مشكلة رمى الجمار ووقت الزوال وتصدى العلماء لها بهدف التيسير ومنع حدوث الزحام
المشكلة الجديدة هى مسألة السعى بين الصفا والمروة والتوسعات الجديدة
الحج موسم دعوى رابح للدعاة والمصلحين، فالناس فيه مقبلون على الخير وقد تجردوا عن مشاغل الدنيا وملهياتها، ولمشاهد الموسم ومناسكه أثر عجيب على قلب كل حاج، وتمس حاجة الحجاج إلى فقه العلماء وإرشادات الدعاة .
ويقصد البيت ويحج إليه فئات كثيرة كان إحتكاك الدعاة بهم قليلا فى السابق من سياسيين وزعماء وأعيان, قد يكون للتأثير عليهم ما بعده، والدعاة أنفسهم يأتون من شتى المناطق بأعداد كبيرة تكفى للقيام بأعباء الدعوة فى الموسم، وتفويت هذه الفرصة الدعوية من قِبَل الدعاة تفريط لا مبرر له، وينبغى أن يندموا على ما فاتهم فى ذلك، وأن يعدوا عدتهم فى هذا العام .
وقد إختلف العلماء حول تفسير الجدال المنهى عنه فى الحج وكل المعانى تدور حول المشاحنة التى تولد البغضاء وتذهب روحانيات الحاج, ولايدخل فى الجدال المنهى عنه والمساومة فى البيع والشراء .
فيما يقول الأستاذ الدكتور "أحمد يوسف", أستاذ الشريعة, بكلية دار العلوم جامعة القاهرة, قال الله - تعالى: "الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ" .
الجدال: من المجادلة، وهي مشتقة من الجدْل وهو الفتل, ومنه قولهم: زمام مجدول؛ أى مفتول، وإختلف العلماء فى المعنى المراد به فى الآية إلى أقوال أهمها
: الأول: أن تمارى مسلمًا حتى تغضبه, فينتهى الأمر إلى الخصومة والسباب، وهو قول إبن مسعود، وابن عباس وعطاء, أما مذاكرة العلم والمناظرة فيه والمناقشة حوله فلا يدخل فى الجدال المنهى عنه .
والثانى: إن المراد به صريح السباب وهو قول قتادة, والثالث: أن يختلف الناس، أيهم صادف موقف سيدنا إبراهيم -عليه السلام, كما كانوا يفعلون فى الجاهلية، حين كانت "قريش" تقف فى غير موقف العربى، ثم يتجادلون فى ذلك, ومعنى الآية: لا جدال فى مواضع الحج .
أما الرابع: أن تقول طائفة: الحج اليوم، وتقول أخرى: بل الحج غدا, ويعنى يوم عرفة, والمعنى على هذا أن لا جدال فى وقوف الحاج يوم عرفة .
وبالنسبة للخامس: الجدال المنهى عنه هو الجدال فى الشهور بالتقديم والتأخير، كما كانت العرب تفعله وتسميه النسئ, وقال الله - تعالى: "إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللهُ " (التوبة: 37).
قال مجاهد: فهم ربما يجعلون الحج فى غير ذى الحجة، وقد يقف بعضهم في مزدلفة، وبعضهم فى عرفات, ومعنى الآية: النهى عن الجدال فى مكان الحج أو زمانه, ويشهد لهذا التأويل أن النبى "صلَّى الله عليه وسلم", قال فى حجة الوداع: "إن الزمان قد إستدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض", أى رجع أمر الحج كما كان, أى عاد إلى يومه ووقته الصحيح, وقال النبى "صلى الله عليه وسلم": "خذوا عنى مناسككم"، فبين بهذا مواقف الحج ومواضعه .
والسادس: أن الجدال المنهى عنه هو أن تقول طائفة: "حجُّنا أبرُّ من حجكم"، ويقول الآخر مثل ذلك، وهو قول "محمد بن كعب القرظى "رضى الله عنه" .
وهكذا، ليس من الجدال المنهى عنه المساومة فى البيع والشراء والكراء والإستئجار وغيرها من العقود التى تتطلب الأخذ والرد، ما لم تؤدِّ المساومة إلى غضب أحد طرفى العقد أو كليهما؛ وهو ما يؤدى إلى السباب ونحوه مما لا يليق بخلق المسلم فى كل زمان ومكان وبخاصة فى موسم الحج، وأثناء أداء مناسكه المقدسة .
مع بداية موسم الحج كل عام تُثَارُ عدة إشكاليات وتحدث خلافات وتُثارُ آراء متباينة تجعل الناس فى حيرة من أمرها تصل إلى حد شكِّهم فى صحة أدائهم للمناسك فى حين أن هذه الآراء منها ما هو ليس بجديد، وإنما يتم إبتعاثه من جديد لصالح المسلمين .
وإن هدفها التيسير على الناس بعد أن كثر عدد الحجاج وصارت المشاعر المقدسة لا تستوعب هذه الأعداد المتزايدة، وكان لابد من البحث عن حلول ومخارج فقهية لهذه المشكلة التى تزيد كل عام، ولكن خرجت علينا الآراء المناقضة لها والتى ترفض حدوث أى تغيير حتى ولو كان صحيحا ولا يؤثر في صحة أداء المناسك .
فمن قبل أثيرت مشكلة "رمى الجمار" ووقت الزوال وتصدى العلماء لها بهدف التيسير ومنع حدوث الزحام الذى تسبب فى عدة كوارث راح ضحيتها حجاجا أبرياء، ومع ذلك جاء من أفتى بالتمسك بوقت الرمى الحالى، وأثيرت المشكلة وتحير الناس، ومن قبل أثيرت مشكلة الميقات الزمنى للحج حيث خرج علينا من أفتى بجواز الحج فى وقت غير هذا، ولماذا التمسك بهذا الوقت بالذات .
أما هذا العام فالمشكلة الجديدة هى مسألة السعى بين الصفا والمروة والتوسعة الجديدة التى تتم حاليًا، وقد لاقى هذا الأمر جدلاً حاداً وصل إلى حد خروج أحد علماء الأزهر يطالب بعدم الحج هذا العام، فإلى متى يستمر هذا الخلاف وهذا الجدل ؟ , ولماذا لا تتم الدعوة إلى مؤتمر عام للحج تطرح فيه كل هذه القضايا الخلافية ؟