العصيان المدنى، الذى دعت اليه بعض القوى السياسية والشبابية والنقابات، كان الغرض منه رفض السياسات القائمة على جميع الأصعدة ومن كل الادارات "المجلس العسكرى الانتقالي الحكومة الانتقالية والبرلمان المنتخب فى موسم الانتقالات". وحقيقة الامر ان هذا العصيان الذى دُعى اليه لم يختلف عن العصيان السياسى المستمر طوال الفترة الماضية .. عصيان متعدد الاطراف وهو يختلف عن العصيان المدنى الذى يذكرنا بعصيان المهاتما غاندى اواسط اربعينات القرن الماضى، وعصيان شعب جنوب افريقيا الاسمر ضد سياسات الفصل العنصرى "الابارتهيد". العصيان السياسى هو ذلك المستمر منذ التاسع عشر من مارس 2011م وهو رفض لفكرة التوافق الوطنى للخروج من التشرذم والتناحر والاستقطاب الحاد وربما الصدام الذى يؤدى ومازال الى انهيار الامة باكملها. قد يقول قائل اننا امة تعصى على الموت ولكن حقيقة الامر الانهيار يعنى عدم القدرة على تصحيح الاخطاء ووضع خريطة محددة المعالم لفكرة الوطن.. والانهيار يعنى عدم رغبة كافة الاطراف على صياغة عقد جديد بمواصفات جديدة شفافة للالتفاف حول خريطة طريق تخرج الوطن من ازماته للوصول الى نقطة انطلاق متماسكة. من يعتقد ان اى تطور او اصلاح او تنمية على اى صعيد من الاصعدة وفى اى دولة من الدول يمكن ان يتم دونما ان تتوفر للدولة هيبتها واحترامها، لهو اعتقاد خاطىء.. لكن فى المقابل فان الحكومة الديمقراطية يرجح لها، اكثر من اى شكل اخر من اشكال الحكم، ان تفى باحتياجات عامة الناس.. فكلما كان لرأى الشعب وزن اكبر فى توجيه السياسة، زادت امكانية ان تعكس هذه السياسة شواغله وتطلعاته.. فحسب القول المأثور الذى شاع فى اثينا "الاسكافى هو الذى يصنع الحذاء، ولكن لابس الحذاء هو وحده الذى يستطيع ان يدل على الموضع الذى يعض فيه على قدمه".. وعامة الناس هم من يعانون علميا اثار سياسة الحكومة.. ولن تضع سياسة الحكومة هذه المعاناة فى الاعتبار الا اذا كانت هناك قنوات فعالة ومتساوية للتاثير من ادنى .. فسياسات من بيدهم مقاليد الحكم ايا كان حسن مقاصدهم.. ستكون من احسن الاحوال غير ملائمة لاحتياجات الشعب.. والديمقراطية ترتكز على الحوار الصريح والاقناع والسعى الى حلول وسط.. والتاكيد الديمقراطى على الحوار لا يفترض فحسب وجود اختلافات فى الاراء بشأن معظم مسائل السياسة، ولكنه يفترض ايضا ان لهذه الاختلافات الحق فى ان يعبر عنها وان يستمع اليها .. وهكذا تفترض الديمقراطية الاختلاف والتعدد داخل المجتمع كما تفترض المساواة... وعندما يجد هذا الاختلاف تعبيرا عنه يكون الاسلوب الديمقراطى لحل الخلافات هو الاحرى والاكثر امانا للمجتمع .. ولايبث روح اليأس وكسر هيبة الدولة والتقليل من احترامها ووقارها.. فهذا يؤدى الى انهيار تماسك البنيان الاجتماعى وتشيع روح الفتنة واليأس بل والفوضى. ولكنه فى المقابل ايضا يجب على اية حكومة ان تراعى ابعاد الملفات الشائكة التى تنفجر فى المجتمع سواء كان ذلك نتيجة لسياستها ام لاسباب خارجة عن ارادتها او نتيجة حركات سياسية واجتماعية واقتصادية لم تكن فى حسبان استراتيجيات الحكومة .. وهو ما يجب على الفور وضع الخطط اللازمة وبشفافية كبيرة للتعامل والتصدى لهذه الملفات أيًا كانت حتى لا تشاع الفوضى واليأس فى بنيان المجتمع.. ولا تستسلم الحكومة لحالات السيولة والميوعة التى من الممكن ان يمر بها المجتمع نتيجة لحراكات وتفاعلات سياسية كانت ام اقتصادية.. وهذا ما يحدث فى مصر على وجه التحديد والدقة. فهل مصر بحاجة الى مثل هذه الفوضى؟!.. الاجابة قد تبدو "نعم".. لاننا غير قادرين وغير مؤهلين ولا نتمتع بالكفاءة اللازمة للتفاعل مع التحديات الطارئة.