جاء فى مكتوب قديم ، يعود عمره إلى أكثر من قرنين من الزمان – كتبه أحد حكماء البلدة – أنه في ذات ربيع أتى وفد من بلاد ( العيون الحمر ) .. يزور العاهل المهاب ، ويسيح في البلاد، وكان محملا بالهدايا و .. ( خط غير واضح ) ... وظلت القرود ، لمدة طويلة ، تتقافز، وتعبث ، وتخرب حتى .. ( تمزيق فى الصفحة ) ... ولكنهم استطاعوا بتقواهم وأدعيتهم أن يفتكوا بهذه القرود حيث أصيب بعضها بالشلل ، حتى مات جوعا ، بينما عانى البعض الآخر من أنفلونزا شديدة قبلما يلقى حتفه .. ” 1- نزهة .. قدم إلى البلاد ملك بلاد ( الواك واك ) ، ويقال أن الملك المعظم أرسل فى استقباله آلافا من الفرسان ، والجنود ، والمعاونين ، والخدم ... ثم حكى بعد ذلك من استطاع أن يتوارى عن أعين البصاصين ، وينجو بنفسه ، أن موكب الملكين كان جليلا ومهيبا وممتدا على مدى البصر ، وكان في المقدمة فرسان أشداء يمتطون الخيول وقد حمل بعضهم الرايات الفاخرة ، ذات الألوان المختلفة ، كما كان في نهاية الموكب الكثير من العبيد السود العراة يسوقون فيلا ضخما ممصوص البطن ، رمادي اللون ، شديد بياض النابين ، يصيح وينفر ، لكن لسعات السياط تجعله يواصل تقدمه ، دون أن يكف عن العبث بخرطومه الطويل بكل شيء يصادفه . واستقر الملكان إلى جوار شلال أحد الوديان يقهقهان ، ويتبادلان ضرب الأكف وهما يستمتعان بنصح الوزراء ، ونوادر الظرفاء ، وحديث الحكماء ، وتبارى الفرسان والعبيد في المسابقات التي قتل فيها من قتل ، وجرح من جرح ، بينما انشغلت مجموعة من العبيد في جني ثمار بعض الأشجار التي ستحمل إلى بلاد ( الواك واك ) . وقبل أن يختفي قرص الشمس وراء الجبل ، كان الموكب قد استعد للمغادرة ، وبأمر من ملك البلاد المعظم ، سار الموكب في طريقه إلى القصر منظما هادئا مطمئنا كما جاء .. 2 - 2 الهدية وقتما أصبح الظهور مباحا ، فتحت الأبواب والنوافذ ، وخرج الناس فرادى وجماعات ، قاصدين الحقول ، والأسواق ، والأنهار ، و الحانات ... على فترات فوجئ الجميع بالفيل يسد إحدى الطرقات ، وهو واقف يلتهم كومة من الحشائش الخضراء ، وقد يرفع عينيه ناظرا إليهم دون خوف !.. وكما زحفت الشمس إلى وسط السماء ، سرى الخبر بين أهل البلدة : تلك هدية الملك المعظم ، وقد وهبها لشعبه الودود !!... وبعدما طوت الشهور الأيام .. تأكد للناس أن الفيل الهدية الذي انتفخ بطنه ، وزاد حجمه ، وثقل وزنه ( واستهوته الحقول ، والبساتين ، والأسواق ، ومراكب الصيد ، فراح يدمر ويخرب حتى استحال الأخضر إلى يابس ، وباع الأرض ، والزرع من باع ، وسجن من سجن لعجزه عن سداد القروض ذات الفائدة العالية الخاصة بخزانة رعاية العوام بالقصر ، فشاخت أسواق ، واختفت أسواق ، وتفشى الغلاء ، وسخر الناس من نصح العلماء ، ووعظ الحكماء ودعوتهم بالصبر على البلاء ! ) .. لم يكن ذكرا !!.. وهكذا .. صارت الفيلة محور الأحاديث ، وأساس التنادر في القيام ، والقعود داخل البيوت ، والحانات ، وفى الطرقات ، كما أصبحت مقياسا للزمن ، والأحداث ، كأن يقول الرجل لصاحبه : لقد أقرضتك المال قبل أن تفعل الفيلة كذا ، وكذا ... -3 لقاء مع مرور السنين ، ضاق الناس بالأمر ، واستبد بهم الغضب ، وكما اشتعلت في صدورهم النار ، دارت في رءوسهم الأفكار والحيل حول كيفية التخلص من تلك الفيلة ، ولم تعد تكفيهم النكات أو الكلمات التي يصفون بواسطتها حالهم ، وينفسون عن أرواحهم ... وكان في ذات صباح أن اجتمع كبار التجار ، والبحارة ، والفلاحين ، وبعض ممن يدعون العلم ، وقلة من الشيوخ ، وقد التف حولهم كثير من أصحاب الحرف البسيطة ، كالبنائين ، والنجارين ، والحدادين ، والنقاشين ، وطارقي النحاس .. لبعض الوقت ، وفى شيء من السباب ، والغضب الذي يتخلله ضحك وبكاء ، أخذوا يتبادلون أطراف الحوار ، والعديد من الأفكار ، ورغم الخوف ، والتردد ، وانسحاب الكثيرين ، وإعلانهم عدم المشاركة .. اتفقوا على أن يجمعوا مائة رجل يمثلون الشعب في شتى طوائفه ، وطبقاته ، ويرفعوا الأمر إلى صاحب الجلالة الملك المعظم بلسان رجل واحد .. 