أكد مدير مرصد دراسات الجغرافيا السياسية بباريس والمتخصص في مجالي القانون والعلوم السياسية الدكتور شارل سان برو أن نتيجة الاستفتاء على الدستور يعد اعتمادا رسميا للدستور من الشعب المصري، كما أنه فتح مجالا لإنشاء نظام يقوم على القانون والديمقراطية، ويسهل الوصول إلى الانتخابات التشريعية والرئاسية لعام 2014. وأضاف برو - خلال الندوة التي نظمها مركز الأنشطة الفرانكفونية بمكتبة الإسكندرية بمناسبة صدور كتاب بعنوان "التطور الدستوري في مصر"، وهو أول كتاب يصدر في العالم الغربي عن الدستور المصري الذي تم إقراره في الاستفتاء الذي جرى يومي 14 و15 يناير 2014 - أن هذا الدستور لعب دورا مهما في ترجمة طموح التوافق بين المجتمع والاقتصاد وتحقيق العدالة الاجتماعية ووضع نظاما خاصّا لحقوق الشعب كما وضع بنودا للبحث العلمي واحترام الأصالة المصرية. واستنكر سان برو رفض أوباما والإدارة الأمريكية لما يحدث في مصر، حيث يرى أن أمريكا لا تسعى لنشر السلام في المنطقة كما تدعي بل تسعى لتدميرها مثلما حدث في أفغانستان والعراق، مؤكدا على أن دستور 2014 يتميز بوضوح ديباجته التي تركز على العديد من الجوانب المهمة مثل الجانب الروحي الموجود بمصر بصفتها موطن الديانات السماوية الثلاث، كما تؤكد على حداثة الدولة المصرية بداية من عهد محمد علي ورفاعة رافع الطهطاوي وأحمد عرابي ومصطفى كامل وثورة 1919 وكفاح سعد زغلول ونصر أكتوبر 1973. وأشار برو إلى أن بنود الدستور توضح دور الدولة في حماية الشخصية الوطنية والحفاظ على الإرث الثقافي والذي يُعد تراثًا وطنيا وإنسانيا تلتزم الدولة بحمايته وصيانته وفقًا للدستور لأن الإرث الثقافي هو الذي يشكل شخصية الشعب ويركز على دور مصر في المجتمع الإسلامي، كما يركز الدستور أيضًا على العلاقة بين الشعب المصري وقواته المسلحة والدور الذي يلعبه الجيش في حماية الحدود الوطنية للبلاد ودور جامعة الأزهر في المحافظة على الأصول الدينية للبلاد ضد الإرهابيين والمخربين. وركز سان برو على وضع الدين داخل الدستور الجديد، حيث نصت المادة 2 على أن "الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع" وكذلك نص المادة 3 "مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية وشئونهم الدينية واختيار قياداتهم الروحية"، وبالتالي فالدستور يقوم على الشريعة؛ لأن الإسلام يدعو إلى احترام الديانات الثلاثة وهو مهم لتأسيس شكل السلطة والشرعية للدولة. وأنهى سان برو كلمته بأن دستور 2014 هو نص واقعي يحترم التوازنات الكبيرة ومثال جيد للبحث عن التوافق والبحث عن الخصوصية لهذه الأمة العريقة، لافتا إلى أنه يجب أن يقوم الشعب المصري وقياداته بتطبيق واحترام هذا الدستور. من جانبه، أكد أستاذ القانون العام بجامعة "باريس ديكارت" الدكتور جان إيف دو كارا أن ديباجة الدستور الجديد تذكره بأن مصر هبة النيل وأنه دستور ثوري في مضمونه ينخرط في ثورة 30 يونية 2013 وهو نتيجة مجهودات المواطنين المصريين، مشيرا إلى أن الدستور يؤكد على أن الدولة ستظل دائمًا مستقلة وحاكمة وغير قابلة للانقسام كما يُذكر بانتماء مصر لأفريقيا والقارة الآسيوية. ولفت دو كارا إلى أن هذا الدستور يؤسس لجمهورية دستورية حديثة دون فساد أو طغيان، ويؤكد على الرغبة في العدالة