حذر الرئيس التونسى، المنصف المرزوقي، من خطورة التدخل العسكري فى سوريا. وقال المرزوقي إن الموقف في هذا البلد هو أعقد بكثير منه في ليبيا، وإذا تدخلت أي قوة فهذا يعني اندلاع الحرب في كل المنطقة، ما سيفتح المجال لتدخل الجميع، تركيا وإسرائيل وإيران وحزب الله، مما يعني انفجار سوريا ومعها كل المنطقة. وأعرب المرزوقي فى حديث لصحيفة "الخبر" الجزائرية الصادرة الأحد، عن قلقه العميق على الثورة السورية لأنها أصبحت مسلحة، مشيرا إلى أنه طلب من كل من برهان غليون، رئيس المجلس الوطني السورى، وهيثم مناع، منسق هيئة التنسيق من أجل التغيير فى سوريا، خلال زيارتهما لتونس مؤخرا، بالعمل للوصول إلى جبهة وطنية تعيد الثورة السورية إلى مسارها الطبيعي وهو ألا تكون طائفية وأن تكون سلمية وبعيدة عن أي تدخل خارجي تنسقها قيادة موحدة تعطي أفقا للشعب السوري. وأضاف أنه فى حال استمرار التشرذم والتسلح، فإن الثورة السورية ستفشل وهذه مأساة، موضحا فى هذا الصدد أنه لم يكن مع تدخل الناتو في ليبيا وقال: "كنا نريد أن تبقى الثورة الليبية أصيلة وسلمية". وحول مغزى اختياره أن تكون طرابلس أول عاصمة يزورها بعد تعيينه رئيسا لتونس وليس للجزائر، قال المرزوقي: "إن زيارتي الأولى لليبيا كانت بسبب ظروف آنية حتمتها الأوضاع الأمنية والاقتصادية بين طرابلسوتونس، حيث لا مجال للمفاضلة بين دول المغرب العربي، فليس من العقل التفريق بين أصابع اليد الواحدة، لكن المنطق يقول إن الأولوية يجب أن تمنح دائما للأصبع المصاب، وفي حالتي فإن الأصبع الليبي هو المجروح، فهناك الكثير من المشاكل الحارقة التي استوجبت منا المسارعة لمحاولة حلها". وردا على سؤال حول مستقبل علاقات تونس بالسعودية في حال أصرت الرياض على استضافة بن علي وعدم تسلميه لتونس، قال: "إن السعودية دولة عربية كبيرة وشقيقة ونحرص على أن تكون علاقتنا بها في حالة مثلى، لكننا في المقابل نأمل أن يتفهم الإخوة في الرياض أن مطالبتنا بتسليم بن علي هى حق مشروع للشعب التونسي، ذلك أن الإسلام لا يجيز إجارة الطغاة الذين حاربوا الدين وسفكوا الدماء، ثم إننا نريد من هذا الرجل أن يدلنا على أموال التونسيين المنهوبة". وحول العلاقات التونسية الفلسطينية فى ضوء رفض الرئيس الفلسطينى أبو مازن زيارة تونس فيما زار إسماعيل هنية، رئيس الحكومة المقالة مؤخرا، أوضح الرئيس التونسي المنصف المرزوقي في حديثة لصحيفة "الخبر" الجزائرية "أن الرئيس الفلسطيني لم يرفض الزيارة بل اعتذر عنها، كما أن تونس كانت ترغب فى استقبال محمود عباس انطلاقا من إرادتها في التعامل مع كل الأطراف مع عدم التدخل في الشأن الداخلي الفلسطيني، ولذلك جاء تأكيدنا لإسماعيل هنية خلال زيارته مؤخرا لتونس على أهمية المصالحة الوطنية". وردا على سؤال الأوضاع التونسية الداخلية على الصعيد الأمني والاقتصادى في ظل استمرار الاعتصامات وتزايدها، قال: "عندما تقوم بثورة هذا يعني انهيار عالم وقيام عالم جديد ولابد من وقت لتصفية التركة، ولا أدل على ذلك من الثورة الفرنسية التي قامت في 1789 وأخذت تقريبا 70 عاما لتحقق أهدافها، نحن على العكس من هذا وجدنا التوازن السياسي بسرعة بعد انهيار النظام القديم وذلك في أقل من عام وهذا أمر غير مسبوق". وأضاف أنه تم فى أقل من سنة إسقاط الديكتاتورية وبناء نظام ديمقراطي وإجراء انتخابات حرة وناجحة بكل المقاييس وأسفرت عن حكومة ائتلاف وطني. وحول العلاقات بين تونسوالجزائر فى ضوء عدم تدخل الأخيرة أيام الثورة التونسية، قال المرزوقي: "إن أحسن موقف تنتهجه الدول المجاورة لشعب يفجر ثورة هو التزامها بعدم التدخل لا في اتجاه ولا في آخر انطلاقا من حقيقة أن الشعب وحده يملك الحق في إعلان الثورة وفي تحديد مصيرها وبناء الدولة"، واستطرد قائلا "إنني أعتبر موقف الجزائر التي تركت الثورة في مجراها الطبيعي خيارا صائبا وهذا ما ستفعله تونس التي لن تتدخل في مسارات الشعوب الأخرى على اعتبار أن التدخل الأجنبي عادة يعطل المسارات الطبيعية للشعوب". وردا على سؤال حول إمكانية فرض الحجاب ومنع الخمور فى تونس بعد وصول الإسلاميين للسلطة، قال: "نحن شعب عربي مسلم لكننا نؤمن في نفس الوقت بالحقوق الفردية والجماعية، وقلنا إننا لن نبني دولة دينية ولا دولة علمانية على الطريقة الفرنسية بل نهدف إلى بناء الدولة المدنية، موضحا أن الدولة المدنية في مفهومه هى التي تحمي حق المنتقبة وحق المرأة التي لا تلبس نقابا وحق من يؤمن وحق من لا يؤمن وهو ما قبله الإسلاميون في تونس". وأضاف أنه من البديهي أن نعترف بأن الإسلام دين الدولة وأن ندون ذلك في الدستور لأن 99 بالمائة من الشعب التونسي مسلم هى مجرد معاينة واعتراف بالواقع وهذا لا يعني أن هذه الدولة لا تحمي حقوق اليهود، مشيرا إلى أنه استقبل فى أول أسبوع من تعيينه رئيسا لتونس كبير أحبار اليهود كما استقبل أسقف الكاثوليك، وهو ما يؤكد أن تونس ستحمي حقوق الجميع مهما كانت دياناتهم.