رصدت مجلة "الإيكونوميست" البريطانية المشهد الأوكراني، قائلة إنه يبدو للوهلة الأولى مربكا تماما. ولفتت المجلة - في تقرير بثته على موقعها الإلكتروني اليوم السبت- إلى أنه بينما كان العالم الخارجي يحاول تحليل المشهد بمعطياته من اتفاق مبرم بين النظام الأوكراني والمعارضة والدور الروسي المفاجئ بخصوص جهود وساطة الاتحاد الأوروبي تغير كل شيء: هرب الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش من العاصمة كييف إلى مكان غير معلوم، واختفت قوات مكافحة الشغب وغيرها من الشوارع، ووجد المتظاهرون - ممن كانوا قبل ساعات قليلة يحاولون تفادي رصاص القناصة - أنفسهم يحيطون بالقصر الجمهوري وغيره من المباني الحكومية. واعتبرت المجلة أن الأسئلة الأكثر إلحاحا الآن على طاولة صناع السياسات هي: أولا، ماذا حدث ل يانوكوفيتش؟ وقالت إن أكثر التوقعات أن يكون الرجل فقد أعصابه.. لقد كان على استعداد لأن يغمس يديه في الدماء.. لكن ليس بالعمق الكافي.. فمع تزايد ضغط المتظاهرين عليه وفي ظل حدوث انقسام داخل معسكره، انهار يانوكوفيتش وفر هاربا. ورأت أن أحد الدوافع وراء هذا الهروب هو الاتفاق المبرم بوساطة أوروبية على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة..قائلة إن اتفاقا كهذا يمكن أن ينسف سلطاته الرئاسية..ومؤكدة أنه أيا كانت معتقدات الأوكرانيين بشأن الاتحاد الأوروبي والتاريخ واللغة والإصلاح الاقتصادي فإن مآل استبداد رئيسهم وفساده وحكمه الفاشل بات أمرا عالميا. ومن بين الدوافع أيضا: أن احتمالات فوزه في الانتخابات التي كانت مزمعة في ديسمبر (وربما قبل ذلك) كانت ضعيفة .. علاوة على أن يانوكوفيتش لم يكن ليفوز في آخر انتخابات رئاسية إلا بفضل الفشل الذريع الذي حاق بحكام الدولة السابقين. أضف إلى ذلك أن يانوكوفيتش كان بالفعل قد خسر أغلبيته في البرلمان، وتراخت قبضته على الدولة، وأعلن حلفاؤه الروس عن رغبتهم في التوصل لاتفاق وليس المواجهة. وقالت المجلة إن مشهدا كهذا كفيل بأن يبث الهزيمة في النفوس الكبيرة والمرنة فما بالنا برجل شهير بقصور قدراته العقلية والانفعالية؟! ثاني الأسئلة الملحة على الأذهان، بحسب "الإيكونوميست" هو: كيف اختفت كافة قوات الأمن بهذه السرعة في أقل من 45 دقيقة من توقيع الاتفاقية؟ وهل كان ذلك إشارة على حسن نية من جانب النظام؟ أم أن وزارات السيادة اشتمت رائحة انسحاب الرئيس يانوكوفيتش ومن ثم تخوفت من انتقام المتظاهرين؟ أم أن ذلك جزء من خطة أعدها معسكر يانوكوفيتش، قد يكون رئيسهم رحل لكن مصالحهم المالية الكبرى لا تزال قائمة؟ إن علاقاتهم بروسيا متجذرة.. ربما قرروا الانسحاب على اعتقاد أن التراجع هو الحل الأمثل في اللحظة الراهنة على أمل أن تفشل المعارضة في السيطرة على الموقف. وقالت "الإيكونوميست" إن الأوكرانيين والغرب في اللحظة الراهنة يريدون التغيير أكثر من الاستقرار.. لكن أعمال النهب والتخريب في كييف وغيرها من المدن قد تغير هذه الإرادة بحيث يكون في الإمكان عودة عناصر من النظام القديم (وأصدقاؤهم الروس) إلى مسرح الأحداث. ثالث الأسئلة يتمحور حول : من يدير البلاد الآن؟ وأشارت المجلة إلى ما أفادته مصادر إعلامية صباح اليوم السبت أن "السلطة ملقاة في شوارع العاصمة كييف".. والسؤال هو من سيلتقط هذه السلطة؟ وقالت المجلة إنه لا شك أن في هذا الكلام قدر من المبالغة ، فالبرلمان يتولى المسؤولية، وهو أفضل من لا شيء. ورجحت أن يتم تشكيل حكومة مؤقتة في وقت وشيك ، برعاية من الاتحاد الأوروبي .. مشيرة إلى تلويح أمريكا بتقديم دعم لتدخل طارئ من صندوق النقد الدولي. لكن إبقاء أوكرانيا واقفة على قدميها سيكون بمثابة مهمة رئيسية ، بحسب المجلة التي تساءلت عما إذا كانت روسيا ستسحب وعودها الإنقاذية التي كانت قدمتها لنظام يانوكوفيتش؟ ورجحت أن يواجه الغرب صعوبة بالغة في دعم دولة مثقلة بالديون تعاني من فوضى الانتقال السياسي. وأكدت "الإيكونوميست" أن أوكرانيا تحتاج إلى عشر سنوات من العمل الجاد لتعويض الفرص المهدرة على مدار 25 عاما ببناء مؤسسات وترسيخ عادات وتنمية اتجاهات تحتاجها أية حكومة شرعية مخلصة.. قائلة : إن هذا يتطلب الصبر والخبرة وليس الشجاعة والمتاريس. رابع الأسئلة ، بحسب المجلة هو عن الدور الروسي ، لقد لام الكثيرون روسيا متهمين إياها بتصعيد الأزمة وإزواء يانوكوفيتش والإصرار على أن يكون المستقبل الأوكراني لعبة صفرية الناتج يعني أن أي تكامل فيها مع الاتحاد الأوروبي ضربا للمصالح الجيوسياسية الروسية. ورجحت المجلة البريطانية أن تجلس روسيا على الهامش قليلا .. تاركة الغرب في محاولة لإدارة الصفقة المبرمة.. وأن الاقتصاد والإدارة العامة في أوكرانيا سيستغرقان سنوات حتى تصبح كييف قوية بما يكفي للتصدي للكرملين. ورأت "الإيكونوميست" أن هذه الأسئلة صعبة ومن السذاجة بمكان القول أن المستقبل يبدو مشرقا ، ومع ذلك فإن التوقعات تبدو اليوم أكثر إشراقا عما كانت عليه منذ شهور.. اليوم شهد سقوط أحد أسوأ القادة الأوروبيين على مدى عقود. وعلى الصعيد الروسي ، رجحت المجلة أن تبقى روسيا الآن على الأقل ، خارج اللعبة التي لا يعلم أحد بالتحديد من بداخلها .. وقالت : لكن يمكننا القول أن المد الروسي الذي بلغ مداه في كييف الأسبوع الماضي يشهد الآن انحسارا.