في ظل انشغال الإعلام بالماراثون الرئاسي و متابعة الحملات الانتخابية والدعائية لكلا المرشحين لم تحظي النجاحات التي أحرزتها مصر في الملف الأفريقي بالتغطية الإعلامية التي تتناسب وأهمية الحدث الذي بذل فيه رجال المخابرات جهودا عظيمة لكي يمهدوا الطريق أمام القيادة التنفيذية _ممثلة في رئيس مجلس الوزراء_ للتحرك اتجاه استعادة مصر لدورها ومكانتها الإفريقية تلك المكانة التي فقدنها جزئيا لسببين هما: 1: تعامل الأنظمة المصرية السابقة مع الدول الإفريقية بتعالي وغرور منذ منتصف السبعينات. 2:التحالف "الصهيو- أمريكي" الذي كان ولا زال يعمل بشكل دائم علي إزاحة مصر من المشهد الإفريقي لصالح جنوب إفريقيا. أفريقيا و ما أدراك ما أفريقيا _ وأهميتها لمصر كعمق استراتيجي_ كان أخر عهدنا بها و أخر عهدها بنا زمن جمال عبد الناصر الذي كان ومازال بالنسبة لشعوب القارة الزعيم الملهم لدوره العظيم في مسانده حركات التحرر ودعم إفريقيا ماديا ومعنويا وإرساله بعثات من الأطباء والمعلمين و الأزهرين لتعليم أبناء القارة السمراء ومن الحكايات التي تظهر مدي اعتزاز الأفارقة ب "عبدالناصر" يحكي الأستاذ سليمان الحكيم أن الأديب الكبير"بهاء طاهر"كان في زيارة لدولة كينيا فوجد صورة عبدالناصر معلقة داخل أحد الدكاكين هناك فسأل صاحب الدكان عن صاحب الصورة ولماذا لم يعلق صورة رئيس دولته بدلا من هذا الرجل .. فرد صاحب الدكان إنه (أبو إفريقيا) فعاد بهاء طاهر ليسأله ولكن من هو أبو إفريقيا فقال له الرجل وهل هناك غيره إنه جمال عبد الناصر. و مع رحيل "عبد الناصر" فقدت مصر بوصلتها الأفريقية وشهدت العلاقات نوع من الفتور وصل إلي أقصي درجاته عقب محاولة الاغتيال الفاشلة للرئيس "مبارك" في أديس أبابا ومن وقتها أصبح كل ما يربط مصر بإفريقيا علاقات بروتوكولية واجتماعات شكلية لا تسفر إلا عن التقاط الصور و الإدلاء بتصريحات دبلوماسية حتى الاتفاقيات القليلة التي تم توقيعها دخلت ثلاجة الحكومة ولم ينفذ منها إلا الشيء اليسير ثم جاءت ثورة 30 يونيو فإتخذتها جنوب إفريقيا و نيجيريا ذريعة لإبعاد مصر من الإتحاد الأفريقي بناء علي توصيات غربية. لكن يبدو أن دولة 3\7 قد استوعبت الدرس بعد مشكلة "سد النهضة" وأدركت أن لا مناص من عودة مصر إلي البيت الإفريقي لأن أمننا المائي مرهون بقوة هذه العلاقة و تواجد مصر أيضا في قلب إفريقيا ضرورة حتمية لضرب التحالف الإسرائيلي التركي الذي يسعي للإضرار بنا عبر منابع النيل لذلك كثف جهاز المخابرات طوال الشهور الماضية جهوده لمد جسور الثقة والتعاون مع الدول الأفريقية وفتح صفحة جديدة من العلاقات البناءة التي تقوم علي المصالح المتبادلة وقد أثمر هذا الجهد عن تفهم زعماء إفريقيا لحقيقة الأوضاع في مصر وتعهدهم بدعم مصر لاستكمال خارطة الطريق و مكافحة الإرهاب وتأكيد رؤساء كل من غينيا الاستوائية وتشاد و الجابون و تنزانيا وموزمبيق أنهم ملتزمون رسميا بالعمل علي إعادة تفعيل عضوية مصر المعلقة داخل الإتحاد. نأمل أن تستثمر الحكومة نجاح مصرفي الدخول إلي منطقة العلاقات الدافئة مع إفريقيا لتوقيع اتفاقيات تعاون تنفذ بالفعل علي أرض الواقع و السعي لإقامة مشروعات خاصة في مجال الطاقة و الزراعة والثروة الحيوانية وبحث آليات جديدة لفتح أسواق اقتصادية مشتركة وزيادة أعداد الطلاب الأفارقة المبتعثين إلي مصر سواء في الأزهر أو الجامعات و الكليات العسكرية والشرطية وتقديم كافة التسهيلات لهم ورعايتهم و معاملتهم بشكل لائق لكي نخلق جيل من الأفارقة يكونوا سفراء لمصرفي بلادهم.