3 وفى صباح اليوم التالى .. ( وبعد ساعات من الإلحاح ، والترجي ، والمطال ! .. ) .. ُأدخلوا إلى الملك المعظم ، فطأطأوا جباههم من فورهم ذلاً وولاءً وتعظيماً . كان قد راعهم منظر البهو الملكي بفخامته ، وجدرانه العالية ذات الرسومات والأشكال العجيبة ، وسقفه المنمنم المرفوع على أعمدة مستديرة ضخمة منقوشة ، ومطلية بماء الذهب ، كما زاغت أبصارهم بين مداخله ، ومطالعه المتعددة التي عجت بحرس كثيرين ما بين السياف ، والرماح ، والنبال .. ولاحظوا في نفس الوقت أن دخاناً خفيفاً متناعساً ، يشيع من جوانب البهو ، قد تسرب إلى أنوفهم ، فامتلأت صدورهم بروائح مختلطة وذكية لم يشموها من قبل من العطور والبخور ... .. تقدم أحدهم منحنياً حتى كادت تلامس جبهته إحدى درجات العرش الملكي المصقولة كسطح المرآة ، ثم تقهقر خطوتين إلى الوراء ، واعتدل ممجداً الملك ، داعياً له بدوام السلطان ، والصحة والعافية ، معدداً مناقبه ، مثنياً على عطائه ، وإدارته لمملكته بين الممالك ، موضحاً رضاء شعبه واعتزازه به ، ثم استأذن في عرض حاجتهم ، فما كان من الملك إلا أن ابتسم ، وهو يهز رأسه زهواً ، وعجباً ، ثم عاد بظهره إلى الوراء مستنداً إلى عارضة عرشه الذهبي المزدان بفصوص من الأحجار الكريمة اللامعة ، مريحاً يده اليسرى على فخذه ، مشيراً بيمناه إشارة تعنى القبول . .. قال ( كبير التجار ) : يا أيها الملك المعظم .. الفيلة !. وجاء الأمر على غير المتوقع ، أو المتفق عليه ، فما تكلم ، أو بدأ بعرض شكواه أحد ، وفى رهبة وبطء التفت الرجل إلى حشده يستحثه بعينيه على النطق ، لكن الحشد كان قد غرق في صمت عميق .. كان بعضهم قد رأى الأمر سخيفا ، وأن هذا الرجل الملك المعظم بوجهه شديد الحمرة ، ولحيته البيضاء الخفيفة لا ينبغي أن يشغل بمثل هذه الأمور ، ألا يكفى أنه سمح لهم بالدخول ، واستعد لسماع ما يقولون ، بينما تمنى أكثر من رجل لو يغيبون عن الوعي ، ثم يفيقون ، فيجدوا أنفسهم خارج أسوار القصر . عاد ( كبير التجار ) ينظر إلى الملك المعظم ، وهو لا يدرى ماذا يقول أو كيف يتصرف ؟!.. فهز الملك المعظم رأسه ، وتأمله بعينين حادتين مستفسراً ، فتملكه رعب شديد، وقال متلعثماً ( وقد رفع من صوته الذي احتلته بحة عظيمة ) : مولاي .. الفيلة !. وهنا ضاق صدر الملك المعظم ، وأوشك صبره على النفاد ، فأرسل بصره لمن حوله كان لباسهم الرفيع يدل على أنهم من الوزراء ، والمقربين ، وعلية القوم ثم صاح فيه مغتاظاً : مالها ؟! .. 4 ولما لم يتغير شيء ، وكان الغضب قد بدأ يغزو ملامح وجه الملك المعظم شيئاً .. فشيئاً ، فكر الرجل أن يلقى ببصره إلى هؤلاء الذين اصطفوا من خلفه ، وكأن على رءوسهم الطير ، تمنى لو يستطيع الصراخ مستغيثا ً، أقسم في نفسه أنه مستعد لأن يهب كل ما يملك لمن يجعله يرى أولاده ، وزوجته مرة أخرى ، شعر بحنين غريب لكل شيء حتى لتجارته الكاسدة التي لم تمته ، أراد أن يرتمي تحت قدمي الملك المعظم ، ويقبلهما طالباً العفو والسماح ، واعتباره كبهيمة ترعى في الحقول قد ضلت طريقها ، نضح عرقه غزيراً حينما رأى نفسه مشدوداً من رجليه إلى أحد أبراج القصر و جاءه صوت الملك المعظم غاضباً : قلنا مالها !؟.. كانت صيحة الملك المعظم قد جعلته يصاب برعدة ، ودوار شديدين ، فغامت الدنيا في عينيه ، لكنه تماسك حتى لا يسقط على الأرض ، داعياً الله بقلبه أن ينجيه من كربته ، متوسلا بصالح أعماله أن يكون ما فيه مجرد كابوس ثقيل لا يلبث أن يصحو منه لاهثاً غارقاً في عرقه ، فيمد يده إلى قارورة الماء ويشرب ، وعلى غير إرادة انسلت منه ريح ، وقفزت إلى رأسه صورته والحرس يجرونه عارياً ، فتحسس لباسه المتعرق مبتلعاً ريقه فى صعوبة ، وهو ينظر إلى الملك المعظم بعينين حائرتين مدهوشتين ، غير أنه أخيراً أحس ببعض الراحة لحظة أن راودته إحدى الأفكار ، فمسح وجهه بيديه المرتعشتين ، وابتسم قائلاً في شيء من الثقة والارتباك : إنها .. إنها يا مولاي تشعر بالوحدة .. وتحتاج إلى ذكر !!. و .. ( صفحات مفقودة) .. تمت