يواجه الرئيس الفرنسي فرنسوا أولاند هذه الأيام انخفاضا ملحوظا في شعبيته تعكس حالة من عدم رضا إزاء الكثير من سياساته الداخلية والخارجية. فقد كشف آخر استطلاع للرأي، أجراه معهد" إيفوب" لقياس الرأى العام لصالح مجلة بارى ماتش خلال اليومين الماضيين، عن تراجع حاد في شعبية الرئيس الفرنسي بالمقارنة بآخر استطلاع تم إجراؤه من ثلاثة شهور حيث خسر أولاند 9 درجات من شعبيته وأصبح يؤيده 23% فقط من الفرنسيين مقابل 76% غير راضين عن سياساته. وتقترب هذه النسبة من أسوأ قياس لرئيس جمهورية في تاريخ الجمهورية الخامسة والذي كان للرئيس الفرنسي الأسبق فرنسوا ميتران عام 1991 إذ حصل على تأييد 22% من الشعب الفرنسي. كما كشف استطلاع "ايفوب" أن شعبية الرئيس أولاند انهارت بين موظفي القطاع العام بنسبة 9% وبين العمال بنسبة 8% والعاملين وموظفي القطاع الخاص بنسبة فاقت ال 20% لتصل نسبة الساخطين على سياسات أولاند إلى نسبة 37%. ويرجع المراقبون تراجع شعبية الرئيس خلال هذه المرحلة إلى العديد من العوامل أولها موقفه تجاه الأزمة السورية واستياء عدد كبير من الفرنسيين إزاء سياساته المتبعة في هذا الشأن. فقد كانت فرنسا من أوائل الدول المؤيدة للضربة العسكرية ضد النظام السوري وكانت تؤكد دوما أن الحل السياسي لن ينجح إلا بتنفيذ ضربة جوية عسكرية ضد نظام الأسد الذي يصر على النهج العسكري لحل الأزمة. وفي هذا الإطار طالب الرئيس أولاند، في كلمته أمس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثامنة والستين، بتطبيق الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة، والذي يسمح للمجتمع الدولي باستخدام القوة العسكرية في بعض الحالات، على سوريا داعيا إلى انعقاد مجلس الأمن لمناقشة مسألة الأسلحة الكيماوية السورية لإجبار النظام السوري على الالتزام بالشكل الكامل. من ناحية أخرى لا تحظى السياسات الاقتصادية للرئيس أولاند بدعم واسع من قبل الشعب الفرنسي خاصة الزيادات الضريبية التي أقرتها الحكومة الفرنسية والتي أثرت سلبا على عملية النمو والقوة الشرائية للمواطنين وألقت بثقلها على العمالة. فقد قررت الحكومة الفرنسية فرض شريحة ضرائب جديدة تصل إلى اقتطاع 45 في المائة من الرواتب، وستطول هذه الضرائب حوالي 50 ألف أسرة، كما قررت الحكومة إلغاء جزء من المساعدات المالية في إطار سياسة دعم الأسرة وهي بذلك ألغت جزءا من المساعدات المالية للأسر الميسورة. ولأول مرة في تاريخ فرنسا ستفرض الحكومة الضرائب على المتقاعدين بنسبة 0.3 في المائة على رواتبهم التقاعدية. وأصبحت الزيادات الضريبية ليست فقط محل انتقاد من قبل الفرنسيين بل أيضا من قبل المسئولين الأوروبيين حيث أكد ولي رين، مفوض الشؤون الاقتصادية بالاتحاد الأوروبي، أن مستويات الضرائب في فرنسا وصلت إلى مستوى "مصيري" محذرا حكومة أولاند من فرض أي زيادات ضريبية جديدة. وجاء ذلك في وقت تدرس فيه الحكومة الفرنسية رفع الضرائب بمقدار ستة مليارات يورو إضافية في عام 2014، وذلك على الرغم من وعود أولاند في مايو الماضي بالإبطاء في زيادات الضرائب بعد عامين