الإخوان الحالمون كما العوانس المتصابيات، يبحثون عن ظل الجماعة، ضل الجماعة ولا ضل حيطة، كانت هنا جماعة ملء السمع والبصر، قبل شهرين، كانت لنا جماعة، وحزبًا، ورئيسًا، ومرشدًا، وشاطرًا، ومالكًا، ولنا حكم مصر، وهذه الأنهار تجرى من تحت مقر الإرشاد، يبحثون عن حلم كان واضحًا جليًا كأنه الواقع، كان صرحًا من خيال فهوى، هشيمًا تذروه الرياح، قبض ريح، لا يستقر منه على أرض الواقع قبض يد من تراب. عميت عيون الأخوات من البكاء على الجماعة، توفيت إلى رحمة الله، شيعت إلى مثواها الأخير، وزاغت عيون الإخوة، وبهتت وجوه لمعت فى الجماعة، وشحبت وجوه خشية على الجماعة، وصارت عيون الماء مالحة أن أشربوا، لن ترتووا أبدا، وصار دعاؤهم ربنا يخلصنا من عذابات هذا اليوم الذى تنحر الجماعة بين أيدينا ونحن عنها ذاهلون. الإخوان الحادبون على الجماعة حائرون، يفكرون، يتساءلون فى جنون، من يحمل الذنب على ظهره محنيًا، من يحمل العار على كتفيه محدوبًا، من يعمد فى أنهار من دماء طاهرة سفكت، من حرق قلب الجماعة على بنيها وبناتها المفجوعين فى جماعتهم، المحبطين فى حلمهم، المنكسرين فى آمالهم فى حكم مصر. لقد أسمعت إذ ناديت، ولكن لا حياة لمن تنادى، أليس فى الإخوان رجل رشيد، صاحب رأى سديد، وبصر حديد؟ بصرك اليوم حديد، يرى إلى أين هم ذاهبون، يا هذا إن الجماعة تقف على مفرق الطريق.. تكون أو لا تكون، بعضهم ينعق فى الخرابات كالغربان السود، إنها الحرب، ونفر قليل حذرون.. إلى أى مصير أنتم بنا ذاهبون؟ بأيكم المجنون، يا أيها الإخوان الزموا مساكنكم ليحطمنكم الشعب المصرى وجنوده. يوم يفتتن الإخوان فى جماعتهم، يوم يبحث الإخوة عن جماعتهم التى كانوا بها يزهون ويتباهون، عن دولتهم فلا يحصدون إلا حصرمًا، تضيع الجماعة فى لجة بحر مضطرب، والفلك يمخر بالإخوة بين أنواء وعواصف وجبال ثلج طافية، وقال قائل منهم كبير، سآوى إلى جبل يعصمنى من الشعب، لا عاصم اليوم من حكم القضاء، وحال بينهم موج الشعب الثائر، فكانوا من المغدورين. ويلكم يا أخوة بديع، لن تصعدوا على جثث الشهداء، لن تصعدوا على جثة مصر، مصر حية نابضة، مصر التى أطاحت بالعتيد ذى العمر المديد، والقرداتى العبيط، ستطيح بمن لا يحترم أغلى اسم فى الوجود، شيوخكم، شيوخ الجماعة كانوا يختانون أم الدنيا فى المضاجع الأمريكية، ويحاولون الهرب من الحدود الليبية. فلينسحب شيوخ الجماعة من المشهد يجللهم العار، يتوارون رحمة بالبلاد والعباد، يريحون ويستريحون حتى ولو فى سجن طرة، يريحون أعصاب شعب أنهكته الخطوب ودقت على رأسه الطبول، وتناوبته الأعاصير، وتداعت عليه الأمم تداعى الأكلة إلى قصعتها، ليس عن قلة ولكن غثاء كغثاء السيل. فلينسحبوا برب هذا البيت الذى أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف، الإخوة صاروا أسرى خوف عظيم وخشية متصلة، قلق عارم ينتاب الجميع، يا ويلتنا مال هذا الشعب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ووجدوا ما عملوا حاضرًا فى المشهد المخيف، قتل بقتل وسفك بسفك، على قلق كأن الريح تحتى، صدورهم.. صدورنا صارت ضيقة حرجة كأنما تصعد فى السماء. لينسحبوا جميعا ويخلوا الساحة لمن هو أقدر إخوانيًا، وأوفق دعويًا، وأرفق إنسانيًا، ادعاء الجهاد فى سن متأخرة، بعد العمر ما ضاع، أقرب لادعاء الشباب فى أرذل العمر، وهن العظم منى واشتعل الرأس شيبًا. فلينسحبوا جميعا، وليسهموا فى البناء، ويرفعوا القواعد من البيت، وليتقبل منهم الله سعيهم، وليتمعنوا فى قول إمامهم البنا: «لو استقبلت من أمرى ما استدبرت لما أقحمت الجماعة على السياسة، ولأقمت بها على المأثورات، وانشغلت بالتربية والتعليم»، وفى قول آخر: «لو استقبلت من أيامى ما استدبرت لعدت إلى ما كنت عليه أُعلّم الإسلام وأربى عليه الناس». نقلا عن المصرى اليوم