يصادف اليوم ، الاثنين السابع من أكتوبر، عيد ميلاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث يبلغ من العمر واحدًا وستين عامًا ، قضى منها نحو 15 عاماً في المناصب الحكومية رفيعة المستوى. ويقضي الرئيس الروسي هذا اليوم في العمل على بعد 10 آلاف كيلومتر عن موسكو في جزيرة بالي الإندونيسية، حيث يشارك في أعمال قمة بلدان آسيا والمحيط الهادئ الاقتصادية. ومن المعروف أن الرئيس بوتين لا يحب الاحتفال بعيد ميلاده، ولكن يمكن أن يتلقى اليوم التهاني سواء من قبل الروس، أو من قبل القادة الدوليين . وُلد فلاديمير بوتين في السابع من أكتوبر 1952 في مدينة بطرسبورج ( لينينجراد سابقا )، وهذا يجعل منه شخصية استثنائية بين الذين تعاقبوا على رأس السلطة في روسيا منذ تخلي القيصر نيكولاي الثاني عن العرش عام 1917، فهذه هي المرة الأولى في تاريخ روسيا ما بعد قيام الثورة البلشفية، التي يتولى فيها الرئاسة أحد مواليد عاصمة روسيا السابقة في عهد القياصرة . ولعل هذا ما يفسر ، بدرجة أو بأخرى، أن غالبية رجال بوتين الذين جاء بهم عندما تولى الرئاسة في روسيا ، هم من بطرسبورج، وهو ما أثار غضب أهل موسكو بين الفينة والأخرى خاصة أن بعض المؤرخين الروس وغير الروس يشيرون إلى وجود ما يشبه التنافس التاريخي بين المدينتين . ومن المعروف أيضًا أن القيصر بطرس الأكبر قد أسس مدينة بطرسبورج في مطلع القرن الثامن عشر لتكون «نافذة» روسيا على أوروبا، ولتُنافس أكبر العواصم الأوروبية . وقد كانت لمدة قرنين من الزمن 1712 1917 عاصمة الإمبراطورية الروسية، والمركز الاقتصادي والثقافي فيها لكن فلاديمير لينين، زعيم الثورة البلشفية، قرر عام 1918 أن ينقل العاصمة إلى موسكو ليصبح الكرملين المقر الرسمي والنهائي للسلطة الشيوعية الجديدة. لم يتقبل أهالي بطرسبورج نقل العاصمة إلى موسكو واعتبروه عملاً ظالمًا، لأن الثورة اندلعت في مدينتهم، بينما كانت موسكو كعادتها تميل إلى نزعتها المحافظة ودعم السلطة القائمة. وفي عام 1924 أُطلقت على المدينة تسمية «لينينجراد»، أي على اسم مؤسس الدولة السوفيتية بعد وفاته اعترافاً بمساهمتها في الثورة . وكان فلاديمير بوتين مترددًا خلال سنوات شبابه بين الاختيار أن يكون طيارًا أو بحارًا، فقد كان الخيار الأول يستجيب لأحلام جيل كامل أحب السير على طريق "يوري جاجارين" رائد الفضاء الأول، أما الخيار الثاني فقد استلهمه بوتين من حكايات أبيه أثناء خدمته في سلاح الغواصات، وحكايات عمه الذي كان ضابطاً في أسطول البلطيق. ولكن بوتين عندما كان في السابعة عشرة من عمره قرر الالتحاق بكلية الحقوق بدلاً من دراسة الطيران أو البحرية. وذكر بوتين في تصريحات تالية "أنه كان يرغب بعد إنهاء الدراسة الثانوية العمل في جهاز الاستخبارات". وأشار إلى أن هذه الفكرة ترسخت في ذهنه بعد مشاهدته فيلم سينمائي عن عالم التجسس، كان يحكي بطولات رجال الاستخبارات السوفييت ضد النازيين أثناء الحرب العالمية الثانية. ويروي بوتين "أنه ذهب بالفعل إلى مبنى ال " كي جي بي " في بطرسبورج ، والتقى مع أحد الأشخاص هناك واستفسر منه عن كيفية الالتحاق بالعمل معهم ". ولكن هذا الشخص المجهول ، الذي لم يذكر بوتين اسمه ، أوضح له أن الجهاز لا يقبل متطوعين وعليه إكمال دراسته الجامعية والانتظار . ومن هنا بدأ بوتين حسب روايته الاستعداد للالتحاق بكلية الحقوق في جامعة لينينجراد . ويقول بوتين في كتاب " حوارات مع فلاديمير بوتين " : " أثناء سنوات الدراسة الجامعية كلها كنت أنتظر أن يتصل بي الشخص ، الذي كنت قد ذهبت للقائه في جهاز ال "كى جي بي" في لينينجراد ، لكنه بالطبع كان قد نسيني ، إذ لم أكن سوى تلميذ ثانوي عندما ذهبت إليه". بعد تخرجه في كلية الحقوق بجامعة لينينجراد في عام 1975، أُرسل بوتين للعمل في جهاز أمن الدولة للاتحاد السوفيتي" كي جي بي" ، وعمل في الإدارة الأولى ( القسم الخارجي ) بمسقط رأسه . وفي الفترة من أغسطس 1985 وحتى مطلع 1990 عمل في ألمانياالشرقية لحساب المخابرات السوفيتية كمدير لبيت الصداقة السوفيتية الألمانية الشرقية في مدينة درزدين . وخلال عمله في ألمانياالشرقية حصل على رتبة "مقدم" لما قام به من أعمال وخدمات . وعندما عاد من ألمانياالشرقية رفض الانتقال إلى العمل في الإدارة المركزية ل " كي جي بي" في موسكو، وذلك حسب تصريحات بوتين نفسه. ويقول بوتين إنه قدم استقالته من " كي جي بي " مرتين خلال التسعينيات من القرن الماضي بعد أن انتقل للعمل في المجلس البلدي لمدينة لينينجراد، ولكن الأمر الأكيد أنه بعد القضاء على انقلاب أغسطس الفاشل في 1991 قدم استقالته من "كي جي بي" ، وخرج منها برتبة مقدم احتياط وحصل على رتبة عقيد جيش في الاحتياط مطلع 1999 ، أي في عهد الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين . في أعقاب عودته إلى لينينجراد من ألمانياالشرقية، عُين بوتين في منصب وكيل رئيس جامعة لينينجراد الحكومية للشئون الدولية. واستأنف تعارفه مع أناتولي سوبتشاك، أحد قادة الحركة الديمقراطية في عهد جورباتشوف وأحد أنصار يلتسين ، والذي اُنتخب في مايو 1990 رئيسا لمجلس المدينة، ودعا بوتين للعمل معه. بعد انتخاب سوبتشاك في 12 يونيو عام 1991 عمدة لمدينة بطرسبورج جرى تعيين بوتين رئيسا للجنة العلاقات الخارجية لبلدية المدينة. وفي مارس عام 1994 شغل منصب النائب الأول لرئيس حكومة المدينة. وفي منتصف تسعينيات القرن الماضي انتقل بوتين للعمل في الكرملين بموسكو. وفي الفترة الواقعة بين يونيو 1996 ومارس 1997 شغل منصب نائب رئيس ديوان الرئيس الروسي ( ديوان الكرملين ) . وفي 26 مارس عام 1997 عُين بمرسوم رئاسي نائبًا لرئيس ديوان الكرملين، ورئيسا لهيئة الرئاسة العامة للرقابة . وفي 25 مايو عام 1998 أصبح النائب الأول لرئيس ديوان الكرملين والمسئول عن العمل مع الأقاليم . وفي 25 يوليو عام 1998 عُين مديرًا لجهاز الأمن الفيدرالي الروسي (الاستخبارات الداخلية ومكافحة التجسس). ثم عينه يلتسين رئيسا للوزراء في أغسطس 1999 . وعندما تنحى يلتسين عن الرئاسة في 31 ديسمبر 1999 ، أصبح بوتين قائما بأعمال رئيس الدولة حسب الدستور الروسي . وانتخب بوتين رئيسا لروسيا للمرة الأولى فيشهر مارس 2000 ، وفاز بولاية رئاسية ثانية في 2004 . وفي 2008 انتقل إلى منصب رئيس الوزراء ، مرشحا " رفيقه " دميتري ميدفيديف للرئاسة . وبعد أن قضى ميدفيديف ولاية رئاسية واحدة من 2008 إلى 2012 ، عاد بوتين لعرش الكرملين من جديد لولاية رئاسية تمتد حتى عام 2018 . ومؤخرًا لم يستبعد بوتين الترشح لولاية رئاسية رابعة في الانتخابات الرئاسية المقررة بعد نحو خمسة أعوام من الآن .