في ظل انشغال العالم بمواجهة فيروس كورونا ومحاولة التخفيف من وطأة تأثيراته سواء على مستوي الاقتصاد أو التفاعلات الدولية، اشتعلت الازمة الليبية من جديد وذلك عقب إعلان قوات شرق ليبيا التابعة للمشير خليفة حفتر، انسحابها لمسافة تتراوح بين كيلومترين وثلاثة كيلومترات، من محيط العاصمة الليبية طرابلس وجاء هذا الانسحاب بعد خسارة قوات حفتر مواقع استراتيجية مؤخرا على رأسها قاعدة الوطية الجوية غربي طرابلس. فهذه القاعدة ذات أهمية استراتيجية وعسكرية هامة، كونها تقع على بعد 140 كم من العاصمة الليبية طرابلس، وسيطرة قوات حكومة الوفاق الوطني عليها سيعزز من أهميتها كموقع استراتيجيا وغرفة لعملياتها العسكرية المقبلة كما انها تعد القاعدة العسكرية الثانية من حيث المساحة بعد قاعدة "معيتيقة"، وهي قاعدة تبلغ مساحتها 50 كم والطاقة الاستيعابية لها تتعدى السبعة آلاف جندي، كما تضم هذه القاعدة مطارا عسكريا. علاوة على ذلك تتميز المنطقة التي تقع فيها الوطية بموقع جغرافي يساهم عسكريا بشكل كبير في التحصن، نظرا لأنها تضم تضاريس طبيعية محصنة، وهذا الأمر الذي كان يفسر إصرار حفتر على البقاء فيها لجعلها قاعدة إمدادات خلفية في غرب البلاد تحسبا لأي معركة. وبذلك وعلى الجانب الآخر فقد فوت حفتر مع خسارة هذا الموقع، المركز الرئيسي لقيادة عملياته، وستصبح بعد ذلك هذه القاعدة مركزا أساسيا لقوات الوفاق الوطني، فمن خلالها سيتزود الطيران التابع لها بالوقود للسيطرة على مناطق إضافية، مثلا إقليم فزان. إضافة الى جعل هذه القاعدة منطقة محصنة لطائراتها بعيدا عن مدى صواريخ الغراد. إن الحراك في ليبيا فرضته الصياغات الجديدة للموقف التركي الذي بعث برسائل سياسية وجيوسياسية تتمثل في تأكيده بأنه يملك مفاتيح حل الأزمة في ليبيا بغض النظر عن تجاذباتها الحادة، والمصالح المتشابكة التي لن تغيرها موازين القوى الراهنة التي تبقى مُتحركة وقابلة لخلق معادلات جديدة. والمتتبع للتحركات التركية الأخيرة، يلاحظ قيام تركيا بتدعيم 17 ألف مرتزق من سوريا والبدء في التنقيب عن البترول في المياه الليبية في محاولة منها لحل أزمتها الاقتصادية إلى جانب سعيه لاختراق دول شمال إفريقيا فى تونس والمغرب والجزائر خلال الجماعات الإسلامية، وعلى رأسها حزب النهضة فى تونس ورئيسه الغنوشي الذي يدعم الاتفاقات التركية الليبية. وبذلك ظهرت معطيات جديدة تؤكد أن الوضع في ليبيا أصبح يندفع بقوة نحو جولة جديدة من القتال بين ميليشيات حكومة فايز السراج المدعومة من تركيا وقوات الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر. لذا أطلقت مصر مبادرة " إعلان القاهرة" المرتكزة على نتائج قمة برلين والتي تضم 22 سفارة مما يؤكد على انها تعاون دولي وإقليمي برعاية مصرية فهي مبادرة سياسية قامت الدولة المصرية بالتنسيق بشأنها مع القوي الدولية قبل إعلانها وهو ما انعكس خلال قبول وتأييد معظم الدول لخارطة الطريق التي أعلنت في آطارها. لعل يعد امن ليبيا أحد محددات امن مصر كونه يمس الأمن القومي المصري بشكل مباشر خاصة أن السياسيات المتبعة من قبل تركيا قد تفضي في مرحلة ما إلى انقسام كامل للأراضي الليبية بسبب دعمها للميليشات المسلحة في الغرب، الأمر الذي يصبح معه صعوبة ضمان وحدة الدولة الليبية والذي يعد من أهم ركائز سعي الدولة المصرية للوصول إلى تسوية بشأن المتغيرات على المشهد الليبي كما انه يمثل تهديد كبير للغاية للدولة المصرية خشية من أن تصبح السيطرة على ليبيا من نصيب التنظيمات الإرهابية. لذا تمتد دوافع مصر من اهتمامات أمنية ملحة إلى اعتبارات اقتصادية، فعدم الاستقرار في ليبيا يشكل تحدي أمني لها يتمثل في الحدود المصرية الليبية التي يبلغ طولها 1150 كيلومترا. ورغم وجود عشرات الآلاف من القوات المصرية في الصحراء الغربية، تظل الحدود مركزا رئيسيا لتهريب الأسلحة والميليشيات بل ووصولهم إلى منطقة سيناء. كما تمثل ليبيا من جهة آخري منفذ لتركيا لبسط نفوذها في البحر المتوسط وهو الأمر الذي أدي إلى تنشيط حركة القوات الجوية التركية والبحرية عبر البحر المتوسط وخاصة إلى ليبيا مستغلة تصاعد وتيرة القتال بين حكومة الوفاق في طرابلس وقوات شرق ليبيا بقيادة الجيش الليبي. وهو الامر الذي يهدد المصالح الاستراتيجية المصرية في منطقة البحر المتوسط خاصة في ظل تعاظم التدخل التركي. الخلاصة: أن الرئيس التركي يطمح في بسط نفوذه في غرب ليبيا مدعوما بقوي خارجية وضمن تراجع أوروبي، مستغلا تخوفهم من حالة السيولة والانشقاق في ليبيا الذي يهددهم بمخاطر الهجرة غير الشرعية وتصدير الإرهاب لجنوب أوروبا إلا أن الدور المصري سيساهم في تفويت الفرصة وعرقلة اردوغان عن تنفيذ مخططاته نحو انقسام ليبيا خاصة في ضوء التنسيق المسبق مع القوي والمؤسسات الدولية.