. حتى تمت إقالته من قبل الثوار أيضا وبنفس الطريقة السابقة، فلم يعد واضحا لنا كيف إختاروه ولا لماذا أقالوه؟..واستمرت طبعا جماعة الأخوان المسلمون فى الهجوم الشرس على تخاذل شرف وحكومته، وبات الإنجاز الوحيد الذى قامت به هذه الحكومة هو الرحلة التى قام بها عصام شرف إلى محل الفول والطعمية للإلتحام بعامة الشعب..ولكن إحقاقا للحق فقد حاول عصام شرف فى عدة إتجاهات النهوض بالوطن فى حدود الإمكانيات المتاحة له، ففتح ملف النيل مع أثيوبيا، ووجه هيئة الاستثمار من أجل إطلاق حزمة جديدة من التيسيرات على المستثمرين تستهدف تشجيع وجذب استثمارات جديدة لمصر..كما طالب بإنشاء صندوق لتمويل المصانع المتوقفة عن العمل بما يمنع تسرب العمالة..وقام أيضا بضمان حق التصويت للمصريين العاملين بالخارج في كل من الانتخابات البرلمانية والرئاسية.. وتلت هذه الحكومة حكومة الدكتور كمال الجنزورى التى شهدت منذ يومها الأول مُعارضة شديدة من قبل جماعة الإخوان المسلمون وحزب الحرية والعدالة، بل ووصل الأمر إلى حد أنهم طالبوا بتشكيل حكومة «توافق وطني» مُبدين استعدادهم لقيادتها..وعلى الرغم من ذلك إستمرت حكومة الجنزورى فى قيادة الدفة لمدة سبعة أشهر و19 يوما، عقد فيها الجنزورى 155 اجتماعا وزاريا وشكل 125 لجنة لمتابعة قراراته التى بلغت 130 قرار، فاستطاع الجنزورى إعادة مُستحقات المصريين المتضررين من حرب الخليج والبالغة نحو 2.5 مليار جنيه والمعروفة بالحوالات الصفراء بعد أكثر من عشرين عاما من المطالبة دون جدوى..كما شملت القرارات الاجتماعية إنشاء مركز قومى لرعاية أسر الشهداء والمصابين فى الثورة ورفع قيمة معاشات أسر الشهداء إلى 1750 جنيها مع صرف معاش استثنائى للمصابين (حسب نسبة الإصابة) يقدر بنحو 1725 جنيها شهريا إضافة إلى تخصيص شقق سكنية للمصابين وتخصيص 52 مستشفى لعلاجهم بالمحافظات..وشملت قرارات حكومة الجنزورى الاجتماعية أيضا زيادة معاش الضمان الاجتماعى بواقع 50 جنيها للأسرة شهريا ليصبح 200 بدلا من 150 جنيها.. وانتهت فترة حكومة الجنزورى بإنتخاب الرئيس مرسي، الذى كان من الطبيعى أن يأتى بحكومة فعالة قوية قادرة على تنفيذ مشروع النهضة الذى كان السبب الأول فى نجاحه، وإيمان الشعب بالمشروع قبل الشخص..فكانت المفاجأة حكومة هشام قنديل بعد عدة ترشحات وعدة تخمينات إنتهت بقنديل، الذى بدا منذ اليوم الأول مُحترما مُسالما ولكن بلا رؤية ثاقبة ولا قدرة حقيقية على إدارة الدفة..فلأول مرة وكما هو المتوقع لم يعترض أبناء الحرية والعدالة على الحكومة ولا رئيسها، بل ووضعوا ثقتهم المُطلقة فى الرجل من منطلق أن إختياره جاء من قبل د.مرسي. كان لابد أن نتريث حتى تتضح الصورة، والمفاجأة أن حكومة قنديل ظهرت الأضعف بين كل الحكومات التى تلت الثورة، فالحال من سئ إلى أسوأ بلا إنجاز واحد، وانتهت فترة المائة يوم بفكرة وقرار ومشروع ومطالبة... قرار لإغلاق المحال فى العاشرة وقطع أرزاق العاملين بالفترة المسائية..ومشروع لرفع الدعم عن البنزين بلا أى تحسن ولا إقتراح لتوفير بديل آدمى للسيارة فى الشارع..وفكرة للإقتراض من صندوق النقد الدولى فى محاولة لتكسير الإقتصاد المصرى..ومشروع لإظلام الطرق الرئيسية التى أصبح السير بها عملية إنتحارية.. ومطالبة بالتقشف الإختيارى لأن الإجبارى سوف يبدأ بعد العيد..ومطالبة بإرتداء ملابس قطنية لتفادى تشغيل التكييفات..وعودة إلى فكرة الضريبة العقارية التى قامت عليها الدنيا من قبل، بل وفكرة لتحصيل ضرائب على التكييفات فى البيوت.. العجيب أن رئيس الحكومة تحت يده وزراء، والوزراء تحت أيديهم مُحافظين ومسئولين لا يتم مُحاسباتهم ولا يتم حتى سؤالهم عن أى إنجاز..فعلى من نُلقى اللوم؟. القمامة أصبحت واقع، والمرور أصبح كارثة، والظلام أصبح ظاهرة، والفساد أصبح وحشا كاسرا، والسياحة أصبحت ذكرى عفا عليها التراب..أين خطط تطوير التعليم ورصف الشوارع التى طاردتنا بها الوعود الإنتخابية؟.. لقد أطلق الرئيس تصريحا يؤكد فيه على أن مصر تحتاج عشر سنين على الأقل لتنهض! وأنا أوافقه الرأى فالطريق طويل ووعر، ولا يوجد من له رؤية محترمة للعبور الثالث الذى طالما حدثنا عنه الرئيس وأبناء حزبه.. توهمنا أن للنهضة طائر! واكتشفنا أنه مشروع معنوى بلا قادة لتحقيقه ولا حكومة لإدارته..ولكن تبقى حكومة قنديل هى المسئول الأول على تنفيذ الوعود..ولو كانت جماعة الأخوان هى الجماعة المخولة للهجوم على الحكومات السابقة وإقالتها، فمن هو إذن المسئول عن محاسبة قنديل وحكومته؟..