جلسنا سوياً لنحاول انشاء لغة حوار بيننا ولنحاول تغيير بعض الانطباعات السيئة التى اتخذها كل منا عن الآخر ، حاولنا النظر إلى بعضنا البعض ولكن كل منا كان يتحاشى النظر إلى الطرف الثانى بل كان كل منا يجلس وظهره مواجه لظهر الآخر ..وسألت نفسى " أن كنا لا نريد أن نتحدث ، لماذا قررنا فجأة اللقاء والحوار ؟ كنت كلما أحاول البدء فى الكلام أشعر بالعجز الشديد فى ذلك .. فلم أكن أعلم من أين يمكننى البدء حقاً؟ لقد رتبت الكثير من الكلام والأسئلة التى سنتناقش فيها سويا ، وبعض مشاكلنا التى سنحاول حلها معاً ، ولكن عندما التقينا تغير كل شئ ، لقد نسيت كل الكلام ، نسيت من أين سأبدأ ، واحترت فى كيفية الحصول على الكلام ؟.. ياالهى ! هل يعانى هو الآخر من نفس المشكلة ؟ ولما لا .. فهو الآخر كان صامتاً صمت الموت . لعله كان يبحث عن مدخل للكلام مثلى ، ولعله كان يعرف أسئلتى مسبقاً ويحاول البحث عن اجابات أو حجج تعلل أفعاله المشينة والتى اعتاد على فعلها معى وخصوصاً مؤخراً .. ماذا أفعل ؟؟ من أين أبدأ ؟ هل أبدأ بتلك المصائب التى توالت علىّ واحدة تلو الأخرى ؟ ام أبدأ بتلك الحياة السوداء التى لازمتنى منذ طفولتى ؟ ام أبدأ بهذا الشعور القاتل شعورى بالذنب تجاه من أكرههم منذ زمن لدرجة انى نسيت لماذا أكرههم ؟ وفى نفس الوقت لا يمكننى مسامحتهم ؟ أم أبدأ بوحدتى القاتلة الطاغية على كل جزء فى حياتى ؟ أم أبدأ بتلك الأحلام والطموحات والأهداف صعبة المنال ، والتى كلما اقتربت منها خطوة تبعد هى عشرات الخطوات ؟ من أين أبدأ ؟ وبماذا أبدأ ؟ وكيف أبدأ ؟ ..أتمنى لو أمكننى الاجابة عليها . ورغم هذا الصراع الدامى القائم بداخلى إلا أنك لو نظرت لنا لن تجد إلا صمت الموت يخيم على المكان ، شئ غريب أن يتواعد كلانا على اللقاء ونأتى فى لهفة لرؤية بعضنا البعض ، ونجلس هذه الجلسة المتحجرة داخل هذا الصمت القاتل وكل منّا يوجه ظهره للآخر .. ليتنى أعرف فى أى شئ يفكر ؟ وبماذا ينوى اخبارى ؟ أريد أن أعرف هل هو أيضا يدور بداخله نفس الصراع الذى يتفجر داخلى ؟ ليس هناك حال سوى الالتفات إليه وأن أبادره بالحديث .. التفت له فجأة فوجدته ناظراً إلىّ فى هدوء شديد ولم أكن أدرك أنه كل هذا الوقت كان ناظراً إلىّ فقلت له فى انزعاج : _ كل هذا الوقت وأنت تنتظر منى الحديث فى هدوئك القاتل ؟ لما لم تبدأ أنت ؟ فقال لى أنتِ من تريدين الحديث وليس أنا ..! فنظرت إلى وجهه فى عمق شديد فوجدته عابس ومحبط وحزين جداً وكانت عيناه مليئتين بالذل والاهانة والاستكانة الشديدة فقلت له بغضب ممزوج بأسى : لما أنت حزين هكذا ؟ فقال لى فى اندهاش : ليس أنا بل أنتِ .. أنت هكذا لذا أنا مثلك .. فما أنا إلا انعكاس لكِ ولروحك .. وما أنا إلا نتيجة لأفعالك وأعمالك .. فأنا لست بصانعكِ.. بل أنتِ صانعتى .!!