تُعد موسوعة "دور الفتوى في تحقيق التنمية المستدامة" أداة ممتازة وفاعلة ومؤثرة من الأدوات التي طرحتها الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم والتي تعمل تحت مظلة دار الإفتاء المصرية لإدارة عملية الفتوى في سياق تحقيق التنمية المستدامة. فكما أعلن د. إبراهيم نجم مستشار فضيلة المفتي والأمين العام لدور وهيئات الإفتاء في العالم أن خطة دار الإفتاء لتحقيق التنمية المستدامة تقوم على بيان دور الفتوى الشرعية المنضبطة الصادرة عن المؤهلين المتخصصين في تحقيق التنمية المستدامة من خلال مراعاة أهدافها عند إصدار الفتاوى، والتي دعت إليها شريعة الإسلام ونادت بها كلياتها ومقاصدها العامة. وإيمانًا بأهمية التنمية المستدامة وعلاقتها بالفتوى فقد اختارت دار الإفتاء المصرية والأمانة العامة أن يكون مؤتمرها العالمي القادم في أكتوبر 2022م عن هذا الموضوع. وعند مطالعة الموسوعة أحد إصدارات الأمانة والدار وهي نفس موضوع المؤتمر القادم نجد أنها تتمثل في جزء دراسي وآخر تطبيقي يتكاملان معًا، ويشمل الجزء النظري التعريف بالتنمية المستدامة وأهدافها وسبل تحققها على أرض الواقع، ثم استعراض أهداف التنمية المستدامة هدفًا وراء هدف، وبيان كيف يمكن لمتصدري الإفتاء تحقيق هذا الهدف في فتاواهم الصادرة، مع إعطاء نماذج وأمثلة عملية كتدريب فعلي لمتصدر الإفتاء على ذلك، والتركيز بشكل خاص على تحليل دور دار الإفتاء المصرية في تحقيق التنمية المستدامة من خلال ما صدر عنها من فتاوى. وقد صدرت الموسوعة في مجلدين حيث تنقسم إلى فصل تمهيدي ويشمل مفهوم التنمية المستدامة، ومبادئ التنمية المستدامة، وأهداف التنمية المستدامة، إضافة إلى باب يتناول دور الفتوى في تحقيق الأهداف السياسية للتنمية المستدامة في ثلاثة فصول، الفصل الأول يتناول دور الفتوى في تحقيق السلم والأمن والعدل على المستوى العالمي، والثاني: دور الفتوى في التعاون والتكامل الإنساني، أما الثالث فيتناول: دور الفتوى في بناء مؤسسات قوية. أما الباب الثاني فيتحدث عن دور الفتوى في تحقيق الأهداف الاقتصادية للتنمية المستدامة ويشمل الفصل الأول: دور الفتوى في ازدهار الاقتصاد، والثاني: دور الفتوى في تشجيع الصناعة والابتكار، أما الفصل الثالث فيشمل: دور الفتوى في القضاء على الفقر والجوع، والفصل الرابع: فيتناول: دور الفتوى في تحقيق الرفاهية للشعوب، والفصل الخامس: دور الفتوى في الحفاظ على حياة الإنسان وصحته. وجاء الباب الثالث في الكتاب متناولًا دور الفتوى في تحقيق الأهداف الاجتماعية والثقافية للتنمية المستدامة، والذي يشمل ثلاثة فصول، الأول: دور الفتوى في دعم توفير التعليم الجيد، والثاني عن دور الفتوى في تحقيق العدالة بين الجنسين، أما الثالث فيتناول دور الفتوى في الحد من التنمر. فيما وضعت دار الإفتاء في الباب الرابع من إصدارها "دور الفتوى في تحقيق الأهداف البيئية للتنمية المستدامة" ويشمل هذا الباب ثلاثة فصول: الأول حول: دور الفتوى في حماية المناخ، والثاني: دور الفتوى في حماية الحياة البرية والبحرية، بينما يتناول الفصل الثالث: دور الفتوى في توفير المياه النظيفة. هذا عن عرض الموسوعة أما عن تقييمها وتحليلها فنجد أنها تميّزت بتقديم وبيان المفهوم الشرعي للتنمية المستدامة في ظل عالم يسعى حثيثًا نحو رفاهية الإنسان ورقيه، مع الوضع في الاعتبار حق الأجيال القادمة في الاستفادة من موارد الطبيعة كما نستفيد نحن الآن. وتُعد هذه الموسوعة نقطة انطلاق مهمة في دراسات التنمية المستدامة في ضوء أحكام شريعة الإسلامية، وبيان مدى إسهام الفتوى الشرعية في هذا الإطار، وكيف يمكن تطوير أدبيات الفتوى والإفادة منها على نحو فعال في عالمنا المعاصر. والموسوعة بمثابة دعوة وتحفيز لكافة المتخصصين والباحثين في موضوع التنمية والفتوى الشرعية إلى استكمال المشوار العلمي في هذا الموضوع الحيوي والمهم للأمم المعاصرة، والمشاركة في إضافات علمية جوهرية تُثري هذا الموضوع وتفيده، فهذه الموسوعة هي محاولة لإلقاء حجر في بركة راكدة، نأمل أن تتبعها محاولات عدة وجادة. وجاءت لغة الموسوعة سهلة ميسرة تناسب كافة الباحثين وخاصة المبتدئين فضلًا عن المستوى العالي للتوثيق العلمي وكذلك اعتمادها على النقول والمصادر والمراجع المعتمدة. وتميّز الجانب العملي في الموسوعة بالثراء ودل دلالة واضحة على الإسهامات الإفتائية من مؤسسات الفتوى كدار الإفتاء المصرية ودار الإفتاء الأردنية وغيرها من الهيئات الإفتائية الرسمية المنضوية تحت مظلة الأمانة العامة فضلًا عن غيرها. ولم يقتصر استدلال الموسوعة بنماذج للفتاوى التي تسهل وتيسر التنمية المستدامة للناس من ذم التنمر أو إنصاف المرأة أو دعم التعليم الجيد أو قبول الآخر أو التعاون والتكامل، أو الحفاظ على البيئة، ولا حتى لم تقتصر على دعم أو الدعوة للحفاظ على صحة الإنسان، بل تخطى الأمر أن الموسوعة نظرت بعين ثاقبة للمستقبل فقدمت في جرأة محمودة فتاوى غير نمطية تتعلق بحكم استخدام مياه الصرف بعد معالجتها بالطرق الحديثة قائلة: "إن تنقية ماء الصرف الصحي بوسائل التنقية الحديثة بحيث لا يبقى للنجاسة أثرٌ في طعمه ولونه وريحه؛ تجعل هذه المياه طاهرةً يصح رَفْعُ الحدث بها وإزالةُ النجس"، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على اهتمام الموسوعة بإيجاد الحلول المستقبلية للمشاكل المرتقبة مستقبلًا. فكل الدعوات والأمنيات بنجاح المؤتمر المهم والرائع في موضوعه، والتوفيق لكل إصدارات ونشاطات الدار والأمانة العامة، وكل التحية والتقدير لكل الباحثين والعلماء فيهما وكل الشكر والعرفان لقياداتهما؛ فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم- وفضيلة الدكتور إبراهيم نجم المستشار الإعلامي لمفتي الجمهورية والأمين العام لدور وهيئات الإفتاء في العالم.