من هو اليتيم وما هي حقوق اليتيم وما مكانة اليتيم في الإسلام؟.. أسئلة يزداد البحث عنها مع أول جمعة من أبريل حيث يحتفل فيها الجميع بيوم اليتيم على المستوى العالمي والمحلي، وإن كان لهذا العام ظروف استثنائية وهي انتشار فيروس كورونا المستجد والذي منعنا من الاحتفال بيوم اليتيم، إلا أننا نتناول في التقرير الإجابة على الأسئلة السابقة والتي توضح المكانة الكبيرة التي حظي بها اليتيم في الإسلام. من هو اليتيم؟ يقصد باليتيم في اللغة الانقطاع والانفراد، ويُراد به انقطاع الصغير عن أبيه وانفراده عنه، ويُقال للصبي: يتيم، وللأنثى: يتيمة، وتطلق صفة اليتم على مَن هو دون سن البلوغ. واليتيم في الاصطلاح يُقصد به انقطاع وانفصال الصغير عمّن يرعاه ويدبّر أموره ويقضي حوائجه، إذ إنّ حاجة الصغير لمن يرعاه حاجةً ضروريةً لا بدّ منها. واليتيم عند الفقهاء يطلق على من فقد أباه دون بلوغه مرحلة الحُلُم، وتزول صفة اليُتم عنه بمجرّد الحُلُم، وإن اتّصف من بلغ الحُلُم باليتم فيكون إطلاقًا مجازيًا، وذلك باعتبار حاله الذي كان قبل الحُلُم، كما أُطلق على النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وهو كبيرٌ: يتيم أبي طالب؛ إذ إنّ أبا طالب من قام على تربيته، وكما ورد في قول الله -تعالى-: (وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)، فأُطلقت صفة اليتيم على البالغ والكبير؛ إذ إنّهم لا يمكلون التصرّف في أموالهم قبل ذلك. حقوق اليتيم جاءت التشريعات الإسلامية لحفظ حقوق الإنسان بشكلٍ عامٍ، وورد التأكيد على رعاية وحفظ حقوق الأيتام؛ فقد أكّد القرآن الكريم على العناية باليتيم وحفظ حقوقه، ومدح الله -عزّ وجلّ- في القرآن الكريم المجتمع المسلم بإكرامه لليتيم إلى درجة الإيثار على النفس رغم الفقر والحاجة، قال -تعالى-: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا)، و قال القرطبي في تفيسر الآية السابقة: "أي يطعمون الطعام على قلّته وحبّهم إياه وشهوتهم له". اقرأ أيضاً: في ذكري الاحتفال به.. هل مال اليتيم عليه زكاة؟ اعرف حكم الشرع مكانة اليتيم في الإسلام وحقوقه اهتم القرآن الكريم باليتيم وبيّن أهمية رعايته وحفظ حقوقه في أوائل الآيات التي نزلت على الرسول -عليه الصلاة والسلام-، قال تعالى: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ). ويدل النص القرآني الكريم على إنكار سلوك من يسيء إلى اليتيم وينتقص من كرامته، ورُبط ذلك بالدين؛ دلالةً على خطورة الأمر. ومن عظيم اهتمام القرآن الكريم باليتيم أن ذكره في معرض الحديث عن أركان الإيمان؛ دلالةً على أهمية البر باليتيم، قال -تعالى-: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ). وقد ورد ذكر اليتيم في القرآن الكريم ثلاثًا وعشرين مرةً في مواضع مختلفةٍ، ومن حقوق اليتيم التي نصّت عليها الشريعة: الإحسان إليه و الرحمة: الإحسان إلى اليتيم من الأمور المقرّرة في كافة الكتب والرسالات السماوية، قال -تعالى-: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ...). الإحسان إلى اليتيم في الأقوال والأفعال، وتجنّب قهره أو ذلّه أو التعدّي عليه. تنشئته