تنبؤ باحثون ألمان بالصورة التي ستكون عليها الشوارع خلال 40 عاماً حيث سيوصل الأب في الصباح عائلته إلى وسط المدينة وهو يقود صاروخاً سريعاً أخضر اللون يشق عنان السماء بين السحب، من المسلم به أن منتجي أفلام الخيال العالمي الأمريكية من ستينات القرن الماضي، سمحوا لخيالهم بالتحليق بعيداً، فهذه الرؤية المستقبلية ترسم صورة لعام 2062. اليوم وبالرغم من أن السيارات ذات المحركات التقليدية لا تزال تهيمن على المشهد في الشوارع، لكن هناك منافسة من السيارات الحديثة التي تتزود بالوقود من خلايا الوقود وبطاريات الليثيوم أو تلك التي تعمل بمحركات هجينة، وهذه تلفت الأنظار في السوق.
وتطالب المفوضية الأوروبية بخفض عدد السيارات التي تعمل بالطاقة التقليدية إلى النصف بحلول عام 2030، وباختفاء هذا النوع من السيارات بشكل نهائي من المدن بحلول عام 2050، لكن أي نوع من التكنولوجيا سيهيمن في المستقبل على الشوارع؟ وما هو نوع البنية التحتية التي ستتطلبها تلك التكنولوجيا؟ هل ستكون هناك حاجة لمحطات الشحن، أو هل ستبقى الحاجة قائمة لمحطات الوقود العادية؟
حيث عمد الباحثون في مجال النقل الجوي في المركز الألماني للفضاء (DLR) في شتوتغارت، إلى تصميم نموذج بمساعدة الحاسوب، ويتم عبره تقييم السلوك الشرائي الحالي للمستخدمين، والمفاهيم المختلفة التي تحرك الناس وأيضا الحوافز السياسية المحتملة لرسم صورة مقربة للشوارع في المستقبل، وكما يقول "شتيفان شميدت" رئيس قسم المشاريع في مركو DLR، فإن نقاط القوة في هذا النموذج، هي أنه يصور التقنيات بالتفصيل وهذا يتيح بدوره تقدير التكاليف المرتبطة بها، وهذا مهم أيضاً بالنسبة للمستخدم.
يتميز هذا النموذج بالمرونة، إذ "يمكن على سبيل المثال اختبار ما سيحدث عند دعم تكنولوجيا معينة"، بحسب شميدت الباحث في مجال النقل، هو وزملاؤه وضعوا على سبيل المثال سيناريو لدعم البطاريات وخلايا الوقود التي تشغل محرك السيارة لوقت قصير فقط، ويتم الدعم المالي في البداية لمدة خمس سنوات، عندها ستتغير الصورة في الشوارع لوقت قصير فقط، في الفترة التي يقدم فيها دعم التكنولوجيات البديلة، لكن التغيير يختفي لأن تلك التكنولوجيات مكلفة للغاية في غياب الدعم. وحتى عام 2030 سيكون ثلاثة مجموع السيارات التي يتم شراؤها حديثا من السيارات الهجينة، أي السيارات التي تملك بالإضافة إلى محرك الاحتراق الداخلي التقليدي بطاريات إضافية، الأمر الذي يدعم المحرك ويخفض في الوقت ذاته من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
وفي نموذج المحاكاة الثاني، يضع الخبراء سيناريو يتضمن تخفيضا كبيرا في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون تصل نسبته إلى 54% بدلاً من 29% التي حددها الاتحاد الأوروبي. وبالإضافة إلى ذلك فإن الباحثين افترضوا في السيناريو الثاني تمويلاً أعلى وطويل الأجل للسيارات التي تعمل بخلايا الوقود، الأمر الذي سيكون له أثر كبير، حيث سيتوقف المستخدمون في عام 2030، عن شراء السيارات ذات المحركات الهجين، وسيتحول إقبالهم إلى تلك التي تعمل بخلايا الوقود، وأيضا إلى السيارات الكهربائية.
لكن هل سيتضمن التحول المستقبلي بالفعل التخفيض من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون؟ هذا الأمر يعتمد على وجود الإرادة السياسية لإصدار قرارات من شأنها تعزيز سبل النقل الكهربائية، وإصدار قرارات موازية تتضمن فرض عقوبات على كل الانتهاكات التي تتم للقوانين والإجراءات التي تم وضعها بهدف الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وهناك أيضا عاملان آخران على جانب بالغ الأهمية، أولها هو ما إذا كانت الإجراءات التي يتم تنفيذها تراعي جانب الاستدامة، والآخر هو الاتجاه الذي سيتطور فيه التقدم التقني.
نماذج المحاكاة التي ابتكرها الباحثون في مركز DLR، لا تصلح للتطبيق على سوق السيارات الألماني فحسب، وإنما هي صالحة للتطبيق أيضا في سياق عالمي، كما يوضح شميدت: "التطبيق على المستوى المحلي يتوقف على درجة تشبع سوق السيارات، ففي الصين على سبيل المثال، لا تزال السوق في حالة تطور، لذلك لا يمكن التنبؤ بعدد السيارات خلال 10 أو 20 عاماً، وبالإضافة إلى ذلك، فإن النمو هناك يمكن أن يتم كبحه عبر عوامل عديدة، من ضمنها العامل السياسي".