الاجتماعية، ويعطي الفرصة لاختيار حكم سياسي فعّال، موضحا أن لجنة الخمسين لم تكن لديها مهمة سهلة فقد كانت هناك تنازلات للوصول لهذا التوافق يمكن إجمالها في ثلاث نقاط أساسية وهي مبادئ الفصل بين السلطات كضمانة للديمقراطية، والحكم الشعبي كضمانة للسيادة ومبادئ الاستقلالية للقوات المسلحة كضمانة للدولة. وأضاف أنه فيما يخص مبدأ الفصل بين السلطات، نجد أن البرلمان يتمتع بسلطات تشريعية ووضع القوانين والسياسات العامة والموازنة، ويعتبر المراقب لأداء الحكومة كما أن رئيس الوزراء هو المسئول عن التعاون مع رئيس الجمهورية والتنسيق مع وزرائه وتنفيذ القوانين وإعداد الموازنات. أما رئيس الجمهورية الذي يتقدم للترشح من خلال ممثلي الشعب أو من خلال الشعب نفسه، فهو الأمان للأمة واستقلال الأراضي واحترام مبادئ الدستور والفصل بين السلطات، وهو الذي يمثل الدولة في توقيع المعاهدات، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة ويتحدث عن الأمور المهمة مع البرلمان. أما الشعب فهو يشارك من خلال الانتخابات والأحزاب والمؤسسات والمجالس المحلية، ويتمكن من تنفيذ حكمه عن طريق ثلاث طرق هي الاستفتاء التشريعي أو الدستوري، حيث يقوم بإقرار واعتماد هذا الدستور، ويتمكن من سحب ثقته أو تأكيدها لرئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان، ويؤثر على تكوين الحكومة من خلال الانتخابات. وأضاف أن دستور 2014 أشار إلى الدور العظيم للقوات المسلحة المصرية، فمن الناحية التاريخية لعب الجيش والقيادات العسكرية دورًا تاريخيًّا منذ عصر محمد علي، وهذا يجعل الجيش دعامةً أساسية للحياة الدستورية بمصر، وعاملاً أساسيًّا للاستقرار والرجوع إليه وقت الأزمات، مثلما حدث خلال ثورة الضباط الأحرار عام 1952، وكذلك خلال ثورة 2013 حين تدخل الجيش لحماية الدولة، لذلك نجد أن دستور 2014 قد خصص الفرع الأول من الفصل الثامن منه لتوضيح دور القوات المسلحة المصرية. وقد أكد دو كارا في نهاية كلمته على أن هذا الدستور قد أعطى السلطة العسكرية بعض الاستقلالية فيما يخص القضايا، وبالتالي يعتبر مكملا للسلطة القضائية. من ناحيته، قال الدكتور تييري رامبو مدير الدراسات بمرصد دراسات الجغرافيا السياسية بباريس والمستشار بمجلس أوروبا عن الحريات الممنوحة في دستور 2014، وأنه يعد حماية ضد الحكم المطلق ويؤسس دولة من خلال القانون ويعطي لأفراد الشعب كثيرًا من الرضا والتوافق ولكن يجب مراعاة الحرص الشديد في تفسيره وتطبيقه. وأشار رامبو إلى أن الدستور قد خصص الباب الثالث بالكامل للحقوق والحريات والواجبات العامة، فهذا النص الدستوري يتعلق بحريات مضمونة لحقوق الإنسان متعلقة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان وكذلك متعلقة بحريات اقتصادية وسياسية، فالمادة 92 من الدستور تنص على أن "الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلاً أو انتقاصًا"، فكل البنود الخاصة بحماية الحقوق والحريات لا يجب أن تكون خاضعة للتعديلات الدستورية وأن يتبناها ثلثي البرلمان أي الأغلبية. وأكد رامبو في ختام حديثه على أنه يجب على المؤسسات القضائية أن تتمتع باستقلالية لمنع ممارسة الضغوط عليها من المؤسسات الأخرى، وذلك لكونها تلعب دورًا مهمًّا في كسب ثقة الشعب المصري.