باتت الأجواء الصعبة التى يعانى منها الاقتصاد المصرى وسبل التنمية فى سيناء التى تتقطع أرحامها بين الحين والأخر فى ظل فشل الانظمة المصرية فى الإستفادة من البعد الاقتصادى لمعبر رفح بوابة مصر الشرقية .. وشكل اتفاق المصالحة الموقع في الرابع من ابريل قبل الماضي والتسهيلات التي اتخذتها مصر بفتح معبر رفح في الاتجاهين بشكل دائم اعتبارا من الثامن والعشرين من الشهر نفسه دافعا أمام رجال الاستثمار لإطلاق مبادرات للبدء بمشاريع استثمارية في غزة واتخاذ خطوات عملية تمهيدا للمشاركة في مرحلة إعادة الإعمار. واعتبر الخبراء أن المرحلة الراهنة في ظل التسهيلات التي تقدمها الحكومة المصرية تقتضي التركيز على العمق الاقتصادى لسيناء والعمل على تفعيل العلاقات والاتفاقيات الاقتصادية الموقعة مع فلسطين بما يكفل توجه المستورد والمصدر المحلي إلى السوق المصرية.
يخلق سوق حرة
يوضح يوسف سرى الخبير الإقتصادى أن الإدارة الاقتصادية والسياسية لفتح معبر رفح بطريقة مقننة تجسد فكرة التبادل التجارى بين مصر وقطاع غزة وتعمل على خلق سوق حرة فى سناء وذلك نظرا للحصار التى تفرضة اسرائيل على القطاع مما يدفعهم الى التبادل التجارى مع مصر ونقل ما يحتاجونه من بضائع الى القطاع وهو مادلل عليه بغلاء أسعار السلع حال فتح المعبر. واشارسرى ان قرار فتح المعبر يأتي في ظل الحركة النشطة للمسافرين والمعاناة المستمرة فى السابق نتيجة تحديد عدد أيام العمل بالمعبر. كما دعا ل"ضرورة تفعيل المعبر التجاري المصري الفلسطينى " ، موضحاً أن حجم التبادل التجاري المفروض على قطاع غزة مع الجانب الإسرائيلي يتجاوز 2ملياراً وسبعمائة مليون دولار سنوياً والأفضل أن يكون هذا التبادل مع دول عربية وإسلامية بدلاً من الاحتلال . موضحا ان هذا العائد ياتى نتيجة مشتريات اهل القطاع نظرا لما تفرضه السياسة الاسرائيلية على البضائع فى غزة واحتكار منافذ البيع والذى يدر عائدا كبيرا على اسرائيل. وقال ان فكرة التبادل التجارى تتيح حوالى 100ألف فرصة عمل فى سيناء ممثلة فى البيع والشراء ونقل البضائع الى قطاع غزة عبر معبر رفح ، مما يحقق الافادة للطرفين خاصة وإن القطاع يعد من أشد المناطق استهلاكا واحتياجا للسلع فى إطار الحصار الإسرائيلى لغزة. واقترح سرى تدشين منطقة حرة بجوار معبر رفح تضم المخازن والاسواق التجارية تعتمد على التصدير بعكس المنطقة الحرة ببورسعيد التى تعتمد على الاستيراد فقط ، ومن جهة اخرى اتاحة مساكن للشباب فى هذه المناطق ، مضيفا ان النشاط التجارى فى رفح سيمثل نواة لبذرة التنمية العمرانية وخلق نشاط سكنى فى سيناء من خلال التجمعات الأسرية للعاملين بالمنطقة التجارية .
أؤيد فتح المعبر
قال جمال زهران أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية بجامعة بورسعيد أن هذه الفكرة تلوح بهدفان أساسيان يمكن تحقيقهما بفتح معبر رفح أمام الفلسطينين ، أولهما هدف استراتيجى يتمثل فى رفع الحصار عن قطاع غزة وتلتزم به مصر سياسيا وتاريخيا وأخلاقيا ودينيا ، والثانى هو العائد الاقتصادى الذى يقدر ب 5 مليارت دولار فى السنة تقريبا للسلع والمنتجات الاستهلاكية فقط بخلاف الصناعات الثقيلة المشتركة عبر الحدود. وقال انه لم يكن لدى النظام السابق وعى بهذه القيمة ذات المردود الكبير على الاقتصاد فعندما فتحت الحدود بين مصر وقطاع غزة فى عام 2008 رصدت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية حينها ضخ نحو 400 مليون دولار فى الأراضى المصرية من قطاع غزة فى ثلاثة أيام فقط . وأضاف زهران أنه يمكن تحسين الصناعات المصرية والاعتماد عليها بشكل اساسى وتوفير المواد الاساسية التى يحتاجها القطاع بدلا من السيطرة الاسرائيلية على منافذ البيع فى قطاع غزة مما يؤدى الى عائد اقتصادى كبير على مصر بدلا من ان تنتفع به الاسواق الاسرائيلية.
