يبدو أن الحوار الوطني المزعوم فشل قبل أن يبدأ جديا بحضور قيادات جبهة الإنقاذ وقوى المعارضة، فهناك اتجاه لعدم النظر في مطالب واقتراحات المعارضة والمتفق عليها مع حزب النور، والخاصة بتشكيل حكومة ائتلافية لتباشر مهام الانتخابات البرلمانية المقبلة، بعيدا عن حكومة قنديل التي فقدت رصيدها في الشارع لعدم الثقة في حيادها، لانحيازها للإخوان ولذراعها السياسية ممثلة في الحرية والعدالة. المؤكد أن هذه الحكومة ستظل في موقعها دون أي تغيير، وهو ما يعني ضمنا رفض مطالب المعارضة وحزب النور السلفي، كما أن عدم إحداث أي تغيير في قانون الانتخابات الحالي وبقاء تقسيم الدوائر حسب هوى الإخوان، وإقصاء القضاة عن مباشرة الإشراف الكامل على الانتخابات، وهو ما سيفتح الباب أمام التزوير الممنهج لصالح مرشحي الإخوان والمتحالفين معهم، مما سيضعف فرص فوز مرشحي المعارضة، بمقاعد تعبر عن حجمها الحقيقي في الشارع، وقد انعكست نوايا التزوير المبكرة من التصريحات المتتالية الصادرة عن قيادات الجماعة وحزبها بأنهم سوف يحصدون أغلبية مجلس النواب المقبل. والسؤال المهم: كيف لفصيل أو حزب أن يتوقع حصوله على الأغلبية قبل الدعوة لإجراء الانتخابات؟ فمن أين هذه الثقة؟ اللهم إلا إذا كانت هناك رغبة واضحة للتزوير في غياب الإشراف القضائي على اللجان الفرعية، وفي ظل تدني شعبية الإخوان والمتحالفين معهم من الأحزاب الهامشية المؤيدة والداعمة لهم، للحصول على مكاسب سياسية دون وجود حقيقي في الشارع حتى في مسقط رأس هؤلاء المؤيدين، ممن لا يمكنهم النزول إلى دوائرهم الانتخابية منفردين! فكيف لهم أن يحققوا الفوز بمقاعد في البرلمان بعد انقلاب الناخبين عليهم. فالحوار الوطني ليس إلا ديكورا لا طائل منه على الإطلاق، في ظل الدعوة التي سيصدرها الرئيس مرسي قبل نهاية الشهر الحالي بفتح باب الترشح في الانتخابات حسبما حدد الدستور 60 يوما من الاستفتاء على الدستور، وسوف تنسف هذه الدعوة أي بادرة أمل للتهدئة من جانب المعارضة، والتي كانت لديها طموحات بأن تلقي دعواتها آذانا صاغية من جانب مؤسسة الرئاسة، أو حتى تنفيذ ما صدر عن ياسر علي، المتحدث الرسمي المقال من موقعه، بأنه لا خطوط حمراء على مائدة الحوار في حالة جلوس قيادات الإنقاذ والمعارضة مع الرئيس هذا الأسبوع، ويبدو أن ياسر علي دفع ثمن هذا التصريح، والذي لم يلق قبولا داخل مكتب الإرشاد، إذ اعتبرت قيادات الجماعة أن قبول شروط المعارضة حول حكومة جديدة ومحايدة، ووضع ضمانات لنزاهة الانتخابات، هو ضعف من مؤسسة الرئاسة، مما سيؤثر على فرص مرشحي الإخوان للاستحواذ على البرلمان الجديد، وبالتالي ستكون المعارضة أمامها فرصة ذهبية لحصد الأغلبية في ظل حالة التردي من الأوضاع الاقتصادية المنهارة أصلا، والتصويت العقابي المتوقع ضد الإخوان، على غرار ما جري في انتخابات 2005 والتي حصدوا فيها 88 مقعدا، وكادوا يصلوا لنحو 120 مقعدا وهى نسبة الثلث المعطل، لولا التدخلات الأمنية والتزوير خلال المرحلة الثالثة، ولم تكن هذه المقاعد بسبب شعبيتهم في الشارع آنذاك، ولكن للتصويت العقابي ضد مرشحي الحزب الوطني. لا يريد الإخوان تكرار هذا السيناريو معهم في الانتخابات الجديدة، وأتوقع مثل الكثيرين وقوع عمليات التزوير المبكرة والممنهجة في غياب أي رقابة دولية أو محلية، ولدينا تجربة الاستفتاء على الدستور الإخواني ماثلة في الأذهان، لكن المعارضة أمامها فرصة مواتية وهى الأخيرة لهم وللسواد الأعظم من الناخبين، بحصد الأغلبية أو على أقل تقدير نسبة الثلث المعطل، وهذا يتطلب توحيد صفوف جميع التيارات والقوى السياسية والأحزاب دون استثناء بمن فيهم المحسوبون على الوطني المنحل، ممن لهم نفوذ وكتل تصويتية هائلة في الصعيد والمحافظات المختلفة، وألا يستمع قادة المعارضة والإنقاذ للشعارات والخطابات من بعض القوى غير المؤثرة في الشارع، بأنهم يتحالفون مع عناصر الوطني، فمثل هذه اللغة كانت سببا رئيسيا في سيطرة الإخوان على البرلمان المنحل، فليس هناك من يمتلك مفاتيح الإقصاء والمنع لمواطنين مصريين شرفاء لم يثبت ضدهم أي فساد أو جرائم، وهؤلاء سيكونون الورقة الرابحة لأي تربيطات انتخابية، وجماعة الإخوان نفسها تقوم بهذه التربيطات مع أنصار الوطني في الدوائر المؤثرين فيها، وعلى الجميع بدء صفحة جديدة مع جميع المصريين في تلك المرحلة الصعبة، لتخرج مصر من كبوتها. وتلك هى الفرصة الأخيرة للمعارضة وشباب الثورة، والذين عليهم التكاتف والوحدة كبداية على الطريق الصحيح لضمان الحصول على الأغلبية أو حصد أكبر عدد من المقاعد، وهنا سيمكنهم التغيير وتحقيق أهداف الثورة من خلال الصندوق الانتخابي. المزيد من أعمدة أحمد موسى