سمعنا عن السياسات الرأسمالية وعن مثيلتها الاشتراكية، وسمعنا عن سياسة المواجهة وسياسة عدم الانحياز، وسمعنا عن سياسة حرق المراحل وسياسة الخطوة خطوة، ولكن الإخوان المسلمين استطاعوا بعبقريتهم العابرة للعصور والقارات والكواكب أن يبتكروا علما جديدا هو سياسة الغدر. الإخوانى لا يعرف المواجهة، إلا لو كان يشكل أكثرية عددية مع إخوانه ضد خصوم أضعف وأقل منهم عددا. والإخوانى لا يعرف الالتزام بالوعد أو العهد أو أى كلمة يقولها، لأن مبادئهم التى شربوها منذ تأسيس الجماعة تقوم على الخداع والتمويه والغدر.
الإخوانى من هؤلاء يعتبر أن هذه الخيانات ذكاء ودهاء وسعة حيلة، ويشعر بالزهو لأنه ينتمى لجماعة تستطيع خداع "الحمقى" من باقى القوى العلمانية والليبرالية وغير الإخوانية.
يبدو أن هذه القطعان من أنصار الإخوان لم يتربوا يوما على أن الوسيلة هى الهدف، وأن الثورات تحقق أهدافها بالمواجهة أما العصابات فهى التى تحقق أهدافها بالخيانات والخديعة والغدر!
لا يمكن حصر أنواع وأعداد خيانات العهود والجموع التى ارتكبها الإخوان منذ قيام الثورة، ولا مجال هنا لسرد القائمة، فالكل يعرفها والإخوان أنفسهم لا ينكرونها، وأحيانا يتفاخرون بها فى مجالسهم الخاصة.
لا مجال هنا لسرد القائمة أو بعضها، ولكن لنكتفى ببعض عهود رئيسهم وعهودهم منذ ترشحه للرئاسة فى المرحلة الثانية.مرسى «بعضمة لسانه» تعهد بنائبين قبطى وامرأة ورئيس للحكومة من الرموز الوطنية، ثم خان كل تعهداته بينما ملأت لجان الإخوان الإليكترونية الفضاء بإشاعات على مدار أسابيع لنصل فى النهاية إلى هذه الحكومة الإخوانية الهزيلة.
نعلم أن السياسة مهنة قذرة وأن السياسيين بطبيعتهم كذابون، ولكن الإخوان يصلون بهذه المقولة إلى حدها الأقصى، وأكثر ما يثير دهشة المرء من هذه الكائنات الإخوانية العجيبة، هو تصريح متحدث باسمهم بأن الوعود التى قطعها رئيسهم على نفسه خلال الحملة الانتخابية كانت تحت ضغط وبالتالى لا مجال لها من الإعراب. هذه ليست عقلية سياسى، مهما كان ندلا، ولكنها عقلية مجرم يضبط متلبسا فيعترف بالجريمة، ثم يذهب للمحكمة ليزعم أنه اعترف تحت التعذيب!
مرسى بعضمة لسانه تعهد بعدم قصف قلم أو مصادرة رأى أو حبس معارض فى عهده ولم تمر أسابيع قليلة إلا وشن حملته على الإعلام ومازلنا نتوقع الأسوأ من جماعة تمتهن الغدر والطاعة العمياء وتكره التفكير أو حرية الرأى.. وميليشيات قطيع الخراف التى تم توجيهها لمدينة الإنتاج الإعلامى للهجوم على الإعلاميين وقطيع المحامين الذين يتم سوقهم إلى ساحات القضاء لإخراس صوت كل من يختلف معهم هى مجرد بداية لنازية سوداء إن لم نتصد لهم مبكرا.
ومرسى بعضمة لسانه أقسم على احترام الدستور، بما يعنيه من إعلانات دستورية مكملة، وبعضمة لسانه أقسم على احترام القانون والقضاء وأحكامه، ولكنه بدأ فترته الرئاسية بالغدر بالقانون وثناها بالغدر بالدستور وثلثها بالغدر بقادة المجلس العسكرى الذين أتوا به إلى السلطة.
لست أدافع عن المجلس العسكرى، ولطالما لعنته وطالبت بمحاكمة أعضائه على الجرائم السياسية والجنائية التى ارتكبوها فى حق الوطن، وعلى رأسها التواطؤ مع الإخوان المسلمين والسلفيين للالتفاف على الثورة والقضاء عليها، وتقاسمهما للسلطة. ولكن ها هو جزء من المتآمرين على الجانبين يتآمر مجددا للإطاحة بجزء من العسكرى مقابل الإطاحة بجزء من السلفيين، ولا زلنا فى انتظار المزيد من الخيانات والطعنات المتبادلة.
لن يفهم أنصار الإخوان أن تطهير مؤسسات الدولة من الإعلام إلى القضاء والشرطة وصولا إلى الجيش هو هدف أساسى للثورة، ولكن هذا الهدف لا يتحقق بالصفقات القذرة ولا أساليب الغدر الملتوية، ولكن بشرف المواجهة!
«علم اللوع، كما يقول العم صلاح جاهين، أضخم كتاب فى الأرض، بس اللى يغلط فيه يجيبه الأرض»!
بيت من الشعر لا أعتقد أن الإخوان يمكن أن يفهموه اليوم، وهم يعيشون زهوة الغدر، ولكن فى يوم ما سيدركون معناه جيدا.