تسألُ طفلَك: «نِفسك لما تكبر تبقى أيه؟» فتغمركَ إجاباتٌ: «نفسى أبقى طيار، مهندس، دكتور». وتقولُ طفلتُك: «نفسى لما أكبر أبقى مُدرِّسة، مضيفة، رائدة فضاء، راقصة باليه». سؤالٌ عابرٌ للأزمان، وعابرٌ أيضاً للجغرافيا والمكان. فى كل أنحاء العالم يترددُ هذا السؤال، كذلك على شريط الزمن. لا أظنُّ أن عصراً، مضى أو آتٍ، نسى فيه أهلُه مثل هذا السؤال، منذ نشأة وعى الإنسان، وحتى يستردَّ اللهُ الأرضَ بمَن عليها. سُئلتُ هذا السؤالَ وأنا طفلة، وأجبتُ بأننى أودُّ أن أكونَ عصفوراً، حتى أرى الكونَ من عَلٍ، ولكى ألمسَ السماءَ بجناحىَّ. وحين أحزنُ؛ أصعدُ قليلاً حتى تمسَّ يدى يدَ الله، ليربتَ على ظهرى بحُنوٍّ، فأستردَّ فرحى. وقتها، كانت أوهامٌ جميلةٌ، وبريئة، تسكن رأسى الصغير. من قبيل أنَّ من حقِّنا أن نختارَ الفصيلَ الذى ننتمى إليه. نولد بشراً، لكن بوسعنا أن نتجول بين الفصائل فنصبح عصافيرَ وفراشاتٍ، وثعالبَ، وأُسوداً. وأنَّ اللهَ، ذلك الجميلَ المُطلقَ الجمال، يسكنُ السماءَ الزرقاء تلك التى نراها، لا يفصلنا عنه سوى بضعة كيلومترات لأعلى، سوف أقطعُها بجناحىَّ الصغيرين، وقتما أشاء، وكلَّما ضربنى الحَزَن. كبرتُ. ولم أغدُ عصفوراً! ولم ألمسَ يدَ الله، وإن مسَّتْ يداه قلبى. لكننى «كبرتُ» على كل حال. وسألتُ أطفالى السؤالَ الشهيرَ ذاته. وسألتُ كلَّ طفلٍ التقيتُه. وحصدتُ ذات الإجابات: «مهندس، عالِم، أديب، بيانيست.. إلخ».
لكننى أبداً لم ألتق بالطفلة الساحرة «صُهيبة»، وإلا ما قويتُ على سماع إجابَتِها المُرَّة: «أنا نفسى أعيش!». لا أظنُّ أن أحداً سمع إجابتها على شاشات التليفزيون واستطاع أن يُكمِلَ يومَه فى سلام. وخزٌ عميقٌ يخزُ القلبَ كلما تذكرنا أن طفلةً، وأطفالاً، لا يفكرون فيما يريدون أن يكونوا حينما يكبرون. لأن كلَّ أحلامهم تتلخَّصُ فى مجرد: «أن يكبروا». أن يعيشوا. لأن ثقباً لعيناً سكن القلبَ الصغير، أو شرياناً وغداً يأبى أن يضخَّ الدم. لكنَّ اللهَ الطيب كما يسمحُ للمحنة أن توجد، يسمح للرحمة أن تكون. الرحمةُ فى هذا العصر تتجسدُ فى طبيب زاهد عظيم اسمه: «مجدى يعقوب»، يصل الليلَ بالنهار لكى ينال أطفالُنا «حقَّ الحياة»، ومن ثم «يكبرون»، فيصيرُ لسؤالنا الشهير محلٌّ من الإعراب.
حين تُشفى «صُهيبة»، وأقرانُها، سيكون بوسعنا أن نسألها: «لما تكبرى نِفسك تكونى أيه؟»، وسوف تجيبُ إجابة جميلة فتقول: «سأصبحُ باليرينا أملأ الدنيا عذوبةً كما الفراشات»، أو «سأغدو طبيبةً أمسُّ قلوبَ الأطفال بعِلمى فيُنقذون من الموت، كما أنقذنى سير يعقوب، نبىُّ الطبِّ، وملك القلوب». لا ينتظر منَّا هذا النبيلُ شكراً ولا امتناناً. لا ينتظرُ سوى أن نؤمن برسالته النبيلة لنغدو مثله صانعى جمال. مساندةُ هذه الصرح الطيب: «مؤسسة مجدى يعقوب للقلب بأسوان»، هى لونٌ من الصلاة ليد الله الرحيمة التى تربتُ على رؤوس أطفالنا المُتعَبين. تبرعوا لحساب ذلك المركز المحترم، وباركوا جهدَ هذا العالِم النبيل.