الخبر لم يكن جديدا، لكنه كان صادما .. مدرب كاراتيه بأحد أندية الاقاليم يمارس الجنس مع عدد من السيدات المتدربات في صالة التدريب داخل النادي، ويقوم بتصويرهن أثناء الممارسة من خلال كاميرا اللاب توب الخاص به، ويحتفظ بهذه الأفلام على جهازه لحين يشاهدها شخص آخر مصادفة أو خلسة، فيحتفظ بنسخة لنفسه، ويرواده شيطانه، فينشر هذه الفضائح على أجهزة موبايل أصدقائه، ومن صديق لآخر، حتى تصل الأفلام إلى ضابط المباحث الذي يلقي القبض على المدرب، وتبدأ الصحافة "تشوف شغلها" . ف علها من قبل مدرس مع عدد من طالباته، وطبيب مع عدد من مريضاته، وربما يفعلها غدا أخرون من أصحاب الأخلاق العفنة الذين يجدون ضالتهم في نساء مات الحياء والشرف والضمير والدين من قلوبهن، فصرن سبايا شهواتهن الدنسة. بدأ الخبر المنشور على مواقع الانترنت الصحفية بالحديث عن مدرب كاراتيه يمارس الجنس مع 20 سيدة من المتدربات معه في النادي، ومع انتشار الخبر، بدأت بعض الصحف تتحدث عن 10 سيدات فقط، وصحف اخرى ترفع العدد إلى 30 سيدة، معظمهن من زوجات الشخصيات العامة من أعضاء النادي ومن ذوي المناصب الحساسة .. وهنا بدأت الاثارة .. وبدأ الغمز واللمز بين القراء " لموا حريمكم بقا " " شفت يا عمنا أدي أخر اللي يسمح لمراته تروح النوادي.. لا وكمان تدرب مع راجل على الكاراتيه .. بالذمة ده كلام " .. هكذا جاءت بعض التعليقات على هذه الاخبار المتضاربة .. بدأت بعض التسريبات من النيابة العامة تأخذ طريقها كالعادة إلى الصحف والمواقع الإخبارية ، فتحدث بعضها عن سيدة واحدة فقط ، ومتزوجة عرفيا من المدرب .. هنا بدأ الغمز واللمز يأخذ طريقا مختلفا .. " اه .. دول هيطمرخوها مع بعض .. الحكاية هتتستف يا جدعان .. عشان فيها بنات ناس وزوجات بهوات من الكبار " .. هذه عينة حديثة من تعليقات أخرى طورت نفسها بتطور المتابعة الصحفية الباحثة عن أية معلومة تزيد القضية اشتعالا ، ليس مهما هنا مصدر المعلومة أو مدى دقتها .. المهم أن تكون المعلومة طازة وساخنة حتى لو كانت " تنهش" في أعراض الناس.. وسمعتهم .. وشرفهم . بدا البحث عن فضيحة وترويجها وتسويقها بأكثر الوسائل إثارة هو المنهج الذي تتبعه الكثير من وسائل الإعلام، وخاصة الالكترونية التي تبحث دائما عن السبق بمفهومها الخاص الذي يعلي من سرعة النشر بغض النظر عن التدقيق فيما ينشر .. لا أحد هنا يهتم .. لأنه ببساطة لا أحد يعاقب على ما يفعل ويرتكب من جرائم بحق الصحافة كمفهوم ورسالة تارة، وبحق القراء الذين وضعوا ثقتهم في الصحفي وصحيفته تارة أخرى ، وبحق الصحفي نفسه كقائد رأي ومصدر ثقة.. يبدو الحديث هنا عن الحاجة لميثاق شرف صحفي ينظم الأداء ويضع الخطوط العريضة ويعطي الصحفي حقوقه كاملة، ثم يحاسبه، ويعاقبه أن أخطأ .. يبدو حديثا مكررا وقديما ومملا ، وجميعنا يعرف أنه بدون ضمير حي، ومراقبة ذاتية ، ومتابعة جادة من أصحاب المهنة نفسها، لا شئ يمكنه أن يوقف مثل هذه الممارسات الصحفية المشينة . كثيرة هي الانتقادات التي طالت وسائل الإعلام في الفترة الأخيرة، سواء من أصحاب المهنة أنفسهم أو من المتابعين والمهتمين بالشأن الإعلامي، وأصبحت التجاوزات والانتهاكات المهنية والأخلاقية هي القاعدة وما عداها مجرد استثناء .. الألفاظ والإشارات والايحاءات الإباحية سكنت لغة الإعلام، وتدريجيا سنعتاد الأمر، ونبحث عن غيره .. الموضوعية والحيادية أضحت أسطورة لا وجود لها إلا في كتب الإعلام القديمة التي عفا عليها الزمن .. المهنية والاحترافية والمناقشة المتوازنة الجادة وعرض الرأي والرأي الأخر لم يعد لها مكانا وسط حالة التوحد التي أصبحت هي السمة المميزة في أداء وسائل الإعلام.