بجبه وقفطان وجلباب أزهري مهندم يجلس الشيخ " صلاح صلاح عويس" ، ليشدوا في قراءة القرآن بصوت عذب، وسط أولاده وأحفاده الذين يرافقوا بمجلسه داخل منزله المتواضع بمنطقة "كفر طهرمس" بفيصل، ليمازح بناته الصغار وحفيده الرضيع بعد انتهائه من قرأته لما تيسر إليه من آيات القرآن الكريم لكونه أحد المقرئين وحفظة الكتاب. يعيش " صلاح" المقرئ الأربعيني، حياته كالمبصريين بالرغم من كونه ضرير وفاقد حاسة البصر، إلا أنه يعتمد على نفسه في كل شئ ولا يقبل أحد أن يساعده في شئ وأن الجميع يتعامل وكأنه مبصر وقادر على فعل اي شئ مهما كانت صعوبته. كافح الشيخ " صلاح" كما يحب أن يطلق عليه، منذ صغره بأحد القرى الريفية بمحافظة بني سويف، من أجل أن يحصل على شهادته الثانوية الأزهرية، حيث كان الابن الوحيد من ضمن اخواته الحاصل على شهادة تعليمية لرفض والده أن يعلم أبناءه لكونه رجل بسيط وراعي الغنم. عمل الشيخ "صلاح" منذ صغره في كل شئ بالرغم من فقدانه للبصر، ليتحاصل على أموال لاستكمال تعليمه معتمدا على نفسه في جني مصريفه، دون أن يعلم والده بأنه يدرس في المدرسة حتى لا يمنعه عنها حتى وصل إلى شهادته الأزهرية ليتوقف عند مرحلة الثانوي ولم يكمل بعدها دراسته بسبب ظروفه الأسرية الصعبة، وفقا لحديثه لموقع "صدى البلد". ويروي " صلاح" أنه حين علمت أسرته بأنه يستكمل دراسته، لم يلقى أي دعم سوى من والدته التي يحبها كثير ويعتبرها اغلى شئ في حياته اغلى من نفسه شخصيا معبرا عن ذلك قائلا" انا امي ديه جزمتها فوق راسي وعمري ما هنسى فضلها عليه ومساعدتها ليه عشان اتعلم و اقف على رجلي امي ديه اغلى شئ في الوجود ومفيش حاجة تعوضها". تلقى "صلاح " الكثير من الدعم والمساعدة من أمه التي كانت تؤمن به وبقدراته، حيث عاونته في مصاريفه الدراسية من خلال بيع الخضار والاتجار فيها بناءا على اتفاق بينهما، ليستطيع " صلاح " أن يكمل دراسته بالثانوية الأزهرية ويصبح مقرئ و إمام بأحد المساجد الأهلية. تعلم الشيخ " صلاح" تلاوة القرآن وحفظه، عبر سماعه إلى شرائط الكاسيت معتمدا على حاسة السمع، ليتقن حفظ القرآن بكافة قراءته، حيث يعد شيخه المفضل هو القارئ الشيخ" محمد صديق المنشاوي" و الشيخ " محمود خليل الحصري"، لكون تلاوتهم صحيحة وممتعة. حين وصل " صلاح" إلى القاهرة ليشق طريقه بعد رحيله عن قريته بمركز الفشن بمحافظة بني سويف، عمل في كل شئ حتى لا يحتاج إلى أحد حيث كان يعمل في الفاعل ويحمل شكائر الرمل، معتمدا على ذاته واصفا حاله آنذاك" لما روحت القاهرة وانا بزور اخويا دورت على شغل لاني كنت عاوز اتجوز ومكناس اعتمد على حد اشتغلت في كل حاجة زي يشيل الرمل رغم اني كفيف وفي جامع وفي البيع والشراء وفي كل حاجة عشان اكون نفسي وعمل اسرة، ولما اشتغلت في جامع تبع الأهلي كنت باخد 100 جنيه كنت بدي جزء لولدي وبصرف وحوش منه رغم أنه مبلغ صغير بس ربنا كان مبارك فيه". في بداية سن العشرين التقى الشيخ "صلاح" بزوجته وعشرة عمره على حد وصفه ليكون أسرته الحالية المكونة من 4 بنات، ليبدأ حياته الزوجية وكفاحه مع زوجته الأصيلة حيث كان يرفض تماما أن يعتمد عليها في العمل وفي التكفل بمصروفات البيت لكونه هو رجل المنزل ومسؤول عنه. " مراتي ديه هي حبيبتي وام عيالي وربنا كرمني بيها لأنها ست أصيلة ومطيعة وفيها كل الصفات الحلوة اللي في الدنيا ويتمنى أن ربنا يحفظها لي" كلمات تفوه بها الشيخ صلاح للتعبير عن امتنانه الى زوجته التي ظلت تسانده وتقف بجواره حتى الآن، لافتا إلى أنها تتعامل معه على أنه مبصر ولم تشعره يوما ما بأنها ضرير أو أنه يعاني من اعاقه بصرية، على حد وصفه ل "صدى البلد". يعتمد " صلاح" على نفسه في كل شئ كعمل الشاي والطبخ احيان وتشغيل غسالة الملابس والسير بمفرده بالشارع دون أن يعتمد على أحد سواء على زوجته أو بناته اللاتي يفتخرون به وبطيبته وروحه الجميلة، حيث يتعجب الكثيرين ممن حول الشيخ "صلاح"، من تصرفاته المطابقة مثل المبصريين. يعشق " صلاح" لعب الدومينو على المقهى مع اصدقاء، و مشاهدة مباريات كرة القدم لكونه اهلاوي ويفتخر، وذلك لعشقه لهذا النادي ولاعبيه، معتمدا على سمعه وتخيله للاعبين خلال المباراة وكأنه يشاهدها عبر التلفزيون. انعم الله على الشيخ "صلاح"، فصاحت اللسان والذكاء وخفة الدم عوضا عن فقدانه للبصر، الذي لا يشعره باي نقصان معتبرا نفسه مثله مثل أي شخص مبصر لا يفرق عنه في شئ، راضيا بحاله وبما أكرمه الله به جامدا إياه في كل أحواله. يحلم الشيخ "صلاح"، بإيجاد وظيفة مناسبة تساعده في أن يعول أسرته، وبناته وابنة أخيه اليتيمة، حيث يواجه ظروف معيشية صعبة يحتاج في إلى عمل ثابت لأنها لا يحب مطلق أن يشفق عليه أحد وأن يأكل من عرق جبينه على حد تعبيره، مناشدا كافة المسؤولين وأصحاب القلوب الرحيمة في إيجاد فرصة عمل له وشقة صغيرة لابنة أخيه اليتيمة.