وكأن كل من يطرأ في ذهنه فكرة يدفعها للتفعيل السياسي دون نظر إلى مدى عقلانية الطرح وإمكانية التنفيذ. هذا ما يمكن إجماله مُختصرًا عن حملات تحرير توكيلات بإدارة شئون البلاد للجيش أو للفريق عبدالفتاح السيسي، وزير الدفاع، فكما نعرف أن قصة تحرير توكيلات في الشهر العقاري لتفويض المؤسسة العسكرية أو وزير الدفاع بإدارة شئون البلاد، هي في الأصل اختراع بورسعيدي، انتقلت عدواه لعدد من المحافظات في شمال القطر وجنوبه. دار الجدل حول الفكرة ومدى قانونيتها، فبدأ بامتناع عدد من مكاتب الشهر العقاري في المحافظات عن تحرير التوكيلات، واضطرت مكاتب إلى إغلاق أبوابها كما حدث في بورسعيد، لكن خرج قرار كتابي من وزارة العدل لجميع مكاتب الشهر العقاري بإمكانية تحرير توكيلات المواطنين للمؤسسة العسكرية بنص "أنه لا مانع من تحرير هذا النوع من التوكيلات"، مع التأكيد أن القضاء هو الذي سيفصل في قانونية وشرعية إعمال أثر توكيلات "تفويض الجيش" وليس وزارة العدل. كل ما قيل وتردّد يؤكد أن المشهد المصري بات حقل تجارب سياسيًا، فالفكرة في أساسها "مضيعة للوقت" وقل إن شئت "هزل سياسي"، فهذا الإجراء ليس له سند دستوري، فمن يملك حق منح سلطة أو اختصاص لأحد!!، فضلاً عن أنها ليست آلية لتصحيح الأوضاع التي يرفضها الشعب المصري لأنها تفتقد الموضوعية والقانونية.. ومن قال أصلاً إن الجيش يقبل بالفكرة في ظل ضغط دولي رافض تمامًا لتولية القيادة العسكرية الحكم، فتولي الجيش إدارة شئون البلاد لن يأتي إلا بانقلاب عسكري أو بإرادة شعبية – تمامًا كما حدث عقب تنحي الرئيس المخلوع حسني مبارك. حقيقي أن حملة التوكيلات للسيسي ليس ثقة في شخصه، وإنما تعبيرًا عن غضب شعبي وعدم رضا عن سياسات الإخوان ورئيس الجمهورية، لأنه لم تظهر لهم بعد قيادة شعبية حقيقية تستطيع تمثيل الحركة الشعبية والثورية وتحقيق طموحات الشعب وآماله. لكن الفكرة تعكس مدى الأزمة التي تعانيها مصر بسبب افتقاد الجميع للرشادة السياسية في إدارة مواقفه السياسية، فمن السياسيين من يستغلها في الصراع السياسي ضد الإخوان من أجل تحقيق مكاسب ما رغم علمه أنها ليست ذات جدوى، كما أنها تتنافى لما هو مستقر في تقاليد العمل السياسي العام ، أن تولية الحاكم بالانتخابات والمنافسة الشريفة وليس بالتوكيلات، والمدهش في الأمر أن من يدفع من السياسيين في اتجاه تفعيل فكرة تحرير التوكيلات لم يطرح رؤيته لكيفية مواجهة التحديات التي نواجهها كمجتمع ودولة للخروج من تلك العثرات المتتالية التي وضعنا فيها الساسة والسياسية. وأخيرا.. من قال إن الجيش سيحل الأزمات التي نعيشها؟ أم أنه سيكون أكثر ديمقراطية مع مُعارضيه؟ فالجيش ألف خلال الفترة الانتقالية التي حكم فيها البلاد عقب 11 فبراير أن يُدير الدولة كمدير انتقالي فتسلمتها جماعة الإخوان وأصبحنا فيما نحن فيه . وهل ورقة الجيش هي التي ستنقذ مصر مما هي فيه، أم أننا بعد هتافات "يسقط حكم العسكر" سنرفع شعار "الجيش هو المُنقذ"؟ المزيد من أعمدة محمد مندور