أسوأ قصة خيانة كتبها التاريخ، هى قصة مقتل يوليوس قيصر على يد مجموعة من أعوانه وأصدقائه...قدم قيصر لأصدقائه الكثير وعلى رأسهم بروتس الذى منحه قيصر العديد من المناصب والألقاب..ولكن حين تآمر أصدقائه ضده وقرروا التخلص منه، إستدرجوه إلى قاعة مجلس الشيوخ وقاموا بطعنه بخناجرهم فى بطنه وصدره..تتالت الطعنات على أحشاء يوليوس قيصر، حتى طعنه بروتس بخنجره وسط ذهول قيصر، فقال جملته الشهيرة التى باتت رمزا لقسوة الخيانة حين تأتى من شخص تأتمنه وتثق فيه "حتى أنت يا بروتس"!.. بل ورد عليه بروتس مُبررا موقفه الحقير:" إنى أحُبك ولكنى أحب روما أكثر منك ". إن الشعب المصرى شعب عانى على مدى ثلاثون عاما وربما أكثر من قهر حاكم إحترف التعامل مع الوطن على أنه محظيته ومع الشعب المصرى على أنهم رعيته، فبات الجهل والفقر والمرض هو كل ما يمتلك الفقراء وأصبح الأمل هو كل ما ينقبون عنه وسط أنقاض دولة الظُلم.. ثم جاءت جماعة الأخوان المسلمون لتبعث إليهم بطوق نجاة، بعد فترة بيات شتوى وعمل فى الظلام الدامس أستحقوا عليه لقب الجماعة المحظورة عن جدارة...حانت اللحظة، فخرجت المحظورة من مخبئها لتسترد ثمن ما قدمت من خدمات، وكان الثمن هو أصوات كل من لمس عن قرب مُعجزات الأخوان، وأصوات كل المثقفين الذين توسموا واهمين أن الجماعة قادرة على إحداث تغيير، ومنح الوطن ما فشل النظام السابق فى عمله... لقد قفزت أطماعهم من مجرد البرلمان إلى كرسي الرئاسة...وعلى الرغم من كل التجاوزات والوعود وصكوك الغفران التى وعدوا بها هذه الطبقة المُعدمة، فلازالت آمال الفقراء والغلابة مُتعلقة بالجماعة التى قدمت لهم يوما أنابيب البوتجاز والزيت و السكر...ولازال البسطاء يرون الرئيس مرسى على أنه المهدى المُنتظر وينتظرون كراماته... ولكن ماذا يريد الأخوان؟ هل حقا يريدون دولة حديثة ترتدى ثوب المدنية؟ أم أنهم يريدون القصاص، القصاص من رجال الصحافة وأمن الدولة والإعلام وكل من قال لهم "لا".. وتبقى تصريحاتهم ممزوجة برائحة الكذب والمراوغة، فجماعة الأمر بالمعروف ليست إلا عملا فرديا يشجبونه، وتشويه صورة الإعلاميين لا دخل لهم بها، وقمع الصحافة لا علاقة له بمجلس الشورى الذى يرأسه صهر الرئيس!.. إن الأصابع الخفية عادت من جديد لتعبث بالوطن، ولكن هذه المرة تعبث بهويته ومصيره، وكأنه إعادة إستنساخ لنظام بائد قرر أن يُطيل لحيته. لماذا أشعر بأن الأخوان جماعة بلا ذاكرة، ليتهم يعودون إلى كتب التاريخ فتروى لهم حكاياهم مع الرئيس السادات وجمال عبد الناصر، إنها نفس الغلطة تتكرر من جديد، والفرق اليوم إعتقادهم أنهم فى موضع سُلطة، وليتهم لا ينسون أن إنقلاب الشعب عليهم لن ينتهى بعودتهم للسجون كما حدث من قبل ولكنه سينتهى بالفتك بهم للأبد.. إن الشعب المصرى شعبا طيب القلب، ولكن خداعه اليوم سوف يوقظ البركان الخامد ولسوف تنفجر حممه فى وجوههم.. فلتكن مصر هى محرابنا الوحيد ولتكن صلواتنا فى رحابها فقط وليكن حبها هو قِبلتنا الوحيدة ولتكن نهضتها هى ملابس إحرامنا. أرى أن ما قام به الرئيس حتى الآن ليس سوى إنفصالا وثيقا عن عُرى الثورة ومطالبها..لن يكون هناك حساب قبل المائة يوم، ولكن أعتقد إن ظهور جماعة الأخوان بقوة على الساحة من خلال مساعدى الرئيس ومستشاريه، وترأس حسن مالك لوفد رجال الأعمال المتجه إلى الصين ليس سوى نوعا من الإصرار على نزول الأخوان إلى الملعب السياسي كفرقة أساسية ثم يأتى باقى الشعب كإحتياطى للمباراة. لازالت الوقفات الإحتجاجية تتوالى..ولكن هذه المرة هى ضد جماعة الأخوان، مُطالبين بحلها والكشف عن مصادر تمويلها..أعتقد إن فرصة الأخوان هذه المرة كانت ذهبية وكعادتهم أضاعوها..لقد وثق بهم الناس، وانتخبوهم بكل حُب وثقة بأن التغيير قادم على أيديهم، ولكن ما أتى لم يكن تغيير بل كان تهجين أخوانى والفرق شتان!. فلو أعاد التاريخ مواقفه، لتأكدنا أن جماعة الأخوان لن تُغير من سلوكها، وسيبقى حبها للسُلطة أكثر من إخلاصها لمن أوصلوهم إليها، أنذاك سوف يكرر التاريخ كلمة بروتس لكل المخدوعين، ولسوف يكرر الشعب بكل أسى كلمة قيصر: " حتى أنت يا بروتس !". [email protected]