تنشئةً سويةً كريمةً، وتربيته على القيم والأخلاق الفاضلة، وتعويضه بالقدر الكافي عما فقده من الحب والحنان بموت أبيه، ويترتّب على ذلك الثواب العظيم ومرافقة النبي -صلى الله عليه وسلم- في الجنة، قال -عليه الصلاة والسلام-: (أنا وكافِلُ اليَتِيمِ في الجَنَّةِ هَكَذا وأَشارَ بالسَّبَّابَةِ والوُسْطَى، وفَرَّجَ بيْنَهُما شيئًا). الحرص على تعليمه ولا يتعارض ذلك مع أهمية توجيهه وتعديل سلوكه وردعه عن الانحراف السيّئ إن وقع منه في القول أو العمل. الاهتمام به اجتماعيًا: يحتاج اليتيم للتربية الصالحة كما يحتاج للطعام واللباس والمسكن وغيرها من الاحتياجات، وعلى المجتمع المسلم أن يتعاون في تأمين تلك المتطلّبات لينشأ اليتيم نشأةً سليمة، وقد بيّن الله -عزّ وجلّ- بعض وجوه التكافل بما أنعم به على نبيّه محمد -صلّى الله عليه وسلّم- في يتمه، قال -تعالى-: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَىٰ * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَىٰ). الحرص على مبادلة الحب والعطف والحنان مع اليتيم ليكون بذلك إنسانًا صالحًا في المجتمع بحيث لا تؤثّر عليه حالته في حياته الاجتماعية، وبذلك لا يُمكن أن ينشأ وحيدًا ولن تتسبّب الوحدة في انحراف سلوكه عن باقي أفراد المجتمع الصالحين الذين نشأوا بوجود والدهم. إيواء اليتيم بالمسكن المناسب، ويمكن تحقيق ذلك بزيادة من انشاء مؤسساتٍ اجتماعيةٍ خاصةٍ بالأيتام تقوم على أمورهم وشؤونهم. الاهتمام به ماليًا، قال -تعالى-: (وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا)، فقد ارتبطت الآية السابقة الدالة على حفظ أموال الأيتام ثمّ دفعها لهم بعد رشدهم بما قبلها من الآيات في سورة النساء التي تأمر بوجوب تقوى الله -عزّ وجلّ-. اقرأ أيضاً: هل الاحتفال بيوم اليتيم في أول جمعة من أبريل بدعة ؟ كما يستفاد من الآية الكريمة: وجوب المحافظة على مال اليتيم وتنميته، ووجوب إعطاؤه ماله حين بلوغه ورشده. حُرمة أكل مال اليتيم بغير حقٍ، وحرمة استبداله أو ضمّه إلى أموالٍ أخرى إلّا إن تحقّقت مصلحةً لليتيم من ذلك، إذ يجوز ضمّ مال اليتيم إلى أموالٍ أخرى بقصد تنميتها والمحافظة عليها وغير ذلك من المقاصد، مع الحرص على توثيق ذلك والإشهاد عليه. ويعد أخذ مال اليتيم من كبائر الذنوب، وقد أفتى العلماء بحُرمة أكل مال اليتيم، وأنّ من يأكلون أموالهم بلا حقٍ فإنّما يأكلون مالًا حرامًا. وقد أمر النبي -صلّى الله عليه وسلّم- باجتناب السبع الموبقات، وذكر منها أكل مال اليتيم، وقد نهى الله -عزّ وجلّ- عن ذلك، إلّا أنّ المقصود كلّ أنواع التعدي، وعلى ذلك أجمع علماء الأمة، ويُدفع المال لليتيم عندما يبلغ السن التي تؤهّله لذلك، قال تعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ). والمقصود بالرُشد القوة العقلية وحسن التصرف بالمال، وانتهاء الفترة العمرية التي يكون فيها الإنسان جاهلًا يتصرف بسفهٍ وطيشٍ وتبذيرٍ، فهذا هو مناط دفع المال لليتيم ليتصرّف به. أمّا من حيث جواز أكل الوصي من مال اليتيم، فقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بقوله -تعالى-: (وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ)، فصنّفت الآية الكريمة الأوصياء إلى صنفين: - الوصي الغني: ورد الأمر الإلهي بأنّ يستعفف ويستغني بماله ولا يأكل من مال اليتيم، وأن يبتغي بكفالته ورعايته وجه الله -تعالى- ونيل رضوانه. - الوصي الفقير: وهو من كان محتاجًا ولا يملك مالًا يُغنيه ويسدّ حاجته، كما أنّه منشغلًا بالمحافظة على مال اليتيم وتنميته، فأباح له الشرع الأخذ من مال اليتيم مقابل ما يقدّمه من عملٍ وجهدٍ في رعاية اليتيم وحفظ ماله، على أن يأخذ بالمعروف دون إسرافٍ ولا تبذيرٍ، وقد حذّر القرآن الكريم من التعدّي والتجاوز فقال: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا). آداب التعامل مع اليتيم التعامل مع اليتيم له العديد من الآداب التي يُحسن التحلّي بها حين التعامل معه، يُذكر منها: ملاطفته والبشاشة في وجهه، ولين الجانب والمزاح معه، وإدخال السرور إلى قلبه. تعزيز الجوانب الإيجابية وغرس الثقة في نفس اليتيم، وتنمية القدرات والإبداعات لديه. التربية الإيمانية السليمة، وتعميق فهم العقيدة الصحيحة، وتنمية القيم والأخلاق الفاضلة لديه، وزيادة حبّه وتمسّكه بكتاب الله وسنة رسوله -صلّى الله عليه وسلّم-. التوجيه والإرشاد وتعديل السلوكات الخاطئة بالتي هي أحسن ما أمكن ذلك. تحفيزه لأداء الأعمال النافعة والثناء عليه بعد أدائه لها، وترغيبه بالاستمرار والمداومة على الخير والبرّ والوصول إلى الدراجت الرفيعة. التواضع لليتيم وعدم التعالي عليه بأي فعلٍ أو قولٍ، والتحلّي بالأخلاق التي تحلّى بها الرسول -عليه الصلاة والسلام-. فضل كفالة اليتيم بيّن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أن كفالة اليتيم بابٌ عظيمٌ من الأجر والثواب، ورفعة شأنٍ لمن يقوم به، ولا أدلّ على ذلك من أنّه رفيق رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في الجنة، فقد قال: (وَأنا وكافِلُ اليَتِيمِ في الجَنَّةِ هَكَذا وأَشارَ بالسَّبَّابَةِ والوُسْطَى، وفَرَّجَ بيْنَهُما شيئًا)، قال الحافظ ابن حجر: "قال بن بطال: حقٌ على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النبي في الجنة، ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك". وكفالة اليتيم تكون بضم الكافل اليتيم إلى بيته، أي ضمّه إلى أسرته ليعيش مع أبنائه، ويقوم على تأديبه وتربيته حتى يبلغ، وهذه هي الصورة المثالية والأفضل والأعلى درجةً لكفالة اليتيم. والشكل الآخر للكفالة تكون بدفع مبلغٍ من المال بشكلٍ دوريٍ بما يكفي للإنفاق على اليتيم الذي يعيش في مكانٍ آخرٍ بعيدًا عن سكن الكافل وأسرته، وهذا الشكل من الكفالة وإن كان أدنى درجةً من الصورة الأولى إلّا أنّه يترتب عليه عظيم الأجر وينال الكافل به أجر الكفالة. ومن فضائل كفالة اليتيم: يُضاعف أجر وثواب كفالة اليتيم إن كان من الأقارب. ترقيق القلب وإزالة القسوة منه. بناء مجتمعٍ متراحمٍ أفراده متعاونون فيما بينهم. تزكية المال وتطهيره، والبركة لصاحبه به. امتثال الأخلاق العظيمة التي حثّ عليها الإسلام. دلالةٌ على الفطرة السليمة النقية التي فطر الله -سبحانه- الناس عليها.