يتحتم على كل أبناء هذا الوطن المهمومين بمصيره، الذين حاروا فى الوصول إلى حل يخلص مصر من أزمتها الحالية - أن يبدوا الإعجاب ويتوجهوا بالشكر ويعبروا عن الامتنان للمندوبة السامية الأمريكية السفيرة آن باترسون التى حسمت لنا القضية، قائلة إننا على الطريق السليم، ومؤكدة أن بلادها ستستمر فى دعم الإخوان، ورافضة عودة الجيش للحكم لأنها ستكون كارثة غير مقبولة للولايات المتحدة. ولست أعرف لماذا أعيتنا الحيلة وأجهدت القوى الوطنية نفسها فى البحث عن حلول للأزمة التى تعيشها البلاد فى ظل الحكم المتردى للإخوان دون أن نكلف أنفسنا عناء طلب النصيحة من الأمريكان باعتبارهم أسياد العالم والمتحكمين فى مصائر خلق الله. إن الأمريكان هم أصحاب الحق الأول والأخير فى تحديد من الذى يحكم مصر، وفى قبول أو رفض أى بدائل أخرى قد يطرحها أبناء البلد، ولا غرابة فى هذا ماداموا هم المتحكمين فى كل شىء، ومادام أن هذا كله يتم باسم الديمقراطية، ألم يزحف السلف الصالح للسفيرة الأمريكية المندوب السامى البريطانى عام 1942 إلى قصر عابدين بالدبابات طالباً من الملك تكليف حزب الوفد بتشكيل الحكومة باعتباره الأكثر شعبية حسبما عبر عنه صندوق الانتخابات؟ إذا كانت بريطانيا فى ظل الحكم الملكى الفاسد قد تدخلت لحماية الديمقراطية، فلماذا لا تتدخل الولاياتالمتحدة فى ظل حكم الإخوان المتردى لحماية الديمقراطية أيضاً؟ إن السفيرة الأمريكية تشهد فى الوقت الحالى موجة من النشاط المفاجئ الذى يشبه حالات الحرارة المفاجئة التى تصيب السيدات بشكل متكرر ولا تتصل بحرارة الجو، وإنما بوصول السيدة لسن اليأس، فبعد فترة خمول اقتصرت فيها زيارات السفيرة باترسون على الاتصالات الرسمية هبت السيدة باترسون فجأة إلى عقد اللقاءات الأهلية، وأصبحت تقبل أن تكون المتحدثة الرسمية فى اجتماعات النوادى الاجتماعية وبعض نوادى الروتارى. ولقد أسفت كثيراً أن السفيرة تعرضت منذ أيام لموقف مؤسف أثناء لقائها بأعضاء نادى الجزيرة حين رفضت السيدة ألفت عبدربه حديث السفيرة قائلة لها: «إننا نكرهكم ونكره النظام الفاشى الذى تدعمونه لأنه يخدم مصالحكم ويهدم تاريخنا وحضارتنا، وسنقاومهم ونسقطهم»، وإزاء تصفيق الحضور تأييداً اضطرت السفيرة لمغادرة النادى. لكن السفيرة تمكنت من إلقاء كلمتها فى نادى روتارى آخر بعد ذلك قائلة: «دعونى أكن واضحة تماماً فى هذا الموضوع.. التدخل العسكرى الآن ليس هو الحل كما يدعى البعض.. وستكون هذه كارثة بالنسبة للعلاقات مع الولاياتالمتحدة»، وأكدت «باترسون» أن بلادها ستستمر فى دعم «مصر» مع التحفظ على أى انحرافات فى المسار السياسى والديمقراطى، ولما كانت مصر لا تنحرف وإنما من بيده أن ينحرف هو من يحكمها فإن ما قصدته السفيرة بمواصلة دعم بلادها لمصر هو دعم بلادها للإخوان الذين يحكمونها، واحتفاظها بالحق فى انتقاد أى انحراف عن المسار الديمقراطى لمصر هو انتقاد لانحراف الإخوان عن المسار الديمقراطى، وهو ما لم نشهده حتى الآن رغم التجاوزات الصارخة لحكم الإخوان بالنسبة لحقوق الإنسان وللقضاء وللإعلام وغيره وغيره. ألا يستحق هذا النشاط المفاجئ للسيدة باترسون الإعجاب رغم سنها؟ وألا يستحق حديثها الشكر لأنها أكدت استمرار بلادها فى دعم الإخوان؟.. أما الامتنان فهو وقتى لأنها لم تستخدم فى تحذيرها للشعب المصرى، الذى اقترب من التهديد، دبابات المندوب السامى البريطانى بعد. نقلا عن المصرى اليوم المزيد من أعمدة محمد سلماوى