اعتبرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن التجربة الديمقراطية في تونس، مهد الربيع العربي، لا تزال مستمرة بالرغم من الصعوبات والتحديات التي تعرقل استمرارها. ولفتت المجلة الأمريكية -في مقال تحليلي أوردته على موقعها الإلكتروني اليوم الأربعاء- إلى أن نشوة الربيع العربي في تونس شهدت انحدارا إلى خريف السخط، إذ أنه في أعقاب تصاعد الاضطرابات العامة، أعلنت حكومة البلاد أنها ستتنحى وتبدأ محادثات مع المعارضة لتشكيل حكومة مؤقتة في الفترة التي تسبق الإنتخابات البرلمانية والرئاسية الجديدة. وتابعت بقولها "لذا يبدو أن التطورات في مهد الربيع العربي تهدد الثورة الديمقراطية في تونس، فتدهور الظروف الوطنية أدى إلى توتر وجهات النظر لدى التونسيين من القيادة السياسية والعديد من المؤسسات الوطنية المرتبطة بالصحوة الديمقراطية في البلاد على حد سواء، فضلا عن ذلك، ونظرا لتصاعد التحديات التي تعرقل ترسيخ الحكم الديمقراطي في المنطقة، فإن التونسيين من ذوي الدخل المتوسط يبدو أنهم يفقدون الثقة في فعالية الديمقراطية في حل مشاكل البلاد". وأردفت "انخفضت نسبة تفضيل الديمقراطية على الاستقرار بنسبة 24 نقطة؛ بينما انخفضت نسبة تفضيل الديمقراطية كنظام سياسي بفارق 18 نقطة؛ وانخفضت نسبة تفضيل الديمقراطية على وجود زعيم قوي بنسبة 16 نقطة؛ وتفضيل الديمقراطية على اقتصاد قوي شهدت انخفاضا بنسبة 14 نقطة، وقد حدث هذا التراجع في جميع فئات المجتمع، ولكنها كانت أشد بين التونسيين من ذوي الدخل المتوسط". ورأت المجلة أن الشعب التونسي إضافة إلى خيبة أمله، فإنه يفقد إيمانه أيضا في العديد من المؤسسات الرئيسية في المجتمع التونسي..مدللة على ذلك بأن دعم الجمعية التأسيسية، المكلفة بصياغة دستور وطني، انخفض عن العام الماضي بنسبة 25%، فمن بين كل خمسة تونسيين يقول واحد إن الجمعية لها تأثير جيد على البلاد؛ فقط الجيش ، والشرطة ، ووسائل الإعلام من يحظون بتأييد شعبي واسع. ونوهت المجلة إلى وجود حالة متصاعدة من السخط تجاه الحكومة التونسية الحالية، فنسبة 81% من الشعب التونسي ترى أن البلاد تسير في اتجاه خاطئ، وحوالي نصف التونسيين بنسبة تقرب من 52% يعتقدون بأن البلاد في الوقت الحالي تعيش حالة أسوأ مما كانت عليه قبل الإطاحة بزين العابدين بن علي، الرئيس المخلوع، فقط نسبة الثلث هي من تعتقد أن تونس تعيش في جو أفضل حالا. وأشارت المجلة إلى أن أغلبية التونسييين ترى أن قائمة أولويات البلاد يجب أن يتصدرها وجود حكومة مستقرة، حتى إن لم تكن حكومة ديمقراطية شاملة، وذلك بدلا من وجود حكومة ديمقراطية يصحبها حالة من عدم الاستقرار السياسي..واصفة ذلك بأنه تحول دراماتيكي بدأ عام 2012 ،عندمااختارت الأغلبية الديمقراطية على الاستقرار. ومع ذلك، وفي الوقت الذي يبدأ فيه التونسيون اختيار حكومة جديدة، اعتبرت المجلة أن الديمقراطية لم تمت في مهد الربيع العربي، فعلى الرغم من خيبة أملهم ، فإن أغلبية ساحقة من التونسيين تواصل ترسيخ قيم المبادئ الديمقراطية الرئيسية، مثل إجراء انتخابات نزيهة ، وحرية التعبير، وعدم خضوع وسائل الإعلام للرقابة، لكنها ديمقراطية بنكهة إسلامية، حسبما وصفتها المجلة. ولفتت المجلة إلى أن التونسيين يعتقدون أن مبادئ الإسلام ينبغي أن تؤثر على النظام القانوني وأن القيادات الدينية يجب أن يكون لها دور في المسائل السياسية. واختتمت "فورين بوليسي" تحليلها قائلة "إن التطورات في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا وسوريا من المرجح أن تستمر في الهيمنة على نشرات الأخبار في الأسابيع المقبلة، لكن التطورات في تونس لا ينبغي تجاهلها، فالتغيرات في مشاعر الشعب التونسي بشأن الديمقراطية يمكن أن توفر لمن يراقبها عن كثب رؤى حول التطور السياسي في المنطقة".