من الزيادات الحادة وغير المسبوقة التي بلغت 22 مليار يورو عام 2012 و33 مليار يورو عام 2013. ومن بين الأمور التي ساهمت أيضا في تدهور شعبية الرئيس أولاند إصلاح نظام التقاعد الذي من المقرر أن يناقش في البرلمان في أوائل أكتوبر القادم ويلاقي اعتراضا واسعا من قبل الشارع الفرنسي والنقابات. ففي العاشر من سبتمبر الجاري نظم الفرنسيون مظاهرات في مختلف المدن الفرنسية ضمت أكثر من 300 ألف شخص اعتراضا على إصلاح نظام المعاشات الذي يقضي بزيادة الحد الأدنى لعدد سنوات العمل المطلوبة لكي يحصل العامل على راتب تقاعد كامل من 41.5 عام إلى 43 عاما بحلول عام 2035 وذلك في إطار الإجراءات الرامية إلى خفض العجز المتزايد في ميزانية صندوق التقاعد والذي من المتوقع وصول العجز فيه إلى 20 مليار يورو بحلول عام 2020. وقام بالدعوة لتنظيم تلك المظاهرات أربعة نقابات رئيسية هي الكونفدرالية العامة للعمل، والقوى العمالية، والفدرالية النقابية التوحيدية، ونقابة التضامن إضافة إلى العديد من نقابات العمال والمعاشات والشباب وبعض القادة السياسيين الذين أعلنوا انضمامهم إلى تلك المظاهرات مؤكدين أن "قوة الشارع لابد وأن تكون أكثر تأثيرا من قوة الحكومة". ورأى هؤلاء أن هناك أكثر من 60 ألف شخص يعيشون تحت خط الفقر في فرنسا كما ارتفعت معدلات البطالة بصورة هائلة خلال الأشهر الأخيرة إضافة إلى زيادة أسعار الوقود. وحظت تلك المظاهرات على تأييد شريحة كبيرة من المواطنين حيث أوضحت استطلاعات الرأي التي أجراها الموقع الالكتروني "مترو نيوز" حينئذ أن 61% من المستطلعة أرائهم يؤيدون تلك المظاهرات. ورغم أنها لم تكن بضخامة مظاهرات عام 2010 التي ضمت ملايين المواطنين وكانت معارضة لإصلاح نظام التقاعد الذي أقره الرئيس السابق نيكولا ساركوزي لرفع سن التقاعد من 60 إلى 62 عاما، غير أن المظاهرات الأخيرة تأتي في مرحلة حرجة تتراجع فيها شعبية الرئيس الفرنسي مما قد يؤدي إلى تشكيلها عنصر ضغط إضافي على النظام. ويرى المناهضون لمشروع القانون هذا أنه يضر ضررا شديدا بأجيال الشباب حيث يقضي بأن الأشخاص المولودين قبل 1966 يجب أن تبلغ فترة اشتراكهم التأميني 43 عاما حتى يحصلوا على مرتب تقاعد كامل. ويأتي هذا المشروع في إطار سعى الرئيس أولاند إلى المضي قدما في إصلاح نظام التقاعد بنهاية العام الحالي حيث اشترطت المفوضية الأوروبية في مايو الماضي ضرورة إصلاح نظام التقاعد في فرنسا من أجل منحها مهلة إضافية لمدة عامين من أجل ضبط العجز في ميزانيتها. وعلى الرغم من تفاقم الأزمات التي يواجهها الرئيس أولاند والتراجع الحاد في شعبيته غير أن عددا من المراقبين لايزال متفائل بشخصية الرئيس الفرنسى ويرى أنها إيجابية ولكنه يواجه تحديات صعبة خلال المرحلة الأولى من حكمه تهدد شعبيته وتستلزم منه اتباع سياسات جديدة ومبتكرة لتجاوز الأزمة والنهوض بالأوضاع الاقتصادية للبلاد وذلك لكي يتمكن من الترشح لولاية رئاسية جديدة خلال الانتخابات القادمة المزمع عقدها عام 2017، وعلى رأس تلك السياسات التوقف عن فرض ضرائب جديدة ومكافحة البطالة وتحفيز النمو.