اقتصاديات الحدود
ويضيف د.جهاد عودة - أستاذ الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة حلوان أن هناك ما يسمى باقتصاديات الحدود والذى يتحقق بتنمية الاقتصاد بين مصر وقطاع غزة ليخلق الاستثمارات الصغيرة والتى تقدر ب 5 ملايين جنيه تقريبا ، والإستثمارات المتوسطة وتقدر ب 15 إلى 20 مليون جنيه تقريبا فى أكثر من منطقة على الحدود بين مصر وقطاع غزة. واكد عودة بأنه مع توافر الأمن والسلام يمكن أيضا ترشيد السياحة فى سيناء وتنمية الحدود المصرية وخاصة فى الفترة الحالية لتوافد الحجاج والمعتمرين الفلسطينيين على معبر رفح للعبور الى مصر وتوجههم بعد ذلك إلى الاراضى السعودية لأداء مناسك الحج والعمرة .
تفعيل الإحتياطات الأمنية
عميدة كلية الإقتصاد والعلوم السياسية سابقا د . عالية المهدى ترى أن فتح المعبر لتسهيل عملية التبادل التجارى ونقل البضائع يتطلب معه أن تؤخذ الإحتياطات الأمنية فى الإعتبار وفق آليات قانونية لا تعطل الاقتصاد ، مع مراعاة التشديد الأمنى على الحدود المصرية بما يضمن مصالحنا القومية والحفاظ على طبيعة الإتفاقيات التى أبرمتها مصر مع دول الجوار لحرية دخول الافراد. وأشارت المهدى الى الإستفادة التى يمكن تحققها للمشتغلين بالتجارة والسياحة والعاملين بالمقاولات من وراء معبر رفح وذلك للحرفية التجارية التى يتمتع بها أهل العريش وطابا فى تبادل السلع وتنشيط السوق التجارية ، مما دعى رموز النظام السابق والمهيمنين على ثروات البلاد للشراكة التجارية معهم ، وهم فى الحرفية التجارية نفسها لا يقلون عن غيرهم من الفلسطينيين و الشوام والاسرائيليين الذين يتعاملون معهم فى حالة فتح المعبر.
4 مليارات عائدها العقارى
وفى مجال التعمير والبناء التى يسعى اليها القطاع بعد الحرب الاخيرة على غزة قال أحمد الزينى . رئيس غرفة مواد البناء بالاتحاد العام للغرف التجارية بالقاهرة أن القطاع يعد من أشد المناطق استهلاكا واحتياجا للسلع فى إطار الحصار الإسرائيلى ، موضحا ان حجم الصادرات من مواد البناء والتعمير الى قطاع غزة عبر معبر رفح بصورة رسمية لا يقل عن 4 مليارات دولار بشكل سنوى. وأكد على خلق حالة من الإنتعاش والرواج التى تشهدها رفح مع أوقات فتح المعبر بين الحين والأخر جراء حركة النقل وزيادة التصدير للقطاع عبر سيناء . وحول نقل البضائع بين مصر وفلسطين اكد الزينى أنه فى حالة فتح المعبر بقصد مرور السلع ومواد البناء والتعمير دون الإقتصار على عبور الأفراد فقط فان هذا يدر دخلا للحكومة المصرية من خلال دفع رسوم حركة النقل التى تفتقدها الحكومة بسبب النقل عبر الانفاق نظرا للحصار المفروض علي غزة من الجانب الإسرائيلى منذ عام 2006 . وأضاف الزينى أنه يتعين على الحكومة تقديم الدعم للتنمية العمرانية فى سيناء بتخفيض أسعار الأراضى و توفير المرافق والكهرباء والمياة وبناء المدارس والمستشفيات لدعم الاسواق التجارية ونقل البضائع وأدوات البناء ، خاصة بعد تباطؤ حكومة مبارك فى تطوير سيناء وتعميرها. وطالب الزينى بأن تكون الخطوة التالية لفتح معبر رفح التجاري أمام حركة الواردات والصادرات هى تفعيل اتفاقية التجارة الموقعة بين السلطة الفلسطينية ومصر منذ عام 1998 والملاحق المصاحبة لهذه الاتفاقية التي تهدف إلى تطوير وتعزيز التبادل التجاري بين البلدين.
لن يضيف جديداً
على الجانب الأخر استطرد د.مختار الشريف الخبير الاقتصادى قائلا" معبر رفح يفتح تحت مظلة سياسية أكثر منها اقتصادية " ، مرجعا السبب فى ذلك الى إثبات مصر لحسن النوايا بفتحها لمعبر رفح ومساعدة إخوانها العرب . وأضاف الشريف أن الجانب الاستثمارى من وراء فتح المعبر غير محقق فى الوقت الحالى لاقتصار فتحه على مرور الطلاب من قطاع غزة والمنتجات الغذائية والسلع الاستهلاكية ، هذا إلى جانب قلة الاستثمارات الثقيلة التى تضخ فى الاراضى المصرية فى الوقت الحالى والتى تقلل من أهداف التنمية العمرانية فى سيناء نظرا للحصار الاسرائيلى على قطاع غزة. معتبراً أن العلاقة الأمنية على الحدود المصرية وقطاع غزة المحاصر هى ما تعرقل العملية التنموية فى سيناء أمام أهل القطاع ، متنبئاً بمسقبل استثمارى وعمرانى فى سيناء فى حالة فتح المعبر لحركة النقل الثقيلة ودخول الشاحنات من والى القطاع وبناء المصانع والمرافق بما يضمن تنمية عمرانية حقيقية وضخ للإستثمارات الثقيلة بين البلدين على غرار التبادل الاستثمارى بين الدول وبعضهاعن طريق الحدود الفاصلة بينهم .